الرئيسية| مقالات وآراء| تفاصيل الخبر

أسباب علّة الإصرار على الحرب

تحليل طوفان الأقصى ومحركات الحرب الحالية (محاولة للفهم)

09:18 م،22 فبراير 2024

عبد الله أمين

مقدمة:

يحرص القادة العسكريون أثناء شنهم لحروبهم، وخروجهم في حملاتهم العسكرية؛ أن يحققوا أغلب الأهداف التي خططوا لها، والتي اشتقوها أو استنبطوها من خلال توجيهات مستوياتهم السياسية والقيادية، يحرص هؤلاء القادة على تحقيق هذه الأهداف بأسرع وقت، وبأقل الكلف البشرية والمادية قبل أن تصل معاركهم الميدانية إلى أقصى نقطة تطور، أو ما يعرف "بنقطة الذروة" والتي يَستدل عليها القادة ويبدؤون برؤية مؤشراتها وقرائنها من خلال:

  • بطئ اندفاعة القوات نحو أهدافها، بعد أن كانت حركتها سريعة وسلسلة.
  • تجاوز المدة الزمنية الموضوعة لتحقيق الأهداف؛ فالأهداف العسكرية عبارة عن: جغرافيا يجب الوصول لها ضمن جداول ومدد زمنية؛ قد تزيد أو تنقص، ولكن بشكل طفيف.
  • زيادة طلب القادة لقدرات بشرية أو مادية، أكثر مما هو مقدر أو مخطط له.
  • تعذر تحقيق الأهداف، حتى مع زيادة الدفع بالقدرات.

عندما يرى القادة العسكريون مثل هذه المؤشرات والقرائن؛ يبدؤون في مراجعة خططهم، وتفقد قواتهم، وبحث إجراءاتهم، للوقوف على مكامن الخطأ أو التقصير التي أوصلت المعركة إلى " ذروتها " دون أن تحقيق أهدافها، شاخصة إبصارهم ـ القادة ـ نحو مبادرات سياسية، أو وقفات تعبوية، أو هدن إنسانية من أجل:

  • ترميم القدرات وسد الثغرات.
  • إنعاش القوات.
  • مراجعة الخطط والإجراءات.

فما أن يُحقق ما ذكر سالفا؛ ليبدأ القادة بالبحث عن مخارج ميدانية أو سياسية، تعيدهم للحرب ومعاركها، لتحقيق الأهداف التي بدأت من أجلها، وتوقفت عندما تعذر الوصول لها في مرحلتها الأولى.

وهنا يحضر سؤال عن سبب الإصرار على استكمال المعارك، والبحث عن معاودة إشعال نارها، بعد أن بردت وخمد أوارها، حيث تعدد الإجابات، وتكثر الاجتهادات التي تجيب عن هذه الأسئلة والاستفسارات، وتشرح سبب العودة والاستئناف، والتي ـ عنينا الأجوبة ـ لا تبدأ من بقاء التهديد الذي خيضت الحرب للقضاء عليه ؛ ولا تنتهي عند البحث عن موقف تعبوي تكون في اليد العليا لمن بادر باستئناف الحرب ، وأعاد النفخ في كيرها .

وأمام ما وصله الموقف في غزة ، والذي يزعم كاتب هذه السطور أن العدو قد وصل إلى ذروة حربه فيها قبل هدنة تشرين الثاني 2023 ، وأن ما كان بعد الهدنة وحتى الآن من معارك واشتباكات ، وقصف ودمار ؛ إنما هو تفاوض تحت النار ؛ تحسيناً لشروط سياسية ، وبحثاً عن مواقف أرجحية تعبوية ؛ بحيث لم يحقق العدو أياً من أهدافه ـ ذاكرينها ـ التي شن حربه المجنونة على بشر غزة وحجرها لتحقيقها ؛ لا قبل الهدنة ولا بعدها، ولا أدل على ذلك ـ عدم تحقيق الأهداف ـ من عودته للقتال في " حي الزيتون " ، وقوله أن معركته فيها سوف تستمر لأسابيع !! . وحيث أن كبار قادة العدو ومحلليه ، بدأ من " سحاق بريك " ، ومروراً " بغادي أيزنكوت " وما بينهما من عقول مهنية وتخصصية ؛ كلهم يكادون يجمعون على أن هزيمة حركة " حماس " مستحيلة ، وأن القضاء على قدرتها " السلطوية " و " العسكرية " هدف بعيد المنال ، مستدلين على ذلك بأن هذه الحركة إنما هي فكرة نمت وترعرعت في نفوس الناس ، والأفكار لا يمكن هزيمتها ، ولا القضاء عليها ، كما أنهم يستدلون على ذلك ـ عدم إمكانية القضاء على حركة حماس ـ بما يرونه من مؤشرات يومية تزيد من قناعتهم هذه ؛ حيث ما زالت حركات المقاومة في غزة العزة ، وفي مقدمتها حركة المقاومة الإسلامية " حماس " مشتبكة معه بشكل يومي ، وتوقع فيه خسائر بشرية ومادية في كل تماس تحققه معه ، وفي كل احتكاك تحتكه به ، كما أن باقي جبهات مساندة غزة ما زالت فاعلة ، وضاغطة ؛ خاصة جبهة الجنوب اللبناني ، التي تحتك بهذا العدو بمعدل الخمس عمليات يومياً . أمام هذا الموقف، يشخص ـ كما قلنا سابقاً ـ السؤال عن السبب خلف إصرار العدو على إدامة حربه، واستمرار حملته، واستعداده لتحمل أكلافها البشرية والمادية ، الأمر ـ علّة الإصرار على الحرب ـ الذي ستحاول هذه الورقة سبر غوره ، وكشف بعضاً من علّته ، لمحاولة فهمه .

يعتقد كاتب هذه السطور أن إصرار العدو على إدامة حربه ، وإصراره على مواصلة معاركها ، يقف خلفه كثيرٌ من الأسباب والعلل ، قد يكون من أهمها ما يأتي :

  • محاول تحقيق أصل الهدف من الحرب ؛ فالعدو إلى الآن لم يحقق أياً من أهدافه ، فلا هو حرر أسرى ، ولا خفض من نسبة التهديد وخطورته بما يقنع مغتصبي غلاف غزة ، أو شمال فلسطين بالعودة إلى مغتصباتهم ، كما لم يفكك قدرات حماس السلطوية ؛ حيث عادت الحركة لتمارس ـ ولو بشكل رمزي ـ بعضاً من مظاهر السلطة في الأماكن التي خرج منها العدو ، ولا هو قضى على التسلسل القيادي لفصائل المقاومة عامة ، وحماس خاصة ، فما زالت منظومة القيادة والسيطرة تعمل ـ وإن ببطئ ـ وما زال القادة يوجّهون أفرادهم ، ويشاركون في صنع قرار الحرب والسلم ، الأمر الذي طيّر ( ظبان ) عقول قادة العدو .
  • ارتباط الحياة المهنية والسياسية لطبقة من مسؤولي هذا الكيان ببقاء هذه الحرب ، فصديق العدو قبل عدوه ، يعلم أن طبقة قيادة من هذا العدو ، ومن مختلف المستويات والتخصصات ستكشط ؛ وأفضلها حالاً سوف يقال له بعد الحرب ( صف واطفي ) ، أما بعضهم فقد بدأ يُعد العُدة لدخول السجون ، لذلك يرى كثير منهم أن بقاء هذه الحرب مستعرة ، يشكل له مصدر حياة ، وإنبوب أكسجين يتنفس منه ، وبمجرد وقفها ؛ ستفصل عنه وسائل دعم ( الحياة ) وإدامتها وسبب بقائه ، لذلك يحرصون على إدامتها والنفخ في كيرها .
  • التقليل من أكلاف مساءلة أصحاب القرار السياسي والعسكري عن سبب الإخفاق في السابع من أكتوبر 2023 ؛ حيث أن بعض ساسة العدو وعسكره ؛ والذين ضبطوا (نائمين) في نوبة حراستهم ، و( أكلو كف على غلفة ) ؛ هذه الطبقة من البشر بدأت تُعِد ملفات دفوعها أمام لجان التحقيق التي بدأت تستعد لجلسات طويلة معهم بحثاً عن سبب الإخفاق والفضيحة ، لذلك فإن كثيراً من هذه الطبقة السياسية والعسكرية معنيون بأن تُضم إلى ملفات دفوعهم صفحات فيها ما يُسَوقونه على إنه إنجاز ؛ من قتل ودمار وحصار وتضيق على من ( علّموا ) عليهم ، علّهم بذلك ينجون بجلدهم أمام لجان التحقيق وفرق المسائلة .
  • العقلية العسكرية المجبولة على الانتقام ممن أهانها ودنس ( شرفها ) المهني ؛ فلا أعظم على العسكري من أن يمس شرفه المهني ، أو تُجرح كرامة بدلته العسكرية ؛ فإن وجد نفسه في مثل هذا الموقف و( شخصنه ) ، وخلط ما هو شخصي بما هو مهني ؛ عندها ( بركب السن الأعوج عنده) ، ويتمادى في غيه ، ويخوض معركته إلى النهاية ، حتى لو أنه لا يرى أفقاً لها أو ضوءاً في آخر نفقها ، وهذا ما نراه اليوم في غزة .
  • فحص وتجريب قدرات نار ووسائط قتال ؛ فالعدو كان يُفاخر بصناعاته القتالية ، وأدواته الحربية ، وليس أفضل من ساحة حرب حقيقية لفحص كفاءة هذه القدرات وتلك الأدوات ، علّه بذلك يعيد الثقة فيها ، فلا ينغلق سوقها ، وتكسد في مستودعاتها .
  • فحص وتجريب طرق عمل وتكتيكات قتال قد يُحتاج لها مستقبلاً ، فالحرب هي مختبر القوات الحقيقي التي تثبت فيها جدارتها ، وتفحص فيها طرق عملها ، والدول تبحث لجنودها عن ساحات معارك حقيقية ، فتشارك فيها بمقاتلين أو مستشارين ، لإنزال خطط نظرية ، أو توجيها ركنية على أرض الواقع ؛ فحصاً لصحتها ، ورفعاً لنقاط ضعفها ، ليعاد الاستفادة منها عند الحاجة ووقت الضرورة ، وهذا ما يمارسه العدو وحلفاؤه في غزة ، وهو فيما نحسب أحد أسباب بقاء محركات الحرب دائرة إلى الآن .
  • إرسال رسائل ردع أو إرعاب وتخويف للأعداء ، فالعاقل من يتعظ بغيره ، ولا يتعلم على جلده ومن ( كيسه ) ، ومشاهد إجرام العدو في غزة ؛ يرى فيها ـ العدو ـ سبباً قد يردع من تسول له نفسه مستقبلاً بالتعرض له ، أو الاعتداء عليه .

هذه بعض الأسباب التي نعتقد أنها تُشكل أهم محركات بقاء الحرب في غزة إلى وقتها الحالي ، وهي ما قد تكون سبباً في استدامتها ـ ولو بطرق مختلفة ـ في المستقبل . إلا أننا نعتقد جازمين ، أن العدو لن يحقق في هذه الحرب ما خرج لتحقيقه ، ولن ينجز ما وعد قادته ومسؤولية بيئتهم به . "ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز " وهو سبحانه " غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ".