عجَّل جيش الاحتلال من وتيرة عمليتِه في شرقي رفح، وتحركت آلياته بسرعة وتحت غطاء ناري مكثَّف في اتجاه الجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدودي وسيطرت عليه، مع بروبجندا إعلامية كبيرة حملت معها صورًا روَّجها جيش الاحتلال لآلياته داخل المعبر مع العلم الإسرائيلي، وهو ذاته ما ذكره "نتنياهو" في تصريحاته عن تمكُّن الجيش من الوصول إلى المعبر في غضون ساعات، ومدى أهمية هذه الخطوة لتحقيق "أهداف الحرب".
المسارعة في احتلال المعبر مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بحاجة حكومة الاحتلال إلى أوراق تفاوضية جديدة
في الواقع، فإن مسارعة الاحتلال في التقدم في اتجاه المعبر واحتلاله مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بحاجة حكومة الاحتلال إلى أوراق تفاوضية جديدة تساهم في إخراجها من المأزق الذي وجدت نفسها فيه، بعد إعلان المقاومة قبول المقترح المُقدَّم من الوسطاء وبمشاركة أمريكية مباشرة، ما وضع الاحتلال في الزاوية التي بات يحتاج إلى مخرج منها، ومثَّل احتلال المعبر الممر الوحيد الذي يمكن عبره إيجاد عنوان جديد يتطلب التفاوض حوله ويتيح له هامشًا من المناورة.
تسمح العملية الجارية في رفح لرئيس وزراء الاحتلال بتقديم مادة كافية لإرضاء شركائه في الائتلاف الحكومي، وتتيح للجيش أيضًا الادعاء بأنه قد وجَّه ضرباتٍ لكل كتائب المقاومة في قطاع غزة ونجح في تفكيك بنيتها التحتية، بينما العنوان الأكبر -وهو المعبر والشريط الحدودي- سيسمح للاحتلال بوضع ملف إدارة المعبر والسيطرة عليه ضمن عناوين التفاوض، ما يفتح السيناريوهات أمام أطروحات جديدة ستخضع للنقاش والتفاوض، أبرزها العودة إلى اتفاقية إدارة المعبر 2005 والمراقبين الأوربيين.
سيعمد جيش الاحتلال إلى رفع وتيرة النيران في رفح، ويبحث كثيرًا عن أوراق جديدة تحسِّن موقفَه التفاوضيَّ، بما فيها استمرار البحث المستميت عن صورة نصر، وعمليات اغتيال ناجحة، أو تحرير للأسرى بعمليات عسكرية خاصة، فيما لم ولن تتوانى المقاومة عن استخدام أدوات الحرب النفسية وتحفيز عائلات أسرى الاحتلال نحو المزيد من التحرك، ما يقع ضمن سياقه الإعلان الأخير عن مقتل أسيرة بعد إصابتها بقصف إسرائيلي وعدم توفر علاج كافي لها.
ستتمسَّك المقاومة بما تم التوصل إليه على أساس أنه الحد الأقصى من المرونة الممكنة
ستكُون جولة التفاوض الحالية في القاهرة الجولة الأكثر محورية في تحديد مسارات التفاوض القادمة وتبين حجم قدرة الولايات المتحدة على الضغط على الاحتلال، الذي أعلن رئيس وزرائه أن المعروض حاليًّا بعيدًا جدًّا عن مطالبه، فيما ستتمسَّك المقاومة بالتأكيد بما تم التوصل إليه على أساس أنه الحد الأقصى من المرونة الممكنة مع الوسطاء للوصول إلى الصيغ الحالية، فيما لن تتوانى الولايات المتحدة عن استخدام جزء من أدواتها للضغط على كل الأطراف بما فيها الوسطاء للوصول إلى اتفاق في أسرع وقت ممكن ومنع تحوُّل عملية رفح إلى حالة "صب الزيت على النار" وزيادة زخم المظاهرات في الولايات المتحدة، والمخاطرة بانفجار أوسَع للاشتباك في المنطقة، خصوصًا مع تصاعد ضربات الجبهات الإسنادية التي هدَّدت بأن مرحلة رفح ستشهد رفعًا جديدًا لوتيرة الضربات.