الرئيسية| قراءة تحليلية| تفاصيل الخبر

من المعقد إلى الأكثر تعقيدًا

استعار الميدان وجمود المفاوضات وتصاعد الأزمات

02:24 م،22 مايو 2024

يستعر الميدان في قطاع غزة مع اشتداد المعارك الطاحنة بين المقاومة وقوات الاحتلال الغازية في مخيم جباليا، الذي عملت آلة الحرب الإسرائيلية على إنهاكه على مدار شهور الحرب الثمانية واغتالت كل قادته، بحثًا عن دخول هادئ للمخيم الذي لطالما كان شرارة الانتفاضات ولبنة صلبة من لبنات المقاومة، إلا أن كل الضربات لم تنجح في إنهاك عزائم مقاوميه، ولا صمود أهله الذين شكَّلوا العنوان الأبرز لإفشال مخطط إفراغ شمالي قطاع غزة من سكانه، والأمر سواءٌ بضربات المقاومة المستمرة في المناطق الشرقية لمحافظة رفح، الذي استخدم الاحتلال العملية العسكرية فيها للتغطية على جرائمه في مخيم جباليا.

على المقلب الآخر، تسيطر حالة الاستعصاء التفاوضي على جهود الوصول إلى اتفاق لتبادل الأسرى وإيقاف حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة، فيما يحاول الوسيط القطري إلقاء حجر اليائس في المياه الراكدة بإعلانه قرب وصول الجهود إلى حائط مسدود، فيما تستمر الرسائل الأمريكية في التضارب وسط حسابات متداخلة للرئيس الأمريكي "جو بايدن" وفريقه الرئاسي، الذي يحاول الموازنة بين صهيونيته والتزامه المطلق بالمصلحة الإسرائيلية من جهة، ومحاولات البحث عن عناوين إسعافية للهرب من نقمة الجمهور الأمريكي الرافض لاستمرار حرب الإبادة على قطع غزة وتأثيرات هذا الجمهور على صندوق الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تقترب يومًا بعد يوم من جهة أخرى.

ما بين إحباط مستشار الأمن القومي الأمريكي، "جيك سوليفان"، الذي حمل التطبيع السعودي في حقيبته في خلال الزيارة إلى تل أبيب، وتأكيد وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن" بالالتزام التام تجاه المصالح الإسرائيلية وترك الكرة في ملعب رئيس وزراء دولة الاحتلال، "بنيامين نتنياهو"، دون الدفع بقوة لإيصال هذه الكرة إلى مربع التوافق على صيغة تنهي الحرب، يبدو من الواضح أن الإدارة الأمريكية تبحث عن وسائل وطرق أخرى تضغط بها على الأخير دون الصدام المباشر معه ومع اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، ما يسمح بالربط بين إعلان زعيم المعارضة الإسرائيلية وعضو مجلس الحرب، "بيني غانتس"، والرغبة الأمريكية بالوصول إلى إجابات واضحة لمستقبل الحرب وسيناريوهات اليوم التالي التي يتهرب منها "نتنياهو" قاطعًا الشك باليقين بأن الهدف بات الآن الحرب من أجل الحرب فقط، أي الحرب من أجل بقائه ومستقبله السياسي لا غير أيًّا كان ثمن ذلك.

بات الخناق يضيق على "نتنياهو" تدريجيًّا، فداخليًّا باتت مهلة "غانتس" بمثابة صاعق الانفجار لمجلس الحرب، فيما يستعر الخلاف بينه وبين وزير جيشه، "يوآف غالانت"، ويسُود التوتر علاقته مع هيئة الأركان ومؤسسة جيش الاحتلال التي تتهمه بوضوح بإدخال الجيش في معارك بلا طائل يخسر فيها أرواح جنوده دون وجود خطة واضحة لما يفترض أن تحققه الجهود العسكرية الغارقة في معارك الاستنزاف في أحياء قطاع غزة، ومن جهة أخرى بات "نتنياهو" ملاحقًا من الجنائية الدولية، والجلسات المستمرة لمحكمة العدل العليا التي يتسع عدد الدولة المنضوية فيها إلى جانب جنوب أفريقيا في المقاضاة لإيقاف الإبادة الجماعية في فقطاع غزة، مضافًا إلى ذلك التوتر المتصاعد مع الإدارة الأمريكية والاستياء الأوروبي والحراك الطلابي المستمر والمتوسع الرافض للحرب والضاغط على الحكومات الغربية لاتخاذ مواقف جدية.

يَحمل المشهدُ -الذي يزداد تعقدًا- في أيامه القادمة المزيدَ من الضغط الميداني المتبادل الذي تجاوَز العضَّ على الأصابع وصولًا إلى تهشيم العظام، بحثًا عن نصر تلاشت حتى ملامحه المُتخيَّلة من عقول الجمهور الإسرائيلي، الذي فقد ثقته بقدرة حكومته على حسم معركتها أو تحقيق أي من أهدافها، وفي جوهره يفقد الثقة حتى في قدرة "جيش الشعب" على حمايته من الهجمات الكبرى وسط نيران لا تتوقف من جبهات إسنادية مختلفة تضرب الأراضي المحتلة من كل حدب وصوب، وسط عجز الجيش الإسرائيلي عن حسم أي اشتباك أو استعادة أي ردع داسته أقدام المقاومين في السابع من أكتوبر.