احتفى رئيس وزراء الاحتلال، "بنيامين نتنياهو"، بما بحث عنه طويلًا: إنجاز ميداني في الدقيقة 90 يحقِّق له العديدَ من الارتدادات الإيجابية، أولها التملص من الضغط الكبير الذي وضعه في الزاوية في خلال الأسابيع الماضية، وقد عادت ضغوط متعددة ومركَّبة إلى الخلفية ليتقدم فيها وجهُ "نتنياهو" المبتسمُ بنجاحِ عمليةِ النصيرات وتحرير الأسرى، ليقول إن الحرب ليست بلا هدف أو نتائج، وإن ثمة ما يمكن تقديمه إلى الجمهور الإسرائيلي وإلى شركاء مجلس الحرب وما يمكن أن يواجِه به الضغطَ الدوليَّ بشأن جدية العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة.
يَعكس حجمُ الاحتفاءِ الإسرائيليِّ بنجاحِ عمليةِ إنقاذِ المأزومين في "إسرائيل" أكثر مما هي عليه عملية تحرير الأسرى لدى المقاومةِ عددَ المستفيدين من هذا الحدث، إذ استفاد من هذه العملية إلى جانب "نتنياهو" مأزومون كثر في المشهد الإسرائيلي، أولهم وزير الجيش، "يوآف غالانت"، الشريك في اتخذا القرار والعملية، إضافةً إلى الشخصية التي باتت عرضةً للانتقادات المتتالية والتشكيك المستمر، رئيس أركان جيش الاحتلال، "هرتسي هاليفي"، الذي فقد ثقة الجميع -حتى ضباطه- في قدرته في تحقيق أي إنجاز يُذكَر وسط مطالَبات مستمرة من شركاء "نتنياهو" في الائتلاف الحكومي بإقصائِه.
بالعودة إلى العالَم الواقعي، في الوقت الذي يتمنى فيه الكاتب والمحلل السياسي الإسرائيلي، "بن كسبيت"، أن يكُون حدث النصيرات شبيهًا بحدث "الدفرسوار" في حرب العام 1973، وأن يمثِّل بدايةَ انكسارِ صمودِ المقاومةِ الأسطوري، فإن أكثر ما أثبتته المقاومة في خلال العقود الأخيرة، وفي هذه الحرب على نحو التحديد، يتمثل بحجم قدرتها على التعامل مع الضربات، وسرعة استخلاص العبر والدروس واتخاذ الإجراءات اللازمة للتعامل مع آثار أية ضربة، في الوقت الذي لا يُشكِّل حدثٌ مثل هذا الحدث صدمةً فعليةً لأي مقدِّر، فهذه معركة، ولا يمكن أن تكون معركة بلا نقاط جزء منها لصالحك وآخَر لصالح عدوِّك، وإن تحقيق العدو أي نجاحٍ تكتيكيٍّ أمرٌ متوقَّع، بما في ذلك عمليات تحرير أسرى، أما الاستثنائي الإيجابي طوال هذه المدة فقدرة المقاومة -وتحت ضغط هائل مِن الاستهداف الميداني والإطباق الاستخباراتي مِن أعتَى أجهزة الاستخبارات في العالَم، وبمشاركة مباشرة وتفصيلية من المخابرات الأمريكية والبريطانية والفرنسية بكل ترساناتهم التجسسية- على تقليص حجم ضربات الاحتلال إلى الحد الأدنى الذي شاهدناه على مدار شهور الحرب.
التوصيف الأفضل من أوهام مَن يعطي الحدثَ أكبر مِن حجمِه -الذي هو بمثابة حدث عملياتي- ، ويراهِن مِن جديد على الانكسار المعنوي أو الارتباك في صفوف المقاومة، أنَّ أثَرَ هذه العملية سيكُون كمفعول العطر، فسرعان ما ستتبدَّد الرائحة ويعود الجميع إلى الواقع، فما تزال المقاومة تحتفظ بأوراقها القوية، وإن المسار التفاوضي وصفقة التبادل المسار الوحيد المؤدي إلى عودة حقيقة للأسرى بعيدًا عن بروبجندا النجاحات التكتيكية المحدودة، فيما تبقى الأسئلة الكبيرة وفي مقدمتها أسئلة اليوم التالي للحرب ومسار الحرب على أرض الواقع مطروحةً على طاولة مجلس الحرب الإسرائيلي، الذي ما يزال مهدَّدًا بالتفكُّك على الرغم من تأجيل عضوِه وزعيم المعارضة، "بيني غانتس"، لمؤتمرِه وانسحابه بسبب تطورات اللحظة، وتردده المعتاد عن اتخاذ الخطوات الدراماتيكية، فيما لن تغيِّر هذه العمليةُ من سقف المقاومة أو تخفضه، أو تدفعها إلى تقديم تنازلات لم تنجح شهور ثمانية من العدوان الإسرائيلي الإجرامي الواسع من انتزاعها.