على مشارف التهدئة المؤقتة والصفقة الجزئية لتبادل الأسرى

قراءة تحليلية (اليوم الـ46 للحرب) نقاط مكثَّفة حول المواجهة البريَّة في قطاع غزة

10:10 ص،22 نوفمبر 2023

يحاول الاحتلال تثبيت وقائع ميدانية جديدة قبيل الدخول في أيام التهدئة الأربعة (القابلة للتمديد) حيث كثف جيش الاحتلال من تحركه على الحدود الشرقية، وبشكل خاص شرق المغازي ودير البلح في وسط القطاع وشرق خانيونس جنوب القطاع، والتي شهدت اشتباكات عنيفة مع الآليات المتقدمة.

نفذ جيش الاحتلال خلال الأيام الماضية عملية إعادة انتشار تكتيكي تضمنت سحب جزء كبير من الآليات من شوارع مدينة غزة (مع الإبقاء على نقاط تمركز واستحكام في المفترقات الرئيسية)، وذلك لعدة اعتبارات، أهمها تخفيف الاستنزاف المستمر للآليات وعدم تركها عرضة للاستهداف من قبل زمرات المقاومين، إضافة لتكثيف العمل على محاور رئيسية تمثل ساحات اشتباك كبرى ويتحسب الاحتلال فيها من حضور قوي للمقاومة.

بعد عملية إعادة الانتشار عزز جيش الاحتلال آلياته في محيط مخيم جباليا، حيث أطبق حصاره من عدة محاور، أبرزها المحور الجنوبي للمخيم عبر التقدم من مفترق التوام والصفطاوي وصولاً لمفترق أبو شرخ على مشارف حي الفالوجا، ومحور شمال المخيم عبر التقدم من دوار بيت لاهيا باتجاه دوار الشيخ زايد ومحيط المستشفى الاندونيسي.

لازال التواجد السكاني في مخيم جباليا ومشروع بيت لاهيا يمثل معضلة عملياتية لجيش الاحتلال، وعلى أثره كُثف القصف من طيران العدو بغارات بأطنان من المتفجرات استهدفت أحياء ومربعات سكنية في المنطقتين المذكورتين.

في ذات السياق ولدفع السكان للنزوح من مخيم جباليا ومشروع بيت لاهيا، عمد الاحتلال إلى قصف المستشفيات في الشمال حيث استهدف مستشفيات الإندونيسي والعودة وكمال عدوان، وأوقع شهداء وإصابات من الطاقم الطبي والجرحى والنازحين.

تتحرك الآليات ببطء وبعملية قضم تدريجي باتجاه مخيم جباليا، والذي يتوقع الاحتلال معارك ضارية في حال اقتحامه.

يحاول جيش الاحتلال منذ أيام السيطرة على مواقع استحكام رئيسية في شمال غزة، أبرزها تلة الريس وتل الكاشف وتل الزعتر إذ لم يتوقف عن تنفيذ أحزمة نارية من الطيران الحربي وقصف مدفعي وإطلاق نار من الطائرات المروحية، وتمشيط بطائرات الكواد كابتر تمهيداً لاقتحامهم.

بعد فشل الاحتلال في جني صورة نصر يقدمها لجمهوره من خلال اقتحام مستشفى الشفاء، يعمل على تحويل اقتحام مخيم جباليا وكأنه الإنجاز الأكبر عملياتيًا الذي سيحققه خلال الأيام القادمة.

بعد الفشل في تحييد عُقد المقاومة في الحدود الشمالية في شمال غزة وخصوصًا منطقة بيت حانون، عمد جيش الاحتلال إلى الالتفاف عنها والوصول لمشارف مخيم جباليا عبر محاور أخرى من جنوب وشمال المخيم.

على صعيد المقاومة:

لازالت المقاومة تعمل وفق استراتيجيات حرب الغوار وقتال المدن، حيث لا تقيم خطوط دفاعية لمنع تقدم الآليات إلى المناطق المستهدفة، بل تتبع نمط الإغارة على القوات من خواصر ضعف تسمح باستنزاف القوات والآليات من مكامن أعدتها المقاومة سابقًا.

أرسلت المقاومة رسائل مهمة حول تماسك منظومات القيادة والسيطرة، مثل إعلان المقاومة عن تفاصيل دقيقة للمعارك وعمليات الإغارة في بيت حانون وبيت لاهيا وأحياء مدينة غزة، وبث مقاطع مصورة من الميدان في مختلف المحاور لكمائن واستهداف آليات وجنود الاحتلال وغنم جزء من عتادهم، إضافة للرشقات الصاروخية الكبيرة والموسعة التي استهدفت عمق الأراضي المحتلة، وهو تأكيد بالفعل والصورة والخطاب لزيف ادعاء جيش الاحتلال فقدان قيادة المقاومة الاتصال بالميدان، وفقدان السيطرة على المناطق (ضرب منظومات القيادة والسيطرة والاتصال).

لازالت المقاومة تخوض معارك استنزاف لآليات وجنود الاحتلال في المناطق التي مثلت محاور التحرك البري الأولى لجيش الاحتلال خصوصًا منطقتي جحر الديك في الوسط وبيت حانون شمالاً، وذلك من خلال كمائن مختلفة، استخدمت خلالها القدائف الترادفية المضادة للدروع، والقذائف المضادة للأفراد، والقنص والاشتباك بالأسلحة النارية، علمًا أن الاحتلال قد مشط هذه المناطق بمختلف أنواع الأسلحة والقذائف منذ اليوم الأول للحرب العدوانية على غزة.

تنوع المقاومة من تكتيكات استنزاف جيش الاحتلال ورفع كلفة تحركه البري، وتخوض اشتباكات في بيئة تسمح بالمناورة بتكتيكات حرب المدن رغم حجم التمهيد الناري الكبير وسياسة الأرض المحروقة، حيث استخدمت المقاومة تكتيك الالتحام الفدائي (عمليات اقتحام استشهادية) للمقاومين في أماكن تمركز قوات جيش الاحتلال.

يبلغ متوسط قتلى الاحتلال (الذين أعلن عنهم رسميًا) ٤ قتلى يوميًا، ومتوسط عدد الاليات المستهدفة من المقاومة والتي يتم إعطابها كليًا أو جزئيًا آلية كل ساعتين أي ١٢ آلية يوميًا، وهو ما يحول كل يوم من أيام التحرك البري إلى أيام استنزاف مستمرة لآليات جيش الاحتلال وجنوده.

خُلاصة: ستُمثل أيام التهدئة فرصة مهمة لتعزيز صمود المواطنين وخصوصًا الصامدين شمال قطاع غزة (ستدخل المساعدات لكل مناطق القطاع بلا استثناء)، وستمنح المقاومة مساحة مهمة لاعادة تنظيم الصفوف وفق الوقائع الميدانية الجديدة وتجاوز أي معضلات عملياتية خلقها الاستهداف المكثف على مدار شهر ونصف من القصف المستمر، فيما سيحاول جيش الاحتلال استثمار أيام التهدئة في تحديث بنك أهدافه وإلتقاط أي أخطاء أمنية قد تقع فيها المقاومة أو قيادتها في إطار عملية إطلاق سراح الأسرى لدى المقاومة، وترتيبات التأمين والاتصال بين المستويات القيادية والميدانية

تُمثل التهدئة الدلالة الأكبر عن انكسار الاندفاعة الصهيونية، والاقتناع من مختلف مكونات مجلس الحرب أن الخيار العسكري لن يفلح في تحرير أسرى الاحتلال لدى المقاومة، وأن الضغط الدولي الناتج عن استمرار المجاوز الصهيونية بدون تحقيق انجازات عملياتية حقيقية قد بدأ في تحقيق أثر، وإن كان يعتقد الاحتلال أن هذه التهدئة ستتيح هامش جديد للمزيد من الجرائم مستقبلًا وتمنح عمرًا أطول للحرب.

على صعيد المقاومة، يُمثل نجاح الصفقة الجزئية فرصة لتعزيز الجبهة الداخلية للمقاومة، ورسالة مهمة عن تماسك منظومات القيادة وقدرتها على خوض عملية تفاوض من منطلق قوة وانتزاع مطالبها رغم مماطلة الاحتلال لأكبر قدر ممكن.

سيعمل الاحتلال بعد انتهاء أيام التهدئة إلى زيادة الضغط الميداني وتوسيع مساحة التحرك البري، وستكون مرحلة التحام أكبر حيث تستهدف التجمعات الأصلب والأكثر تمركزاً للمقاومة خصوصًا في مخيم جباليا وحي الزيتون وحي الشجاعية.

سيزيد الاحتلال من وتيرة المناورة بريًا على الشريط الشرقي لمناطق جنوب غزة، وستشهد الحدود الشرقية لمحافظة خانيونس ساحة الالتحام الأكبر في المنطقة الجنوبية، سعيًا لتكثيف الضغط على المقاومة وخلق شريط عازل على طول الحدود الشرقية للقطاع.