الموقف الميداني خلال التهدئة:
خلال أيام التهدئة نفذت الآليات العسكرية لجيشِ الاحتلال إعادة انتشار من غالبية شوارع مدينة غزة بإتجاه نقاط تمركز في كلٍ من دوار الـ17 على شارع الرشيد غرب غزة، وفي مدخل الشاطئ الشمالي، ومنطقة النصر محيط مفترقي العيون وبهلول في المحور الغربي، ودوار الخور وإمتداد شارع 10 في المحور الجنوبي.
في شمال غزة وضمن إعادة انتشار الآليات، تراجعت الآليات التي تقدمت لمحيط مخيم جباليا إلى نقاط تمركز أبعد في محيط حي السلاطين ودوار الصفطاوي ومفترق التعليم، إضافة للشريط الساحلي ومحررة دوغيت غرب بيت لاهيا.
على المحور الشرقي على امتداد حدود القطاع أعادت قوات جيش الاحتلال الانتشار بعيدًا عن نقاط الاشتباك والالتحام مع المقاومة وبشكلٍ خاص في كلٍ من شرق البريج والمغازي وخانيونس.
أعاد الاحتلال انتشار آلياته وجنوده منعًا لوقوع الآليات في كمائنِ نارٍ تُعدها المقاومة خلال فترة التهدئة، حيث سيؤدي الانتشار الكبير في الشوارع والأحياء إلى وجود متاعب تأمينية كبيرة تستنزف الجيش ووسائط المراقبة وقدرات الاستخبارات خلال أيام التهدئة.
لم تلتزم قوات الاحتلال خلال فترة التهدئة بشروط المقاومة جزئيًا حيث نفذت الآليات عمليات تمشيط بالنيران بشكلٍ شبه يومي تخلله إطلاق نار وقذائف مدفعية في محيط مواقع تمركز جيش الاحتلال، كما نفذت عمليات قنص واستهداف لمواطنين في ذات المحاور أدت إلى ارتقاء شهداء ووقوع جرحى، إضافة لأضرارٍ مختلفةٍ في عدد من المنازل التي فجرها أو حرقها جنود الاحتلال خلال أيام التهدئة.
أوصلت المقاومة رسالتين ردًا على تجاوزات الاحتلال لشروط التهدئة، الرسالة الأولى بتأخير عملية تسليم الرهائن، فيما كانت الرسالة الثانية بالنار من الميدان عبر تفجير 3 عبوات ناسفة في آلياتِ وجنود جيش الاحتلال في أكثر من محور جنوب مدينة غزة، وشمال القطاع أدت إلى وقوع إصابات في صفوف جيش الاحتلال.
الموقف الميداني بعد انتهاء التهدئة:
مع اللحظات الأولى لانتهاء التهدئة باشرت الطائرات الحربية بتنفيذ غارات متعددة شملت أهداف في كل محافظات القطاع، فيما كثفت القوات البرية القصف المدفعي في محاور الاشتباك الشمال الغربي وغرب مدينة غزة وشرق القطاع.
استهدفت المقاومة في الساعات الأولى من انتهاء التهدئة نقاط التمركز لجيش الاحتلال ومواقع القيادة ونقاط الإمداد بمختلف أنواع الأسلحة المناسبة المضادة للدروع وقذائف الهاون من العيار الثقيل عبر رمايات مُركزة، إضافة لاستهداف الآليات المتقدمة في طليعة القوات في المفترقات المذكورة سابقًا، كما فجرت عبوات ناسفة في طريق الآليات والجنود، واستهدفت بشكل مركز الحاجز الذي أقامه جيش الاحتلال على طريق صلاح الدين لتفتيش النازحين من شمال القطاع إلى جنوبه.
استهدفت المقاومة أماكن قيادة وحشد قوات جيش الاحتلال والقواعد العسكرية في غلاف غزة بدفعات مكثفة من قذائف الهاون من العيار الثقيل بالإضافة لرشقات متعددة من الصواريخ قصيرة المدى (107)، وأعلن جيش الاحتلال عن سقوط إصابات في صفوف جنوده خلال الاستهدافات.
تترقب المقاومة محاور التقدم الجديدة لجيش الاحتلال خلال استئناف عملياته البرية شمال غزة، أو في جنوبه ارتباطًا بالتهديدات التي أطلقها قادة جيش الاحتلال.
التقدير:
استثمرت المقاومة فترة التهدئة في ترميم أي مصاعب عملياتية قد نتجت عن الاستهداف الكبير والموسع خلال أيام الحرب، كما أعادت الترتيبات الميدانية للتعامل مع مواضع تمركز جيش الاحتلال، وجمعت المعلومات الاستخباراتية اللازمة لتقدير الموقف الميداني وإعداد الخطط العملياتية في ضوء الواقع الحالي، كما وفرت الإحداثيات الدقيقة لمفارز الهاون.
حدّث جيش الاحتلال بنك أهدافه من خلال عملية المراقبة اللصيقة عبر وسائط الاستخبارات والمراقبة المختلفة، وهو ما سيشكل مادة جديدة للاستهدافات الموسعة خلال أيام القتال القادمة.
محاور العمليات الأبرز ميدانيًا ستتركز في محيط مخيم جباليا وإعادة محاولة اقتحامه عبر فرض الحصار وتطبيق تكتيك فكي الكماشة والقضم التدريجي للأراضي للوصول لقلب المخيم، إضافة لتوسيع التحرك البري في المحور الشرقي لمحافظة خانيونس.
ستستمر المناورات البرية في محاور متعددة على طول الحدود الشرقية للقطاع بهدف تثبيت دفاعات المقاومة في هذه المناطق واستنزافها تدريجيًا ومنعها من تقديم دعم اسنادي لمحاور التقدم الحقيقي.
سيوسع طيران الاحتلال من تنفيذ غارات تمهيدية في محاور التقدم المتوقعة، وستتركز مجموعة كبيرة من هذه الغارات في المناطق التي يرفض سكانها النزوح، بهدف دفعهم للنزوح وتفريغ مساكنهم من السكان.
لن تغير المقاومة من تكتيكها الدفاعي المعتمد منذ بداية الغزو البري للقطاع، وبالتالي لن تعمل على إنشاء خطوط دفاعية لمنع تقدم الآليات، والاعتماد على استدراج الآليات لكمائن المقاومة والعقد الدفاعية وخوض معركة استنزاف ضد آليات وجنود الاحتلال المتقدمين.
سيعمل جيش الاحتلال على توجيه ضربات مؤثرة لمنظومات القيادة وسينفذ عمليات اغتيال مركزة لقادة الفصائل من مختلف المستويات استنادًا للمعلومات الاستخباراتية التي قد تكون أتاحتها أي أخطاء أمنية خلال فترة التهدئة.
خلاصة: ستُشكل العمليات في المرحلة القادمة من القتال البري في قطاع غزة نوعًا من الضغط الأقصى من جانبي المقاومة والاحتلال، وهو بشكل أو بآخر نوع من أنواع التفاوض تحت النار، إذ سيعمل الاحتلال على زيادة نقاطه عبر تكثيف الضغط على الحاضنة الشعبية واستهداف البيوت والمنشآت وإطباق الحصار، فيما ستعمل المقاومة على إيقاع أكبر خسائر ممكنة في جيش الاحتلال باستهداف آلياته وجنوده لتحويل كل ساعات تواجده على أراضي القطاع إلى ساعات استنزاف مستمرة تُجبر قادة الاحتلال على خفض سقفهم والقبول بمطالب المقاومة.
يُشكل التخلص من جزء أساسي من أسرى الاحتلال في قطاع غزة (صفقات التبادل الجزئية) عاملًا مريحًا للمقاومة، إذ يخفف من العبء التأميني على المقاومة، ويسهم في تكثيف التركيز على تأمين المقدرات الأساسية، والعنصر الثمين من أسرى الاحتلال (جنود جيش الاحتلال) الذي يُمثل المادة الأساسية للصفقة التي تسعى المقاومة للوصول إليها، فيما يُعد الشق السلبي لهذه العمليات أنها ستوفر مادة جديدة لبنك أهداف الاحتلال، ولربما كشف جزئي لجزء من مكامن التأمين التي استخدمتها المقاومة لتأمين الأسرى الذين أطلق سراحهم.
لا يُشكل عامل الزمن عامل لصالح دولة الاحتلال، إذ أن الغطاء الدولي المُطلق الذي كان متوفرًا للاحتلال في بداية الحرب العدوانية على القطاع لم يعد متوفرًا، فيما يزداد الضغط الأمريكي على مجلس الحرب الصهيوني لتجنب الاستهداف الواسع للمدنيين، سعيًا لتلافي الضغط الأمريكي المتصاعد داخليًا، إلا أن هذا لم يصل لمرحلة تدفع الاحتلال لإنهاء عملياته العدوانية مبكرًا، فلاتزال حكومة الاحتلال قادرة على تحصيل مساحة (وإن تقلصت) لدعم استمرار الحرب على القطاع، إلا أنها مساحة تتقلص تدريجيًا مع مرور الوقت.