تدشين محور جهد رئيسي في المحافظة الوسطى

قراءة تحليلية (اليوم الـ78 للحرب) نقاط مكثَّفة حول مجريات المواجهة البريَّة في قطاع غزة

02:10 م،23 ديسمبر 2023
المحافظة الوسطى

المشهد الميداني لجيش الاحتلال:

إضافة لمحاور الجهد الرئيسي لجيش الاحتلال التي تتركز في كلًا من مخيم جباليا شمال قطاع غزة، وحي الشجاعية في شرق مدينة غزة، ومدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، أعلن جيش الاحتلال عن إخلاء غالبية مناطق مخيم البريج، ومناطق الشرقية والشمالية والشمالية الغربية لمخيم النصيرات تمهيدًا لفتح محور جهد رئيسي جديد في المنطقة الوسطى.

في منطقة الجهد الرئيسي شمال قطاع غزة وبالتحديد مخيم جباليا أعاد الاحتلال انتشاره في عدة محاور شمال المخيم إذ انسحبت الآليات من كلًا من منطقة تل الزعتر ومحيط المستشفى الأندونيسي ومنطقة الشيخ زايد، إضافة لمساحات كبيرة من منطقة مشروع بيت لاهيا، وبالمقابل عززت من تواجدها وتقدمها في الأطراف الجنوبية للمخيم خصوصًا محيط الإدارة المدنية وعزبة ملين باتجاه مشارف المخيم الجنوبية، إضافة للمناورة في محيط منطقة القصاصيب غرب المخيم.

بعد أيام من التمهيد الناري المدفعي والجوي في عمق منطقة جباليا البلد والنزلة بدأت الآليات بالتحرك التدريجي تجاه منطقة جباليا البلد والنزلة انطلاقًا من منطقة أبو إسكندر في حي الشيخ رضوان وشارع الصفطاوي غرب غزة، ومنطقة دوار أبو شرخ.

تتمركز الآليات في الشمال الغربي لغزة في عدة مواقع أبرزها: منطقة التوام وصولًا لأبراج الكرامة، منطقة الأمن العام وصولًا لمشارف حي النصر، منطقة التوام وصولًا للشاطئ الشمالي، إضافة لمنطقة الشيخ رضوان وصولًا لمنطقة النفق وسط غزة بما يشمل قطع شارع الجلاء والتمركز في أجزاءه الشمالية.

في محور الجهد الرئيسي الثاني بمنطقة شرق غزة وتحديدًا في حيي الشجاعية والزيتون، نفذ جيش الاحتلال عمليات نسف لمربعات كاملة لضمان أوسع كشف ممكن على أثر الضربات المتتالية للمقاومة.

عزز الاحتلال من مناوراته في محيط مناطق الدرج والتفاح حيث تمركزت الآليات في منطقة اليرموك ونفذت مناورات تقدم في عدة اتجاهات خصوصًا امتدادات شوارع الوحدة والنفق ومحيط منطقة السامر ومنتزه البلدية.

أنهى الاحتلال انتشاره في منطقة غرب غزة بعملية نسف وتفجير لمربع مسجد وملعب فلسطين بمنطقة الرمال الشمالي، والانسحاب إلى نقاط التمركز في الشمال الغربي المذكورة نقاطه سلفًا، والجنوب الغربي في كلًا من شارع الرشيد مفترق الشيخ عجلين وصولًا لمشارف مدينة الزهراء، وإبقاء الانتشار في شارع 10 الواصل ما بين شارع صلاح الدين وشارع الرشيد، وبناء عليه انسحب الآليات من الشوارع الداخلية في أحياء تل الهوا والرمال الجنوبي وصولًا لمنطقة الميناء والشاليهات ومحيط مستشفى الشفاء.

في محور الجهد الرئيسي الثالث محافظة خانيونس، ما تزال آليات الاحتلال تحاول التعمق ببطئ في أحياء مدينة خانيونس، فيما تتركز مناطق التمركز الرئيسية في كلًا من منطقة القرارة والسطر الشرقي، إضافة لبني سهيلا والتعمق داخل المدينة عبر شارع جلال وشارع 5 ومحاولة تحقيق اختراق بالوصول لمشارف المنطقة الغربية للمدينة ومنطقة المشروع دون التعمق المباشر في الأحياء الداخلية للمدينة سواء شرق شارع صلاح الدين أو غربه.

يهيئ الاحتلال الأرض للتقدم عبر الأطراف الجنوبية لمحافظة خانيونس والفاصلة ما بين خانيونس ورفح، بهدف إطباق حصار من الطرفين على المحافظة، والتعمق تدريجيًا بإتجاه الأحياء الداخلية شرق شارع صلاح الدين وغربه، إضافة لتأمين الفصل التام ما بين محافظتي رفح وخانيونس من الجهة الشرقية، والإبقاء على الخط الواصل عبر شارع الرشيد.

يعمل الاحتلال على تحويل مناطق الجهد الثانوية بالمحافظة الوسطى إلى مناطق جهد رئيسية، ويمهد بالنيران للتحرك البري عبر تكثيف القصف المدفعي والجوي لمناطق شرق المحافظة الوسطى، حيث شهدت المناطق الشرقية لكلًا من دير البلح والمغازي والبريج قصف متواصل بهدف دفع السكان للنزوح حيث تصل البلوكات التي يعمل الاحتلال على إخلاءها من سكانها إلى مشارف مخيم النصيرات من شارع صلاح الدين وصولًا لشارع العشرين شرق المخيم، ومناطق أرض المفتي والدعوة والمخيم الجديد وبلوك C ومخيم 5 جنوب المخيم، وصولًا لمدخل النصيرات الغربي على شارع الرشيد وهي منطقة استحكام مرتفعة.

المشهد الميداني للمقاومة:

تتعامل المقاومة في محاور الاشتباك المختلفة مع محاولات التقدم بالأسلحة المناسبة واستخدام تكتيكات حرب الغوار واستنزاف قوات العدو البرية، وتحافظ على استراتيجية عدم إنشاء خطوط دفاعية والتركيز على استدراج القوات المعادية لكمائن النار وضربها في أكثر من موضع خلال عملية التقدم.

بالرغم من إعلانات الاحتلال المتكررة عن إحكام سيطرته على منطقتي بيت حانون وبيت لاهيا شمال غزة، لازالت المقاومة توجه ضربات متعددة في هذه المناطق كان أكثرها نوعية استهداف جيب عسكري بقذيفة كورنيت موجهة أدت إلى قتل من فيه، إضافة لاستهداف شاحنة تقل جنود في منطقة بيت لاهيا بقذائف مضادة للدروع، وتنفيذ عدة اشتباكات بالأسلحة الرشاشة والقذائف المضادة للدروع والأفراد في المنطقتين على مدار الأيام الماضية.

على مشارف مخيم جباليا، وجهت المقاومة عدة ضربات لقوات الاحتلال البرية شملت عمليات قنص إضافة لاستهداف عدد كبير من الآليات بالقذائف الترادفية المضادة للدروع محلية الصنع، وذلك في عدة مناطق تقدمت عبرها الآليات خصوصًا سواء في منطقة تل الزعتر شمال المخيم، أو منطقة الإدارة المدنية شرق المخيم، والمناطق الفاصلة ما بين جباليا البلد ومخيم جباليا، وذلك بالرغم من إعلان الاحتلال احكام سيطرته العلمياتية على مخيم جباليا.

تتقدم الآليات في منطقة جباليا البلد والنزلة من أجل فرض سيطرتها عليها ومنع تقديم اسناد دفاعي أو تشغيل خطوط امداد للمقاومة في محاور العمليات الرئيسية بكلاً من مخيم جباليا، وحي الشجاعية، إذ تعتبر جباليا البلد الواصل الجغرافي ما بين المناطق الشرقية لمدينة غزة واحياء غزة القديمة بالمناطق الشمالية.

في حي الشيخ رضوان نفذت المقاومة على مدار الأيام السابقة ضربات متعددة نجحت خلالها من استهداف آليات وجرافات الاحتلال واستهدافها بالقذائف المضادة للدروع والأفراد وعبوات العمل الفدائي والعبوات التلفزيونية والرعدية كما استدرجت قوات خاصة إلى كمائن واستهدفتها بالعبوات والاشتباك من نقطة صفر.

شهدت منطقة المغراقة والتي تمركز بها الاحتلال منذ الأيام الأولى للتحرك البري، عدة عمليات إغارة وكمائن نفذتها المقاومة مستهدفة الآليات بالقذائف الترادفية المضادة للدروع، وعمليات القنص، ومهاجمة المشاة والالتحام المباشر واستهدافها بالقدرات الهندسية.

في المناطق الشرقية لمحافظة غزة، ومناطق وسط غزة نجحت المقاومة في استهداف القوات المتقدمة بالقذائف المضادة للدروع والعبوات بمختلف أنواعها وأصنافها، واستهداف القوات بجهود هندسية مختلفة أعطبت خلالها العديد من الآليات.

في محور الجهد الرئيسي بمنطقة خانيونس وفي مختلف مواضع التقدم، سجلت المقاومة عمليات استنزاف كبيرة للآليات والجنود في مناطق القرارة وبني سهيلا وشارع صلاح الدين، استخدمت خلالها القذائف الترادفية المضادة للدروع وعبوات العمل الفدائي والعبوات التلفزيونية والرعدية والشواظ، إضافة لاستخدام متميز لسلاح القنص ضد جنود الاحتلال.

تستهدف المقاومة تحشيدات الاحتلال ومواقع القيادة وخطوط الإمداد لجيش الاحتلال بقذائف الهاون من العيار الثقيل 120ملم، واستهداف المشاة ضمن عمليات الاشتباك بقذائف الهاون النظامي عيار 60 ملم ضمن عمليات استحكام مدفعي.

نجحت المقاومة في تنفيذ عدة عمليات استهداف لمباني تتمركز فيها قوات الاحتلال في مناطق الجهد الرئيسي والثانوي على امتداد أراضي القطاع وأعلنت المقاومة عنها تباعاً.

تمكنت المقاومة على توجيه نيران صاروخية متعددة المديات بدءًا من استهداف غلاف غزة وصولًا لمدن المركز في الأراضي المحتلة في رشقات كثيفة ومتعددة إحداها كانت الأكبر واستهدفت مدينة تل أبيب.

الاستخلاصات:

أثبتت المقاومة زيف ادعاءات الاحتلال عن إحكام السيطرة العملياتية على مناطق شمال غزة وحي الشجاعية، وذلك عبر الضربات التي مازالت توجهها لآليات وجنود الاحتلال في هذه المناطق، وكان أبرزها تزامن استهداف الجيب بقذيفة كورنيت بمنطقة بيت حانون مع إعلان الناطق العسكري لجيش الاحتلال انجاز أهدافه بتفكيك بنى المقاومة في مدينة بيت حانون، والأمر سيان في بيت لاهيا ومخيم جباليا وحي الشجاعية.

يعكس قدرة المقاومة على تشغيل قدراتها الصاروخية وقصف مناطق غلاف غزة وصولًا لمدن المركز، فشل الاحتلال بعد أكثر من شهرين ونصف في تعطيل القدرات التشغيلية للمنظومة الصاروخية للمقاومة.

تقدم الآليات في منطقة جباليا النزلة وجباليا البلد باتجاه مخيم جباليا من جهته الجنوبية يهدف إلى استنزاف القدرات الدفاعية للمقاومة في المخيم خصوصًا بعد فشل كل محاولات التقدم عبر المناطق الشمالية والغربية للمخيم.

بعد فشل الاستهداف الجوي والمدفعي في تحييد العُقد الدفاعية للمقاومة في حي الشجاعية، لجأ الاحتلال لتطبيق سياسة الأرض المحروقة ونسف مناطق عمرانية كاملة خصوصًا في الشريط الشرقي للحي بهدف الوصول لتثبيت إدعاءه بإحكام سيطرة عملياتية على الحي الذي شهد القتال الأكثر ضراوة وأوقع خسائر فادحة في صفوف جيش الاحتلال.

يعكس سحب الاحتلال لكتائب قتالية من لواء غولاني (الكتيبة 13) الناشط في حي الشجاعية ولواء المظليين الناشط في شمال غزة، حجم الاستنزاف الذي أحدثته العمليات القتالية في هذه المناطق، والذي مثل ضغطًا هائلًا دفع جيش الاحتلال لسحب هذه الوحدات وإعادة تنظيم وترتيب صفوفها، خصوصًا بعد قتل عدد من قادتها.

مع تقدم الاحتلال أكثر في مرحلة التعمق والدخول للمناطق الحضرية والسكانية، ارتفعت وتيرة استنزاف المقاومة لآليات وجنود الاحتلال، حيث يصل متوسط الاستهداف اليومي للآليات إلى أكثر من 20 آلية يوميًا.

الانسحاب من الأحياء الداخلية لمدينة غزة يهدف إلى تخفيف الاستنزاف للآليات المتمركزة في هذه المناطق، إضافة لسعي الاحتلال لتثبيت ادعاءه بتفكيك البنية التحتية للمقاومة في هذه المناطق وإنهاء مهمته فيها، وبالتالي فإن البقاء والتعرض لنيران المقاومة يُفشل هذا الادعاء ويحسم عدم مصداقيته.

يسعى الاحتلال لاستكمال سيطرته على شريط بعمق يتراوح ما بين 1 إلى 2 كيلو متر على الحدود الشرقية للقطاع، وبالتالي يعمل على التمهيد للتقدم بريًا في المناطق المتبقية في وسط قطاع غزة وجنوبه.

التحرك بريًا في منطقة البريج وأجزاء من مخيم النصيرات يهدف إلى عزل العقد الدفاعية للمقاومة في مناطق جحر الديك والمغراقة عن أي خطوط إمداد، إضافة لإحكام السيطرة عبر احتلال مواقع استحكام مرتفعة خصوصًا غربي النصيرات.

يحمل استعمال المقاومة لقذائف الكورنيت في الضربة التي وجهها لجيب لجيش الاحتلال في مدينة بيت حانون إشارة ضمنية حول سلامة الجهوزية اللوجستية بما يشمل النوعية منها في هذه المناطق، وإدارة المقاومة لمواردها بشكل ذكي يتيح لها القتال لفترات طويلة في كل مناطق القتال، وعدم التسرع في استنزاف المخزون النوعي من الأسلحة.

يُشكل استمرار تدفق الصور والاعلانات التفصيلية للمقاومة من الميدان من شمال القطاع إلى جنوبه وبتزامن مع وقوع الأحداث وعمليات المقاومة، تماسك منظومات الاتصال والتواصل والقيادة والسيطرة، كما قدمت المقاومة إشارات متعددة في عدد من المواد الإعلامية حول تماسك منظومات الاتصال وقيادة العمليات، فيما عكست المواد المُصورة التي تشهد استهداف مباشرة لجنود الاحتلال عدم دقة إعلانات جيش الاحتلال عن أعداد القتلى والإصابات.

يشهد الميدان تطورًا ملحوظًا في الفعل المقاوم المشترك بين الأجنحة العسكرية، وهو ما يعكس وجود وحدة ميدانية حقيقية بين المقاومين، إضافة لسلامة البيئة العملياتية للمقاومة في مناطق الجهد الرئيسي والثانوي، مما يتيح القدرة على التنسيق والفعل المشترك والذي تنوع ما بين الكمائن والاستهدافات، وتوجيه ضربات المدفعية لتحشيدات وخطوط إمداد العدو.

التقدير: بعد فشل الضغط الميداني الكبير للاحتلال على المقاومة والمجتمع في قطاع غزة عبر المجازر المستمرة والاستهداف الموسع من الطيران الحربي والمدفعية للمربعات السكانية في الضغط على المقاومة لخفض سقفها التفاوضي أو إحداث حالة من الانهيار في صفوفها، ورفض المقاومة أطروحات الهدن المؤقتة والتبادل الجزئي للأسرى، يسعى الاحتلال إلى زيادة الضغط وصولًا للمستويات الأقصى عبر تهجير المخيمات الوسطى وتدشين محور عمليات جديد في وسط قطاع غزة، وخلق موجة نزوح جديدة للسكان، سعيًا لدفع المقاومة لتقديم تنازلات وقبول طروحات الصفقات الجزئية التي من شأنها أن تخفف الضغط الداخلي الذي يمارسه أهالي أسرى الاحتلال، وأن يعطي للاحتلال هامش زمني أوسع للاستمرار في حربه الاجرامية ضد القطاع.

تُشكل إعلانات الاحتلال المتكررة على احكام السيطرة العملياتية أو نجاحه في تفكيك البنية التحتية للمقاومة في مناطق الجهد الرئيسي خصوصًا شمال غزة وحي الشجاعية نوعًا من البحث عن تسجيل إنجازات وهمية يقدمها لجمهوره بعد أكثر من شهرين ونصف من العمليات القتالية دون تحقيق أي إنجازات ملموسة أو تعطيل قدرات المقاومة في أي بقعة في قطاع غزة، والأمر سيان بشأن البروجندا التي أثُيرت حول تفجير مقرات قيادية في منطقة الرمال الشمالي، أو الإعلان عن اكتشاف النفق الاستراتيجي في شمال غزة، والذي أعلنت المقاومة أنه خارج عن الخدمة.

سيعمل الاحتلال على استكمال سيطرته على شريط بعمق يتراوح ما بين 1 إلى 2 كيلو متر على طول الحدود الشرقية للقطاع لتحويلها لمنطقة عازلة تتيح له الادعاء بتحقيق جزء من أهداف الحرب، وتحويلها لعنوان للتفاوض مستقبلًا حول كونها منطقة معزولة السلاح، وبالتالي فإن التحرك البري للاحتلال سيُستكمل خلال الفترة القادمة في المناطق الوسطى وشرق رفح لتحقيق التواصل الجغرافي للمنطقة العازلة المنشودة.

سيستمر الاحتلال في تعميق عملياته في محافظة خانيونس وفق تكتيك القضم التدريجي والاستنزاف لقدرات المقاومة الدفاعية، سعيًا لتحقيق إنجازات عملياتية يمكن أن يقدمها لجمهوره والإدعاء بنجاحه بالوصول لكل مناطق الإرتكاز والقيادة للمقاومة.