معادلات الاستنزاف الميداني والعمليات الخاصة، والمقاومة تبدأ الإدارة الذكية للنيران

قراءة تحليلية (اليوم الـ95 للحرب) نقاط مكثَّفة حول مجريات المواجهة البريَّة في قطاع غزة

10:10 ص،10 يناير 2024

المشهد الميداني لجيش الاحتلال:

▪︎ بعد تطبيق انسحاباتِ وخططِ إعادةِ تموضُعٍ وانتشارٍ تدريجيًّا في مناطق شمال قطاع غزة، أعلن جيش الاحتلال بدءَ المرحلة الثالثة من الحرب رسميًّا، والتي تتضمن تقليصَ عدد القوات البرية على الأرض، والتموضعَ في مراكز محدَّدة، وتنفيذَ عمليات خاصة انطلاقًا من مواقع التمركز.

▪︎ وفقًا لخارطة إعادة التموضع والانتشار للآليات والقوات البرية لجيش الاحتلال في مناطق غزة وشمالها، انسحبت الآليات من معظم الشوارع الداخلية وأحياء كاملة في مناطق غرب وجنوب مدينة غزة إضافةً إلى مناطق شمال غزة، فيما ما تزال الآليات تتمركز في مناطق التوام وشمال النصر (محيط أبراج المقوسي) ومشارف حي الشيخ رضوان الغربية، إضافةً إلى التمركز في شارع 10 جنوب مدينة غزة، إلى جانب منطقة الجهد العملياتي في حيَّي الدرج والتفاح شرق المدينة.

▪︎ في محور الجهد الرئيسي المستجد في وسط قطاع غزة، أجرَت آليات جيش الاحتلال عدة مناورات في مخيمات المنطقة الوسطى، شملت الدخول الرأسي في مخيم المغازي وتثبيت رؤوس جسور على مدخل المغازي في شارع صلاح الدين، وإيقاف الحركة عبر الشارع الواصل بين وسط القطاع وجنوبه وتنفيذ عمليات في محيط الشارع شملت عملياتٍ فرعيةً في محيط منطقتَي المصدر والزوايدة، وصولًا إلى االتفاف الآليات حول مخيم البريج عبر شارع صلاح الدين وفصل مخيم البريج عن مخيم النصيرات، وسط قصف كثيف من وسائط المدفعية والطيران الحربي للمخيمات الوسطى.

▪︎ في محور الجهد الرئيسي، الذي يمثِّل ساحة عمليات كبرى في محافظة خان يونس، ما تزال آليات الاحتلال تحاول التعمق ببطءٍ في أحياء مدينة خان يونس، فيما تتركز مناطق التموضع الرئيسية في كلٍّ من منطقة القرارة والسطر الشرقي، إضافةً إلى بني سهيلا والتعمق داخل المدينة عبر شارع جلال وشارع 5 ومحاولة تحقيق اختراق بالوصول إلى مشارف المنطقة الغربية للمدينة ومنطقة المشروع دون التعمق المباشر في الأحياء الداخلية للمدينة، سواءٌ شرق شارع صلاح الدين أو غربه، مع استخدام مكثَّف للقصف والتمهيد الناري في أحياء مختلفة في المحافظة من شرقها إلى غربها.

▪︎ على الرغم من إعادة الانتشار في العديد من محاور الجهد الرئيسي، فإن القصف الناري والحصار مستمران للعديد من هذه المناطق وخاصةً شمال قطاع غزة، حيث لم يتوقف القصف المدفعي، إضافةً إلى الاستهدافات من الطيران الحربي في أحياء شمال قطاع غزة.

▪︎ نفَّذَت قوات الاحتلال مناورةَ تقدُّمٍ جديدةً لمخيم جباليا عبر المحور الغربي، شملت محاولةَ دخول سريع تبعه تراجُع للآليات إلى مواقع التمركز في محيط منطقة التوام.

▪︎ ما يزال الاحتلال يناور في محور جهد ثانوي في شرق محافظة رفح ومحيط محور فيلادلفيا الحدودي مع مصر، خصوصًا عبر تكثيف القصف المدفعي للمناطق الشرقية والجوي لمناطق متعددة في المحافظة.

▪︎ كشف وسائل إعلام عبرية عن سحب جيش الاحتلال لستَّة ألوية من مناطق العمليات في قطاع غزة.

المشهد الميداني للمقاومة:

▪︎ تتعامل المقاومة في محاور الاشتباك المختلفة مع محاولات التقدم بالأسلحة المناسبة واستخدام تكتيكات حرب الغوار واستنزاف قوات العدو البرية، وتحافظ على استراتيجية الامتناعِ عن إنشاء خطوط دفاعية والتركيزِ على استدراج القوات المعادية لكمائن النار وضربها في أكثر من موضع في خلال عملية التقدم.

▪︎ ما تزال المقاومة تتعرض لقوات الاحتلال في مختلف محاور القتال، بما فيها محاور القتال التي أعلن الاحتلال مرارًا تمكُّنَه من حسم المعارك فيها وفرض السيطرة العملياتية عليها وادعاء تفكيك قدرات المقاومة وبنيتها التحتية.

▪︎ كثَّفَت المقاومة من عمليات إسقاط/سيطرة على طائرات الاحتلال المُسيَّرة، ونجحت في تحييد عدد منها والسيطرة عليها، فيما نفَّذَت أكثر من محاولة استهداف للمروحيات العسكرية عبر صواريخ SAM/ستريلا المضادة للطيران.

▪︎ ما تزال المقاومة تتعرض لقوات المشاة بنيران استهداف مُركَّزة من سلاح القنص بواسطة طرازات متعددة، مثل بندقية "الغول" محلية الصنع التي تمثِّل نسخةً فلسطينيةً عن بندقية Steyr HS .50k النمساوية، ونسختها الإيرانية المسماة "صياد"، إضافةً إلى بنادق قنص مثل Zijiang M99 الصينية، والدراغونوف الروسية.

▪︎ كثَّفَت المقاومة من الاستهدافات المباشرة للقوات المتمركزة في داخل منازل في مناطق التموضع باستخدام القذائف المضادة للأفراد والتحصينات.

▪︎ شهدت منطقتا التفاح والدرج عملياتِ استهدافٍ متعددةً لآليات الاحتلال، وأخرجَتها عن الخدمة عبر إعطابها/تدميرها بالقذائف الترادفية المضادة للدروع.

▪︎ في مناطق التعمق نجحت المقاومة في تنفيذ عدد من كمائن النار، وتفجير فتحات أنفاق مفخخة، إضافةً إلى منازل مفخخة في القوات التي حاولت التقدم في اتجاه هذه المواقع، وأوقعتها بين قتيل وجريح.

▪︎ أفشلَت المقاومةُ محاولةَ قوةٍ خاصةٍ تحريرَ أسرى في مخيم البريج، وأوقعَت القوةَ بين قتيل وجريح، وسيطرت على جزء من عتادها بعد إجبارها على الانسحاب دون تحقيق أهدافها.

▪︎ استهدَفَت المقاومةُ الآلياتِ التي حاولت التقدم في شرق البريج ومخيم المغازي استهدافًا مكثَّفًا، حيث تمكنت إعطاب عدد كبير منها على مشارف المخيميَّن باستخدام القذائف المضادة للدروع والجهود الهندسية، إضافةً إلى تفجير فتحات أنفاق.

▪︎ في محور الجهد الرئيسي في منطقة خان يونس وفي مختلف مواضع التقدم، سجلت المقاومة عملياتِ استنزافٍ كبيرةً للآليات والجنود في مناطق القرارة وبني سهيلا وشارع صلاح الدين، استخدمت في خلالها القذائف الترادفية المضادة للدروع وعبوات العمل الفدائي والعبوات التلفزيونية والرعدية والشواظ.

▪︎ تَستهدِف المقاومةُ تحشيداتِ الاحتلالِ ومواقعَ القيادةِ وخطوطَ الإمدادِ لجيش الاحتلال بقذائف الهاون من العيار الثقيل 120 ملم، وتَستهدِف المشاةَ ضمن عمليات الاشتباك بقذائف الهاون النظامي عيار 60 ملم ضمن عمليات استحكامٍ مدفعي.

▪︎ نجحت المقاومة في استهداف عدد من ناقلات الجند وشاحنات نقل الجند بقذائف موجهة م/د، ما رفع من عدد الجنود القتلى والمصابين في الاستهدافات.

▪︎ تمكنت المقاومة من توجيه نيران صاروخية متعددة المديات، بدءًا من استهداف غلاف غزة، وصولًا إلى مدن المركز في الأراضي المحتلة، في رشقات متعددة انطلقت من مختلف أراضي القطاع من شماله إلى جنوبه.

الاستخلاصات:

○ انتقل الاحتلال من مرحلة التعمق الواسع إلى مرحلة التمركز خارج الأحياء والمدن، خصوصًا في شمال غزة، لتفادي الاستهدافات المتكررة للآليات وتقليص معادلات الاستنزاف لقواته البرية.

○ في مواجهة إطالة أمد العمليات البرية وإعادة التمركز في العدد من محاور الجهد الرئيسي، أعادت المقاومة ترتيب أولويات إدارة النيران بحيث لا تُستَنزَف مقدراتها المادية والبشرية وتوجيه النيران نحو الأهداف الأكثر تأثيرًا (شاحنات نقل جنود - ناقلات جند - منشآت قيادة).

○ ما يزال الاحتلال يبحث عن صورة نصر عبر تنفيذ عمليات خاصة لتحرير أسراه بالقوة، فيما يُشكِّل نجاحُ المقاومةِ في الإفشال المتكرر لهذه العمليات عاملَ ضغطٍ كبيرٍ على مقدرة الاحتلال وإدارة عملياته، إذ يتبدد الجهد الاستخباراتي الذي نجح في تحديد مكان الاحتجاز دون تحقيق نجاحات، فيما تُشكِّل نتائجُ العملياتِ الفاشلةُ حسمًا لانعدام جدوى الخيار العسكري لتحرير الأسرى.

○ يؤكِّد الاستهدافُ المتصاعدُ لطيرانِ الاحتلالِ المُسيَّرِ بجهود السيطرة عن بُعدٍ تماسُكَ العديدِ من المقدَّرات النوعية للمقاومة وقدرتَها على العمل في مختلف مناطق القتال.

○ على الرغم من التعزيز المستمر لجيش الاحتلال في محور الجهد الرئيسي في محافظة خان يونس، والذي قارب عدد الجنود العاملين فيه نحو ثلاثين ألف جندي، فإن الاحتلال ما يزال عاجزًا عن تحقيق نتائج عملياتية أو التعمق في داخل أحياء المحافظة، إذ لم يُسجِّل في خلال الأسابيع الأخيرة أيَّ تقدُّمٍ نوعي، فيما ما يزال نمط التحرك يتمثل بالمناورة بالتقدم والتراجع لكشف وتشتيت دفاعات المقاومة.

○ يُولِي الاحتلالُ لمحور الجهد الرئيسي المستحدَث في المنطقة الوسطى أهمية كبيرة، ويناور لتشتيت وتثبيت جهود المقاومة الدفاعية في مخيمَي البريج والنصيرات، الواقعَين بمثابة مناطقَ استهدافٍ رئيسيٍّ للتحرك، وقد أطبَقَ الالتفافُ حول مخيم البريج عبر شارع صلاح الدين عمليةَ حصارٍ للمخيم من الجهات الأربعة، إضافةً إلى تثبيت أي جهدٍ إسناديٍّ من مخيم النصيرات للبريج، والعكس كذلك.

○ يسعى الاحتلال إلى استكمال سيطرته على شريط بعمق يتراوح ما بين 1 إلى 2 كيلومتر على الحدود الشرقية للقطاع، وبالتالي يعمل على التمهيد للتقدم بريًّا في المناطق المتبقية في وسط قطاع غزة وجنوبه.

○ يُشكِّل استمرارُ تدفُّقِ الصور والإعلانات التفصيلية للمقاومة من الميدان من شمال القطاع إلى جنوبه، وبتزامنٍ مع وقوع الأحداث وعمليات المقاومة، تماسُكَ منظومات الاتصال والتواصل والقيادة والسيطرة، كما قدَّمَت المقاومةُ إشاراتٍ متعددةً في عدد من المواد الإعلامية حول تماسُكِ منظومات الاتصال وقيادة العمليات، فيما عكست الموادُّ المُصوَّرةُ التي تشهد استهدافًا مباشرًا لجنود الاحتلال انعدام دقة إعلانات جيش الاحتلال عن أعداد القتلى والإصابات.

○ يشهد الميدان تطورًا ملحوظًا في الفعل المقاوم المشترك بين الأجنحة العسكرية، ما يعكس وجودَ وَحدة ميدانية حقيقية بين المقاومين، إضافةً إلى سلامة البيئة العملياتية للمقاومة في مناطق الجهد الرئيسي والثانوي، ما يتيح القدرة على التنسيق والفعل المشترك، الذي تنوَّع بين الكمائن والاستهدافات، وتوجيه ضربات المدفعية لتحشيدات وخطوط إمداد العدو.

○ عكست عملياتُ إطلاق الصواريخ بمدَيات متعددة، وفي لحظات متزامنة من أكثر من محافظة على امتداد أراضي القطاع، متانةَ منظوماتِ القيادة والسيطرة، وسلامةَ القدرات اللوجستية للمقاومة وقدرتَها على توجيه الضربات الصاروخية وفق مواعيد محدَّدة تَحمِل دلالاتٍ سياسية.

التقدير:

● يسعى الاحتلال إلى عكس معادَلات الاستنزاف في مناطق شمال غزة بحيث تتحوَّل لصالحه، ما دفعه إلى سحب الآليات والجنود من الأحياء والمدن إلى مناطق تمركُز قد أتمَّ تأمينَ محيطها، وبالتالي تحقيق أقصى استنزاف للمقاومة بأقل أضرار في آلياته وجنوده، إضافةً إلى حرمان المقاومة من إخراج صور من الميدان تثبت متانة وتماسُك قدراتها القتالية في هذه المناطق التي أعلن الاحتلال نجاحَه في تفكيك البنى التحتية للمقاومة فيها.

● سيستمر الاحتلال في تعميق عملياته في محافظة خان يونس، وفق تكتيك القضم التدريجي واستنزاف قدرات المقاومة الدفاعية، سعيًا إلى تحقيق إنجازات عملياتية يمكن أن يقدِّمها إلى جمهوره ويدَّعي نجاحه في الوصول إلى كل مناطق الارتكاز والقيادة للمقاومة.

● يُولِي الاحتلال أهميةً خاصةً لإنجاز عملياته في المحافظة الوسطى، وخاصةً مخيمَي البريج والنصيرات، لتحقيق المزيد من الضغط الأقصى على المقاومة وحاضنتها الشعبية، إضافةً إلى إحكام السيطرة على المنطقة الفاصلة ما بين شمال القطاع وجنوبه، والوصول إلى منطقة الاستحكام المرتفعة في مدخل النصيرات على الشريط الساحلي، وهي المنطقة الأعلى على طول الشريط، إضافةً إلى كون كلا المخيمَين يمثِّلان مواقعَ ثقل للمقاومة.

● ستعمل المقاومة على إعادة تقييم وترتيب تكتيكات المواجَهة للتعامل مع انتقال الاحتلال للمرحلة الثالثة من الحرب، ما يعني مواجَهة الشكل الجديد للعمليات ومواقع التمركز بعمليات مُركَّزة ونوعية دون الانجرار نحو معادلات استنزافٍ للقدرات التسليحية والبشرية للمقاومة.