ضجت وسائل الإعلام الإسرائيلية في اليومين الأخيرين بتقارير عن تردي العلاقات بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو. وبديهي أنه كان لحرب غزة دوراً مركزياً في هذا التدهور سواء لجهة حجم الوحشية التي أبدتها إسرائيل في تعاملها مع المدنيين الفلسطينيين أو عناد حكومة نتنياهو ورفضها التفكير بمخرج لإنهاء الصراع على أساس حل الدولتين. وقد بلغت هذه الضجة ذروتها في كشف موقع بوليتيكو الأميركي النقاب عن أن بايدن وصف نتنياهو بأنه "رجل سيء حقاً". واستمرت الضجة بأشكال أخرى رغم نفي البيت الأبيض للخبر بسبب تكرار صدور الملاحظات الأميركية السيئة عن أداء نتنياهو وحكومته، وبسبب زيارة وزير الخارجية الأميركي للمنطقة وإعلانه السعي لتنفيذ مقترح باريس لتبادل الأسرى.
ونقل موقع "بوليتيكو" الإلكتروني عن بايدن قوله أن نتنياهو رجل سيء. وزعم المتحدث باسم بايدن أن الكلمات لم تُقل وأن بين الزعيمين "علاقة محترمة تمتد لعقود من الزمن". ونشر موقع "بوليتيكو" قبل يومين ادعاءً مفاده أن الرئيس بايدن وصف بنيامين نتنياهو في دوائره الداخلية بأنه "رجل سيء في البرية". في مقالته، كتب جوناثان مارتن "الديمقراطيون الشباب يرون أن دعم الولايات المتحدة لحرب نتنياهو غير مقبول، وقد يكلف الرئيس ملايين الأصوات الليبرالية". وعن الرئيس نفسه يقول: «مثل كل من في الإدارة، ومثل كل ديمقراطي ذي نبض، يكشف عن شعوره بارتياب عميق تجاه نتنياهو». ووفق مارتن، فقد قال بايدن عبارة "الرجل السيئ" "بحسب الأشخاص الذين تحدثوا إلى الرئيس".
ووفقا لكاتب المقال، فإن القلق الرئيسي لبايدن هو أن نتنياهو يسعى إلى جر الولايات المتحدة إلى حرب شاملة في الشرق الأوسط، مما سيضمن تدفق الأسلحة والجنود الأميركيين. إن رغبة نتنياهو في إنهاء الحرب في غزة ستتبدد، مع تراجع الضغوط السياسية الداخلية على رئيس الوزراء. ووفقا للتعليق، فإن الرئيس لن يعترف بهذه الكلمات علانية، لكنه بدأ يظهر علامات على أنه يستمع إلى شكاوى النشطاء المؤيدين للفلسطينيين. ومن أمثلة ذلك الأمر الرئاسي الذي أصدره ضد المستوطنين الذين ارتكبوا أعمال عنف ضد الفلسطينيين، وتصريحه بأنه يصلي من أجل سلامة "المحتجزين كرهائن تحت القنابل، والذين شردوا من منازلهم".
وينقل كاتب المقال عن سياسيين ديمقراطيين آخرين، من أشد المؤيدين لإسرائيل، على حد قوله، قولهم أن هناك إجماع واسع في الحزب على ضرورة وقف إسرائيل للحرب في غزة فوراً، وذلك من وجهة نظر الحزب الديمقراطي. هذه "كارثة سياسية".
وزاد الطين بلة زعيم منظمة "عوتسما يهوديت"، وزير الأمن القومي إيتامار بن جفير، الذي لم يتراجع عن كلام قاله في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال" – وهو الكلام الذي أثار ضجة كبيرة. وفي المقابلة أبدى بن جفير جحوداً لدعم أميركا لإسرائيل ولم ير سوى أنها تضغط من أجل تسهيل وصول المعونات الإنسانية للمحاصرين في القطاع. وقال بن جفير إنه "بدلاً من أن يقدم لنا الدعم الكامل، فهو (بايدن) مشغول بتقديم المساعدات الإنسانية والوقود لغزة - التي تذهب إلى حماس". لو كان ترامب في السلطة لكان سلوك الولايات المتحدة مختلفاً تماماً. وفي المقابلة، ادعى وزير الأمن القومي، الذي سبق أن أدان كبار المسؤولين في الإدارة تصريحاته، أنه يعتقد أن إدارة بايدن "تضر بالمجهود الحربي الإسرائيلي"، وأنه يعتقد أن ترامب سيسمح بـ "يد أكثر حرية" لقمع إسرائيل لحماس.
وفي بداية جلسة مجلس الوزراء أمس، انتقد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ضمناً المقابلة التي أجراها بن جفير، دون تسمية الوزير. وقال نتنياهو "إننا نقدر كثيراً الدعم الذي تلقيناه من إدارة بايدن منذ اندلاع الحرب. وهذا لا يعني أنه ليست لدينا اختلافات في الرأي، ولكن حتى الآن تمكنا من التغلب عليها بتصميم مدروس". إنني لا أحتاج إلى مساعدة لكي أعرف كيف نتعامل مع علاقاتنا مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، في حين نتمسك بثبات بمصالحنا الوطنية. فنحن نتخذ قراراتنا بأنفسنا، حتى في تلك الحالات التي لا نتوصل فيها إلى اتفاق مع أصدقائنا الأميركيين. "
وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض رداً على مقابلة بن جفير إن "الموقف الأميركي واضح: نحن لا نزال ملتزمون بدعم إسرائيل في حربها ضد حماس، بينما نطالبها ببذل كل ما في وسعها لمنع خسائر المدنيين". وفي مقابلة مع شبكة سي بي إس وبّخ مستشار الأمن القومي جيك سوليفان بن جفير قائلاً: "سأدع الحكومة الإسرائيلية والسياسيين الإسرائيليين يتحدثون عن أنفسهم، فمن المؤكد أنهم لا يجدون صعوبة في القيام بذلك".
غير أن قصة أميركا ليست فقط مع بن جفير. فهناك أيضاً رئيس الصهيونية الدينية وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الذي لا يختلف بحال عن بن جفير وينافسه في التطرف. وقد هاجم سموتريتس، أمس الإثنين قرار إدارة بايدن فرض العقوبات الأميركية على أربعة مستوطنين إسرائيليين متورطين في أنشطة عنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، وقال: "تسجل الولايات المتحدة أكثر من نصف مليون من الإسرائيليين كأعداء". وأضاف سموتريتش: "في الأسبوع الماضي، قررت إدارة بايدن، كسابقة، فرض عقوبات صارمة على مواطني دولة إسرائيل كجزء من حملة كاذبة ومعادية للسامية تقودها عناصر حركة المقاطعة وأعداء إسرائيل لـ ’عنف المستوطنين‘". وأضافت وزارة المالية: "إن الإدارة تتخذ الخطوات التي يتم اتخاذها عادة ضد الإرهابيين والمنظمات الإرهابية وتوبخ أكثر من نصف مليون مواطن إسرائيلي ملتزمين بالقانون والذين هم هذه الأيام في طليعة الحرب على الإرهاب ويدفعون، جنباً إلى جنب مع "المجتمع الإسرائيلي، ثمن حياتهم لا يمكن تصوره".
ووفقا له، "لا يمكن لدولة إسرائيل أن تكمل من دون أن تقف ضد تصرفات الإدارة الأميركية التي تعتبر أكثر من نصف مليون من سكان إسرائيل أعداء بدلاً من الأصدقاء والحلفاء. ولا يمكن لمواطن إسرائيلي لديه أموال إسرائيلية أن يعيش في دولة إسرائيلية". "سيتم حرمان بنك إسرائيلي من حقوقه وأصوله بموجب أمر أميركي. وأنا في محادثة مع المشرف على البنوك. والنتيجة واضحة - لا ينبغي السماح بمثل هذا الواقع".
وهكذا فإن مقابلة بن جفير، العقوبات من واشنطن التي يحاول وزير المالية التحايل عليها، الصفة التي أطلقها بايدن على نتنياهو تشير بوضوح إلى أن الطرفين على طريق تصادم. ونتنياهو يعرف قدرة أميركا على لعب دور في الحياة العامة الإسرائيلية إذا ما أرادت ذلك من خلال ما تملك من أدوات ضغط. وسبق لأميركا أن منعت نتنياهو من تعيين سموتريتش وزيراً للدفاع عند تشكيل حكومته وكانت وراء انضمام غانتس وآيزنكوت إلى حكومة الحرب. وليس صدفة أن "نيويورك تايمز" نشرت اليوم أربعة سيناريوهات للإطاحة بنتنياهو في الظروف الحالية. في كل حال باتت العلاقات الأميركية الإسرائيلية في ظل الحرب على غزة موضع مراجعة وتدقيق بعد أن تحولت أميركا إلى بيبي سيتر لنتنياهو وحامية لإسرائيل. لكن أميركا الواعية لمخططات نتنياهو لتوريطها في حرب إقليمية تحاول قدر الإمكان عدم الوقوع في الفخ.
وما زيارة بلينكن هذه المرة إلا حلقة في سلسة ضغوط أميركية على إسرائيل لتغيير موقفها من "اليوم التالي" وحل الدولتين. وإذا لم يكن الضغط الأميركي المباشر كافياً فاستمعوا إلى تصريحات رؤساء حكومات بريطانيا وكندا وأستراليا ومستشار ألمانيا حول حل الدولتين لتعلموا أن أميركا تضيق الخناق هذه المرة على نتنياهو رغم استمرار تشددها في محاربة حماس.