تشدد إسرائيل من غاراتها على القطاع شمالًا وجنوبًا، وتعيد تجريب المجرَّب حينًا، وتختبر وسائل وأدوات لم يسبق لها استخدامها على نطاق واسع. وفي جميع الأحوال، تسعى لتحطيم إرادة شعبنا وصموده، على أمل فرض واقع يخدم أغراضها، ولا يسمح بتسوية عادلة.
وبكلمات أخرى، تعود إسرائيل إلى منهج نتيجته صفر، سواء لصالحها أو على حساب الطرف المقابل، وهو المنهج ذاته الذي أطال أمد الصراع وعمّقه. ولا يبدو في الأفق أن هناك وسيلة قادرة على إجبار العدو على تغيير هذا النهج سوى المقاومة؛ إذ إن الاسترخاء أمامه ينعش الظاهرة الكهانية، ويُتوّج بن غفير وسموتريتش على رأس الحملة والمنهج.
ورغم أن إدارة ترامب تسابق نفسها لتسبق حتى خطوات اليمين المتطرف في إسرائيل، إلا أنها تُضطر أحيانًا للاعتراف بالواقع.
مظاهر الانقسام داخل إسرائيل تثير شكوكًا داخلية جدية حول مستقبلها؛ فالكثيرون باتوا يفكرون في مغادرتها، إما بسبب تفاقم الوضع الأمني الناتج عن نهج الحرب الدائمة الذي تتبعه حكومة نتنياهو، أو بسبب الأعباء الاجتماعية والاقتصادية التي تُنتجه هذه الحرب.
الولايات المتحدة تحذّر مواطنيها من السفر إلى إسرائيل أو التحرك داخلها، في ظل احتمالات حقيقية لتطورات أمنية سيئة. وقد تراجع الشيكل، وكذلك البورصة الإسرائيلية، وسط تحذيرات من انخفاض نسبة المستجيبين لأوامر الخدمة الاحتياطية.
ورغم كل ذلك، تُشنّ الحرب بأشكال مختلفة على أربع جبهات حتى الآن، وسياسات حكومة نتنياهو قد تفتح المزيد. في المقابل، هناك شبه جمود على صعيد الاتصالات المتعلقة بتبادل الأسرى ووقف الحرب في غزة.
وتشير الصحافة الإسرائيلية إلى أن المفاوضات لإطلاق سراح الأسرى وصلت إلى طريق مسدود تمامًا، حيث لم تُبدِ حماس أي استعداد للعودة إلى طاولة المفاوضات أو مناقشة خطة ويتكوف. وعلى خلفية هذا الجمود، فإن التقديرات في إسرائيل تشير إلى أن الجيش الإسرائيلي سيكثف عملياته وينتقل إلى المرحلة التالية من القتال في قطاع غزة خلال وقت قصير للغاية.
في الوقت نفسه، أعلن مكتب رئيس الوزراء أن بنيامين نتنياهو تحدّث مساء الأحد مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو. وتركّز الاتصال على التطورات الإقليمية، لا سيما قضية إطلاق سراح الرهائن وتجدد القتال في قطاع غزة. ووفق البيان الرسمي، أعرب روبيو عن دعم الولايات المتحدة "الثابت" لإسرائيل وسياستها، في لحظة يُنظر إليها على أنها تمهيد لتصعيد عسكري جديد.
وبحسب صحيفة "معاريف"، فمنذ انتهاء وقف إطلاق النار المؤقت قبل عدة أسابيع، استمرت الجهود الدبلوماسية لاستئناف المفاوضات، لكن دون تحقيق أي اختراق حقيقي. تهدف خطة ويتكوف، التي صاغها وسطاء دوليون، إلى إطلاق سراح الرهائن مقابل مساعدات إنسانية ووقف مؤقت لإطلاق النار، إلا أن حماس لم تُبدِ موافقتها على المبادئ المطروحة حتى الآن.
منذ استئناف القتال، يعمل الجيش الإسرائيلي على ثلاثة مستويات رئيسية:
- استهداف القيادة السياسية لحماس، بما يشمل وزراء وقادة كبار في حكومة حماس. ومن بين من تم اغتيالهم: وزير العدل، وزير الداخلية، ورئيس جهاز الأمن الداخلي.
- تعطيل بنى القيادة والتحكم، عبر عمليات اغتيال دقيقة تستند إلى معلومات استخبارية يقدّمها الشاباك، ينفذها جيش الاحتلال. وتم مؤخرًا اغتيال نائب قائد لواء غزة، المسؤول عن التخطيط لعمليات، إضافة إلى قائد كتيبة الشجاعية.
- استهداف المقاتلين الميدانيين باستخدام قوات المناورة وسلاحي الجو والبحرية.
وبحسب تقييم المؤسسة الأمنية، بدأت الفرقة 36 استعداداتها لتنفيذ عمليات في منطقة القيادة الجنوبية. وكانت الفرقة قد نفذت تدريبات ومناورات في لبنان، كما شاركت في أنشطة عملياتية على مدى أشهر في الشمال.
تضم الفرقة وحدات من المشاة والمدرعات والهندسة، من بينها اللواء 188، واللواء السابع، ولواء الجولان، وكتائب سلاح الهندسة، بالإضافة إلى وحدات مدفعية وقوات دعم قتالي.
وتأمل المؤسسة الأمنية أن تؤثر الضربات الموجهة للقيادة العليا في حماس على أدائها على المدى القصير، من خلال إشغال مسؤوليها بالبقاء على قيد الحياة، وعلى المدى الطويل بإضعاف قدراتها القيادية والتنظيمية.
أما ويتكوف، فقد أعلن بشكل صريح: "حماس مسؤولة عن تجدد القتال – إنها المسؤولة الوحيدة عن ذلك".
وفي مقابلة على قناة "فوكس نيوز"، قال ويتكوف: "كانت لدى حماس كل الفرص لنزع سلاحها وقبول العرض، لكنها رفضته"، مؤكدًا: "حماس هي المعتدية، والولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل".
ومع ذلك، أعرب ويتكوف عن أمله في العودة إلى طاولة المفاوضات، من أجل مناقشة المقترح الذي يصفه بـ"المقبول تمامًا".
وجاءت هذه التصريحات بعد مقابلة دراماتيكية له مع الصحفي المحافظ تاكر كارلسون، أعرب فيها عن شكوكه في سلوك نتنياهو، قائلًا:
"أعتقد أن بيبي يظن أنه يفعل الصواب، لكنه يفعل ذلك عكس ما يريده الرأي العام. الإسرائيليون يريدون استعادة الرهائن، ونحن بحاجة إلى إعادتهم إلى بيوتهم".