يتساءل كثير من "الإسرائيليين"، بعد أكثر من عام ونصف على اندلاع الحرب، عن موعد تحقيق "النصر المطلق". ويأتي هذا التساؤل في ذروة استئناف القتال، وبعد أكثر من شهر على تجدده بوتيرة عالية. ولم تكن رشقة الصواريخ الأخيرة سوى تذكير بأن المقاومة، رغم ما تكبدته من خسائر، لا تزال قادرة على إطلاق الصواريخ نحو العمق الإسرائيلي.
لكن هذه التطورات تجري في وقت يتواجد فيه نتنياهو في واشنطن لمناقشة عدة قضايا، من بينها ملف إنهاء الحرب. وفي المقابل، تتصدر عناوين الصحافة الأمريكية والعالمية مشاهد مجزرة طواقم الإسعاف والدفاع المدني، إلى جانب حادثة طرد نائبَتين بريطانيتين من مطار اللد.
ورغم إيحاءات الجيش والقيادة السياسية "الإسرائيلية" بالتقدم نحو تحقيق أهداف الحرب، فإن شكوكًا واسعة تحيط بهذا التقدم داخل "إسرائيل" نفسها. ويكفي التذكير هنا بتجاهل "إسرائيل" للمقترح المصري الهادف إلى تجسير الفجوة بين صيغة ويتكوف وما وافقت عليه حماس في مقترح الوسطاء. وقد بدا من هذا التجاهل أن زمام الأمور انتقل بالكامل إلى الولايات المتحدة، بل وإلى ويتكوف نفسه، الذي يُنتظر أن يلتقي نتنياهو اليوم.
زيارة نتنياهو إلى واشنطن: أولوية للأسرى وصفقة بحدود ضيقة
في سياق زيارة رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، كتب إيتمار آيخنر في صحيفة يديعوت أحرونوت أن نتنياهو غادر ظهر الأحد في زيارة تستغرق يومين، يلتقي خلالها بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ومن المتوقع أن يتناول اللقاء، المقرر عقده في البيت الأبيض عند الساعة الثامنة مساءً بتوقيت "إسرائيل"، مجموعة من القضايا الاستراتيجية ذات الطابع الاقتصادي والسياسي والأمني، وعلى رأسها ملف الأسرى، والتهديد الإيراني، وتنامي القلق "الإسرائيلي" من المساعي التركية لبسط نفوذها في سوريا، إلى جانب أزمة التعريفات الجمركية، التي تُعد – ظاهريًا – المبرر الرسمي للزيارة.
ويعزز وجود ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب والمكلّف بملف الأسرى، التقديرات بأن اللقاء سيركز على قضية إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة. وتُقدّر مصادر "إسرائيلية" أن تورط ويتكوف، الذي يُعد شخصية محورية في المفاوضات مع حماس، يُشير إلى جهد أمريكي منسق للضغط على الوسيطين – قطر ومصر – عبر القناة الأمريكية. وبحسب ما هو مطروح حاليًا، فإن نطاق الصفقة المحتملة يتراوح بين طرح حماس القاضي بالإفراج عن خمسة رهائن أحياء، وبين مخطط ويتكوف الذي يتحدث عن إطلاق سراح 11 من الأسرى.
ويُلاحظ أن الإدارة الأمريكية قدّمت دعمًا واضحًا لاستئناف العمليات العسكرية "الإسرائيلية"، وزيادة الضغط الميداني، إلا أن هذا الدعم ليس مطلقًا، خصوصًا في ظل تصاعد أعداد الضحايا في غزة، وتكثف الضغوط الدولية على إسرائيل. وبحسب آيخنر، فإن لدى ترامب هدفًا أكبر يتمثل في التوصل إلى اتفاق تطبيع مع السعودية، وهو ما يتطلب تهدئة في غزة وتسوية لقضية الرهائن. ومع ضيق الوقت، فإن ترامب سيكون بحاجة لحل هذا الملف قبل زيارته المتوقعة إلى الرياض بعد نحو شهر ونصف.
وترى المؤسسة السياسية "الإسرائيلية" أن التدخل المباشر للولايات المتحدة، وتحديدًا من قبل ويتكوف، يشكل أداة ضغط حاسمة لدفع حماس نحو اتفاق. ومن المتوقع أن يطلب نتنياهو من ترامب استخدام نفوذه على الشركاء الإقليميين، وفي الوقت نفسه التأكيد على الدعم الأمريكي الحازم لإسرائيل، لمنع حماس من الوقوع في وهم وجود فجوة بين الموقفين الإسرائيلي والأمريكي.
وفي تعليقه على تطورات المفاوضات، قال مصدر سياسي "إسرائيلي": "هناك مؤشرات على تغيّرات في موقف حماس، والضغط العسكري يترك أثرًا. نبذل جهودًا كبيرة لإطلاق سراح أكبر عدد ممكن من الرهائن، ولا نستبعد حدوث انفراجة قبل العيد – لكن لا توجد ضمانات. علينا أن ندرك أننا نتعامل مع وحوش بشرية".
الاقتصاد أولًا... لكن إيران في الخلفية
تأتي زيارة نتنياهو إلى واشنطن في ظل أزمة اقتصادية عالمية، فاقمها قرار الإدارة الأمريكية بفرض رسوم جمركية على عدد من الدول، من بينها "إسرائيل". ووفق مصادر سياسية، حاولت الحكومة "الإسرائيلية" تجنّب إدراجها ضمن قائمة الدول المتضررة من خلال إلغاء الرسوم المفروضة على السلع الأمريكية، إلا أن إدارة ترامب تمسّكت بموقف حازم ورفضت الاستجابة.
ومن المقرر أن يلتقي نتنياهو خلال الزيارة بوزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك، الذي يُعد مهندس سياسة الرسوم الجمركية في إدارة ترامب، في محاولة لتقليص الأضرار التي لحقت بالصناعات "الإسرائيلية". وبحسب مقربين من نتنياهو، يسود القلق داخل محيطه من التراجعات الحادة في سوق الأسهم، والتأثيرات السلبية المباشرة على "المواطنين الإسرائيليين". ويأمل رئيس الحكومة في إيجاد تسوية للأزمة، أو على الأقل الحد من تداعياتها.
في موازاة ذلك، يُتوقع أن يشغل الملف الإيراني حيزًا كبيرًا من المحادثات. وتعتبر "إسرائيل" أن التطورات الأخيرة تستوجب رفع مستوى التنسيق مع واشنطن، خصوصًا في ظل مخاوف متزايدة من أن تؤدي تهديدات ترامب المتكررة إلى دفع إيران نحو تسريع مشروعها النووي. ومن هذا المنطلق، يسعى نتنياهو للتوصل إلى تفاهم واضح مع ترامب بشأن كيفية التعامل مع فشل محتمل في المفاوضات الأمريكية حول اتفاق نووي جديد.
ويُعتقد أن أحد أهداف اللقاء بين نتنياهو وترامب هو ضمان أن تكون وجهات نظر الزعيمين منسجمة تجاه التهديد الإيراني، لتجنّب أي مفاجآت "إسرائيلية" مستقبلاً. فالتنسيق في هذا الملف يُعدّ مسألة حيوية، خاصة فيما يتعلق بالأسئلة الكبرى التي قد تطرح لاحقًا، مثل: متى؟ ومن؟ وكيف؟ سيتم التعامل مع المنشآت النووية الإيرانية. وقد يختار ترامب مواصلة المسار الدبلوماسي ومنع إسرائيل من القيام بعمل عسكري منفرد. وفي هذه الحالة، يظل السؤال المطروح من الجانب "الإسرائيلي": إلى متى يمكننا الانتظار؟
وبينما يُشكك نتنياهو في إمكانية التوصّل إلى اتفاق دبلوماسي مع إيران، ويعتقد أن طهران استطاعت شراء الوقت من خلال إغراءات اقتصادية لبعض الدوائر الأمريكية، إلا أنه يُدرك في الوقت ذاته أن ترامب لن يسمح للإيرانيين ببلوغ القنبلة النووية.
وتشير مصادر سياسية "إسرائيلية" إلى أن استدعاء ستيف ويتكوف لا يرتبط فقط بملف الأسرى، بل قد يكون له أيضًا بُعد يتعلق بتفعيل أدوات الضغط الأمريكية – إقليميًا وأوروبيًا – على إيران، بهدف كبح تعزيز نفوذها في المنطقة.
القلق من التمدد التركي في سوريا... وانسحابات مرتقبة من المحكمة الجنائية
من المتوقع أن تُطرح في لقاء نتنياهو مع الرئيس الأمريكي قضية العلاقات "الإسرائيلية" التركية، في ظل القلق المتزايد في تل أبيب من تنامي النفوذ التركي في سوريا، وتأثيراته المحتملة على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة. وتتابع الدوائر الأمنية "الإسرائيلية" بقلق خاص التقارب بين أنقرة وحكومة الشرع، والاتفاق المعلن بين الجانبين على إنشاء قواعد لطائرات بدون طيار داخل الأراضي السورية، الأمر الذي دفع "إسرائيل" إلى قصف مطار التيفور في محاولة لعرقلة أو تأخير إقامة تلك القاعدة.
ورغم تبادل رسائل التهدئة خلال عطلة نهاية الأسبوع بين قيادتي "إسرائيل" وتركيا، التي أوضحت أن الطرفين لا يسعيان إلى التصعيد، إلا أن الأمر – بحسب مصادر إسرائيلية – يتطلب وساطة نشطة من الرئيس الأمريكي لضمان بقاء الوضع تحت السيطرة. ومن المنتظر أن يضع نتنياهو ترامب في صورة أحدث التقييمات الاستخباراتية المتعلقة بهذا الملف الحساس.
كما سيطرح نتنياهو في محادثاته مع ترامب خطوات تنسيقية بشأن المحكمة الجنائية الدولية، في أعقاب إعلان المجر انسحابها من المعاهدة. وتُبدي "إسرائيل" اهتمامًا متزايدًا بتشجيع دول أخرى على الانسحاب، وتعمل على تنسيق المواقف مع واشنطن لمواجهة الإجراءات القانونية المرفوعة ضد مسؤولين "إسرائيليين" كبار. وتشير المعطيات إلى أن جمهوريتي التشيك والأرجنتين مرشحتان لتكونا ضمن الموجة التالية من الانسحابات، ما يعزز الحاجة إلى توسيع التنسيق مع الولايات المتحدة.
وتُعتبر هذه الزيارة فرصة نادرة لتوسيع نطاق الحوار بين الحليفين إلى ما هو أبعد من أزمة الرسوم الجمركية، خاصة مع تزايد الملفات المعقدة المطروحة على الطاولة. وتشير أوساط "إسرائيلية" إلى أن المبادرة لعقد هذا اللقاء – رغم أن الزيارة لم تكن مخططة مسبقًا – جاءت عقب مكالمة ثلاثية جمعت نتنياهو برئيس الوزراء المجري والرئيس الأمريكي خلال زيارة أجراها نتنياهو إلى بودابست. ويفتخر نتنياهو بكونه أول زعيم أجنبي تتم دعوته إلى لقاء رسمي بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض، في إشارة إلى متانة العلاقة الشخصية والاستراتيجية بين الطرفين.
ومن المقرر أن تُطرح خلال اللقاء ثلاثة ملفات رئيسية: مصير الاسرى "الإسرائيليين"، وسبل حل أزمة التعريفات الجمركية، وآليات التعامل مع البرنامج النووي الإيراني. وتُرجّح التقديرات أن تتضح معالم هذه الملفات بصورة أكبر مع ختام الاجتماعات في البيت الأبيض مساء الثلاثاء.
وكان المراسل السياسي للقناة 12 يارون أبراهام قد أفاد، مساء أمس، أن نتنياهو غادر بودابست على متن طائرة "جناح صهيون" متجهًا إلى واشنطن للقاء ترامب، في زيارة لم تكن ضمن جدول الأعمال الرسمي. ورجّح أن تمتد الزيارة إلى يوم الأربعاء، أي بزيادة 24 ساعة عن المخطط الأصلي.
جدول نتنياهو في الولايات المتحدة: ملفات ضاغطة وتساؤلات مفتوحة
من المقرر أن يُتبع لقاء رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو، بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض، إصدار بيانات مشتركة من الجانبين من داخل المكتب البيضاوي، ثم يُعقد اجتماع موسع يُشارك فيه عدد من كبار المسؤولين، أبرزهم مبعوث ترامب لشؤون الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف. ومن المنتظر أن يُعقد لاحقًا مؤتمر صحفي في الجناح الشرقي للبيت الأبيض لتناول أبرز نتائج المحادثات.
ويشمل جدول الزيارة أيضًا لقاءً منفصلًا مع وزير الخزانة الأمريكي، لبحث أزمة الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب مؤخرًا على عدد من الدول، بما فيها "إسرائيل". وتشير التقديرات في تل أبيب إلى أن هذا الاجتماع هو السبب المباشر وراء ترتيب الزيارة، إلا أن مصادر سياسية إسرائيلية تعتقد أن ترامب يعتزم استغلال هذا اللقاء للضغط على نتنياهو في قضايا أكثر حساسية، وعلى رأسها صفقة إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار في غزة.
حتى الآن، لم تُثمر جهود الفريق التفاوضي الإسرائيلي – الذي يضم رون ديرمر وستيف ويتكوف – عن اتفاق لإطلاق سراح الرهائن. وكانت حماس قد عرضت إطلاق سراح خمسة رهائن أحياء، وهو عرض تعتبره إسرائيل دون الحد الأدنى المطلوب. ومن المتوقع أن يُناقش نتنياهو وترامب هذه المسألة خلال لقائهما، إلى جانب ملفات أخرى تتعلق بالمفاوضات النووية مع إيران، وتدخل تركيا المتنامي في سوريا.
وأكد بيان رسمي صادر عن مكتب رئيس الوزراء الزيارة، مشيرًا إلى أنها جاءت بدعوة مباشرة من الرئيس ترامب. وبينما فضّلت تل أبيب أن تتم الزيارة بعد عطلة عيد الفصح، أصرّ البيت الأبيض على إجرائها هذا الأسبوع، ما أثار بعض القلق داخل أوساط نتنياهو. وتساءلت مصادر مقربة منه: "ماذا يريد الرئيس؟" – في إشارة إلى احتمال وجود أجندة غير معلنة أو ملفات لم تُكشف بالكامل، تُراد مناقشتها خلال الزيارة.
ومن أبرز هذه الملفات أيضًا، استمرار الأزمة الجمركية. فقد أدرجت إدارة ترامب إسرائيل ضمن قائمة تضم 60 دولة طالتها خطته الاقتصادية الجديدة، وفرضت عليها رسومًا بنسبة 17%. وعلى الرغم من محاولة وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، تخفيف التوتر عبر خفض الرسوم على السلع الأمريكية إلى الصفر، إلا أن القرار لم يُحدث أي أثر في موقف الإدارة الأمريكية. وتشير المعادلات التجارية إلى أن إسرائيل تُصدر إلى الولايات المتحدة أكثر بكثير مما تستورد، وهو ما جعلها، وفقًا لمنطق ترامب، مطالبة بـ"الارتقاء إلى المستوى المطلوب" تجاريًا.
كذلك، لا يغيب الملف الإيراني عن اللقاء المرتقب. فترامب كان قد وجّه تحذيرًا لإيران من المقرر أن تنتهي مهلته خلال شهر ونصف، لكنه في الوقت نفسه يُلمّح إلى أنه يميل إلى خيار المسار الدبلوماسي – ولو من موقع القوة والتهديد. وتُبدي إسرائيل ارتياحًا لهذا التوجه، إذ ترى فيه مزيجًا من الضغط العسكري والمفاوضات الصارمة التي قد تخدم مصالحها الأمنية في النهاية.