انحسار الدعم وتفاقم العزلة

تقرير |المشهد الإسرائيلي| إسرائيل في مرآة واشنطن: ضغوط متزايدة وتآكل في الدعم الشعبي

01:48 م،10 ابريل 2025

حلمي موسى

تمر الأيام وتتواصل المقتلة والمجازر دون أن تتمكن إسرائيل من تحقيق أهداف حربها، فيما لا يظهر من نتائج هذه الحرب سوى الطبيعة الإجرامية للعدوان، وهي طبيعة تكاد تقضي تمامًا على صورة إسرائيل في العالم. بل إن هذه الصورة آخذة في التراجع حتى داخل الولايات المتحدة، وفق استطلاعات الرأي الأخيرة، حيث يحدث ما يشبه الانقلاب في المزاج العام؛ فأغلبية الأميركيين، وعلى خلاف ما كان سائدًا في الماضي، لم تعد تتعاطف مع إسرائيل. لم تعد تُرى في الغرب كـ"حمل وديع" يحارب "ذئابًا عربية"، بل صارت كوحش منفلت يحاول العالم إيقافه.

وبالعودة إلى لقاء ترامب ونتنياهو، فقد عاد رئيس الحكومة الإسرائيلية، رغم كل الكلام المعسول، بشعور بالغ بالمذلة؛ إذ لم يمنحه ترامب هذه المرة المساحة المعتادة. وخلال اجتماع الحكومة بعد عودته، ألمح نتنياهو إلى أن الضغوط التي مورست عليه لم تقتصر على قضية الأسرى. بينما ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن ترامب أوضح لعائلات الأسرى الذين التقاهم بعد اجتماعه بنتنياهو، أنه منح الأخير مهلة تمتد من أسبوعين إلى ثلاثة لإنهاء الحرب وإتمام صفقة التبادل. وتُفهم هذه المهلة على أنها محاولة من ترامب لإفراغ الطاولة من الملفات العالقة قبل زيارته المرتقبة إلى السعودية مطلع الشهر المقبل، حيث يعتزم التركيز على إعادة ترتيب أوراق المنطقة من خلال مشروع سلام وتطبيع مع الرياض.

وفي هذا السياق، كتب إيتامار آيخنر في "يديعوت" أن نتنياهو، بعد يوم واحد من لقائه ترامب في البيت الأبيض، حرص على تسليط الضوء على ما اعتبره إشادة أميركية بجهوده في ملف الأسرى، حيث قال: "نظر إليّ الرئيس وقال للصحفيين: هذا الرجل يعمل طوال الوقت لتحرير الرهائن". إلا أن الأجواء خلف الكواليس بدت أكثر تعقيدًا، حيث أفادت مصادر أميركية بأن ترامب بدأ يفقد صبره، ويعمل على بلورة صفقة شاملة تنهي الحرب وتؤدي إلى إطلاق سراح الأسرى.

وأكدت مصادر أميركية لعائلات الرهائن أن القضية كانت في صلب لقاء الزعيمين، مشيرة إلى أن واشنطن تضغط بقوة للوصول إلى اتفاق شامل، يتضمن إنهاء الحرب، والتطبيع مع السعودية، واستئناف التفاوض مع إيران بشأن الملف النووي، في إطار رؤية استراتيجية مترابطة لا يمكن فصل عناصرها.

وتضيف المصادر أن الأميركيين لا يدفعون فقط بخطوات متفرقة، بل يسعون إلى مبادرة إقليمية شاملة. وقد نُقل عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن ترامب منح نتنياهو وقتًا إضافيًا لاستكمال العمليات العسكرية، لكن لفترة محدودة لا تتجاوز ثلاثة أسابيع، وأن الهدف هو إنهاء الحرب في أقرب وقت.

وبحسب هذه المصادر، فإن وقف الحرب لا يعني بالضرورة التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن الأسرى. وقد أصدر مكتب رئيس الوزراء بيانًا باسم "مسؤول رفيع المستوى"، جاء فيه أن "الرئيس ترامب يدعم تمامًا سياسة رئيس الوزراء القائمة على هزيمة حماس وممارسة الضغط العسكري لتحرير الرهائن. وإن الضغط السياسي الذي تمارسه الولايات المتحدة على الوسطاء، إلى جانب الضغط العسكري الإسرائيلي، يُقربنا من اتفاق".

ورغم هذا الدعم الظاهري، فإن تصريحات ترامب يوم الاثنين ركّزت على ضرورة إنهاء الحرب، حيث قال: "نحاول التوصل إلى إطلاق سراح جميع الرهائن. أريد أن أرى نهاية لهذه الحرب، وآمل أن يحدث ذلك قريبًا".

وفي مؤتمر صحفي مشترك مع نتنياهو، قال ترامب: "لدينا مشكلة مع الرهائن، ونحن نحاول تحريرهم. إنها عملية طويلة ولا ينبغي أن تستغرق كل هذا الوقت". وأضاف: "آمل أن يُعجب الإسرائيليون بي. نحن نسعى جاهدين لإطلاق سراح الرهائن، والشعب الإسرائيلي يريدهم. ندرس إمكانية التوصل إلى وقف إطلاق نار جديد". ووصف نتنياهو بأنه "قائد عظيم"، فرد الأخير: "لديّ شريك جيد".

لكنّ الارتباك بدا واضحًا على نتنياهو بعد عودته، وهو ما أشار إليه المراسل العسكري نير دافوري على القناة 12 الإسرائيلية، حيث قال إن رئيس الوزراء أطلع وزراء الكابينت على تفاصيل اللقاء، وقد بدت عليه علامات الحيرة والانزعاج.

وأضاف التقرير أن نتنياهو فشل في الحصول على دعم أميركي في ملفات أساسية، أبرزها الملف الإيراني، وظهر ذلك جليًا عندما أعلن ترامب، إلى جانبه، أن الولايات المتحدة ستبدأ مفاوضات مباشرة مع إيران. في إسرائيل، يسود الترقب بشأن ما إذا كانت هذه المحادثات ستفضي إلى اتفاق جديد، أم ستفتح الباب أمام تحرك عسكري. وبسبب احتمال "إفساد" هذه المحادثات، فإن تل أبيب لن تكون قادرة على شن أي هجوم على إيران في الفترة المقبلة، وتعمل حاليًا على حث واشنطن على عدم تقديم تنازلات جوهرية.

تراجع شعبية إسرائيل في أميركا

وفي تطور لافت، أظهرت دراسة جديدة أجراها مركز "بيو" الأميركي تراجعًا كبيرًا في الدعم الشعبي لإسرائيل، حيث أبدى 53% من الأميركيين مواقف سلبية تجاهها، مقارنة بـ42% فقط في مارس 2022. ويرجع هذا التراجع، بحسب الاستطلاع، إلى تداعيات هجوم 7 أكتوبر 2023، وما تلاه من حرب دموية في غزة.

وأظهرت النتائج أيضًا تراجع الثقة في نتنياهو، إذ عبر 32% فقط عن ثقتهم به، بينما لم يثق به على الإطلاق 24%، وقال 28% إنهم لا يثقون به كثيرًا. وكانت النسب أكثر وضوحًا بين فئة الشباب، حيث أفاد 40% من الأميركيين دون سن الـ49 بأنهم لا يثقون بنتنياهو.

ويبدو أن الحرب لم تعد تحظى بالاهتمام نفسه داخل الولايات المتحدة، حيث يرى عدد متزايد من الأميركيين أن الحرب بين إسرائيل وحماس لا تمثل أولوية بالنسبة لهم أو لمصالح بلدهم.

ورغم أن 31% من المستطلعين يرون أن ترامب يميل لصالح إسرائيل أكثر من اللازم، فإن 29% يعتبرون أنه يوازن بين الطرفين، بينما يعتقد 3% فقط أنه يميل للفلسطينيين.

كما أظهر الاستطلاع أن نحو 20% من الأميركيين يعتقدون أن ترامب قد يسعى للسيطرة على غزة، وهي نسبة لافتة رغم أن 62% يعارضون هذا التوجه، بينهم 49% يعارضونه بشدة.

وفي ما يخص حل الدولتين، يرى 46% فقط أنه لا يزال ممكنًا، مقارنة بـ52% في نهاية 2023، مع بروز هذا التراجع خصوصًا بين الديمقراطيين والشباب.

ويشير التقرير إلى أن الحرب على غزة أعادت تشكيل مزاج الرأي العام الأميركي تجاه إسرائيل، حيث تسلط الضوء على القسوة التي تميزت بها الهجمات ضد المدنيين، وردود أفعال الجيش الإسرائيلي.

رغم الدعم التاريخي الذي توفره واشنطن لتل أبيب، فإن الاتجاه العام في الولايات المتحدة بات أكثر تحفظًا تجاه التدخل العسكري في الصراعات طويلة الأمد، لا سيما بعد تصاعد الدعوات داخل الحزب الديمقراطي لإعادة صياغة السياسة الأميركية، والتركيز على حقوق الإنسان بدلاً من الانحياز العسكري المطلق.

ختامًا، يوضح استطلاع مركز "بيو" أن التراجع في التأييد الأميركي لإسرائيل قد لا يكون عابرًا، بل ربما يمثل تحوّلًا طويل المدى في المزاج العام، وهو تحوّل سيكون له أثر مباشر على شكل العلاقات المستقبلية بين واشنطن وتل أبيب، خاصة إذا استمرت الحرب على غزة وتزايدت تداعياتها.