يتواصل القصف الهمجي الصهيوني على مناطق مختلفة في القطاع تحت مسمى "الضغط العسكري"، ويُبرر ذلك بأنه يهدف إلى إرغام حركة حماس على القبول بالاشتراطات الإسرائيلية، وفي الوقت نفسه يسعى لتحويل غزة إلى مكان غير صالح للحياة، على أمل تحقيق ما يصفه بـ"مشروع ترامب لتهجير أهالي غزة". إلا أن سلوك الغزيين يُظهر أن أمل "إسرائيل" في التهجير أقرب إلى المستحيل، بل "كأمل إبليس في الجنة"، كما يُقال.
وإلى أن تتبلور الصورة ــ وهي كما يبدو لن تطول، سواء بفعل الضغوط الداخلية، حيث يكاد "المجتمع الإسرائيلي" ينفجر من تبعات الحرب، أو بفعل الضغوط الدولية ــ فإن الوضع لم يعد يحتمل ترف الانتظار الطويل، حيث باتت الأسرة الدولية أمام مشهد فريد لمجزرة تُرتكب بالصوت والصورة أمام العالم أجمع. وإذا كانت استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة بدأت تنقلب ضد "إسرائيل"، فإن الصورة في معظم دول العالم أسوأ بكثير، فضلًا عن الملاحقات الجنائية المحتملة من المحاكم الدولية أو الوطنية ذات الولاية العالمية.
وفي ظل هذه الأجواء، تدور الاتصالات حول ما بات يُعرف بـ"المقترح المصري". وتتمثل ميزة هذا المقترح في أنه يربط بين تبادل الأسرى، ووقف الحرب، والحل السياسي، وهنا تكمن مشكلته بالنسبة "لإسرائيل". إذ إنه حتى إن وافقت "إسرائيل" على جانب التبادل، فليس من المؤكد أن توافق على إنهاء الحرب، وإن قبلت بالجانبين، فإن القبول بالشق المتعلق بالحل السياسي يبدو أكثر تعقيدًا. فالمقترح المصري، القائم على حل الدولتين، يتناقض كليًا مع أجندة حكومة اليمين في "إسرائيل"، التي تسعى للسيطرة على الضفة الغربية وفرض السيادة على أجزاء واسعة منها، كما يتعارض مع مشروع تهجير غزة.
لذا، من المهم الحذر عند قراءة مؤشرات التفاؤل "الإسرائيلية"، إذ إن ما حدث مع "خطة بايدن"، التي هي عمليًا نسخة من خطة نتنياهو، وعدم تنفيذ حتى مرحلتها الأولى، هو على الأرجح ما سيتكرر إذا نجح المقترح المصري في كسب القبول.
في آخر تطورات الاتصالات بهذا الشأن، أشار المراسل العسكري للقناة 12 نير دفوري إلى أن "إسرائيل" تنتظر رد حماس على المقترح المصري. ويُقدّر مصدر في المفاوضات أن الجمع بين الضغط العسكري والسياسي قد يخلق فرصة جديدة. وقد أُبلغت عائلات الأسرى بأن تقدمًا كبيرًا قد تحقق، ومن الممكن التوصل إلى اختراق خلال أيام.
لكن "إسرائيل" لا تنوي السماح للمفاوضات بالاستمرار إلى ما لا نهاية، وقد حدّدت سقفًا زمنيًا يصل إلى أسبوعين لتقييم ما إذا كانت المحادثات ستنضج إلى اتفاق، أو تتجه نحو "مراحل أخرى ضمن الحملة العسكرية".
وقال مصدر مطلع على المفاوضات إن هناك اتصالات مكثفة مع الوسطاء، تقودها مصر هذه المرة. وقد أُفيد أن المقترح المصري يتضمن إطلاق سراح 8 رهائن أحياء. وفي المقابل، تضغط "إسرائيل" للحصول على صفقة تتضمن عددًا مضاعفًا من الأسرى.
بالنسبة للعائلات، يبقى المشهد مفجعًا. هناك قلق بالغ بشأن الرهائن المحتجزين في أماكن لا تصل إليها القوات الإسرائيلية، حيث يعيشون في ظروف قاسية، ويجري آباء المختطفين محادثات ماراثونية بحثًا عن إجابات.
لكن قبل تحديد عدد الرهائن الذين سيتم الإفراج عنهم، لا بد من الاتفاق على مفاتيح الصفقة وطريقة انسحاب القوات. "إسرائيل" تريد وقف إطلاق نار قصير الأمد – لا يمتد إلى 70 يومًا، بل نحو 40 إلى 50 يومًا.
وتصر "إسرائيل" على أن يبدأ الإفراج عن الأسرى في بداية الصفقة وليس على مراحل. وبسبب البطء الشديد، لا يتبقى وقت حقيقي لمناقشة تفاصيل المفاوضات. كما تهتم "إسرائيل" بالحصول على معلومات حديثة بشأن صحة جميع الرهائن، وظروفهم من حيث التغذية والرعاية الطبية. ويضغط المبعوث ويتكوف والإدارة الأميركية بقوة في هذا الاتجاه.
ترى "إسرائيل" أن الجمع بين الضغط العسكري – توسيع العملية البرية، والاستيلاء على الأراضي، ووقف المساعدات الإنسانية – والضغط السياسي، قد يؤثر على حماس. وتُقدّر أن "محمد السنوار هو العائق الرئيسي أمام تقدم الصفقة".
تركز العمليات العسكرية حاليًا على السيطرة الميدانية. وتعمل القوات الإسرائيلية على توسيع نطاق المنطقة العازلة على طول حدود القطاع، والسيطرة على مزيد من الأراضي، خاصة شمال القطاع. وفي غضون أيام، سيكمل الجيش سيطرته على "محور موراج" ويبدأ بتوسيعه، ما يعني أن نحو 40% من قطاع غزة سيكون خاضعًا لسيطرته.
تدعم المؤسسة الأمنية – من رئيس الأركان إلى رئيس الموساد والشاباك، وحتى الجنرال المسؤول عن ملف الأسرى والمفقودين – هذه الخطوة. وتُعد المرحلة الحالية خطوة أولى في خطة أكبر، فإذا فشلت المفاوضات، ستواصل "إسرائيل" الحملة حتى "هزيمة حماس"، كما يزعمون.
وفي السياق ذاته، كتب المراسل السياسي لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، إيتامار آيخنر، أن "إسرائيل" تنتظر رد حماس على المقترحات الأخيرة، بعد مرور 553 يومًا على أسر الرهائن. ويجري فريق التفاوض الإسرائيلي اتصالات مكثفة مع الوسطاء، خصوصًا مصر، وبالتنسيق مع الأميركيين. وتقول "إسرائيل" إن "الكرة الآن في ملعب حماس"، التي أعلنت رفضها العرض الإسرائيلي بالإفراج عن 11 أسير أحياء، لكنها لم ترد رسميًا بعد على العرض المصري المتضمن إطلاق 8 أسير.
يسعى الفريق الإسرائيلي لزيادة عدد الرهائن المُفرج عنهم في بداية أي صفقة، إذ تتراوح العروض بين مقترح حماس بالإفراج عن 5 رهائن – بينهم عيدان ألكسندر (يحمل الجنسية الأميركية) – والمطلب الإسرائيلي بـ"مخطط ويتكوف"، الذي ينص على الإفراج عن 11 أسير أحياء منذ البداية، بالإضافة إلى نصف عدد الأسرى القتلى.
ويتضمن المقترح المصري عناصر تتعلق بإنهاء الحرب، وهو ما ترفضه "إسرائيل" بشدة. وتطالب "إسرائيل" المبعوث الأميركي بالالتزام بخطته التي تنص على إطلاق النصف الثاني من الأسرى فقط في نهاية التهدئة، وترك فترة زمنية بين مرحلتي الصفقة لمناقشة الملفات الكبرى، من ضمنها إخلاء غزة من السلاح.
ترفض "إسرائيل" النموذج المتقطع الذي يُفرج بموجبه عن عدد قليل من الأسرى كل بضعة أيام، معتبرة أن ذلك يُتيح لحماس خرق الاتفاق ومنع مفاوضات معمقة حول القضايا الرئيسية، والتي تصفها "إسرائيل" بـ"المرحلة الثانية"، أي نهاية الحرب.
لهذا، تؤكد أن نموذج ويتكوف هو الأنسب. وحسب هذا النموذج، يُفرج عن نصف الأسرى دفعة واحدة، ثم تُجرى مفاوضات معمقة وطويلة المدى، يُبنى عليها الإفراج عن البقية إذا تم التوصل إلى تفاهمات.
وقدمت "إسرائيل" للوسطاء قائمة بـ59 أسيرًا – 24 أحياء و35 قتلى – وتفاوض على استعادة جميعهم. وتؤكد مصادر مطلعة أن مفاوضات شاقة تدور عبر وسطاء، لكن لا اتفاق وشيك في الأفق. وتُصر "إسرائيل" على أن زيادة الضغط العسكري هدفها الرئيسي هو إطلاق سراح الرهائن.
وتأمل "إسرائيل" في أن يسهم الضغط في دفع المفاوضات إلى مرحلة جديدة تُعرف باسم "محادثات القرب"، سواء في القاهرة أو الدوحة، حيث تبدي استعدادها للقاء الوسطاء وجهًا لوجه. وقال مصدر مطلع: "هناك إصرار كبير على اغتنام الفرصة، والمضي في إطلاق الأسرى بأسرع وقت ممكن". وأضاف: "لا نؤمن كثيرًا بالتفاؤل أو التشاؤم. نحن نثابر دائمًا. ولا يمر يوم من دون مواجهة هذه التحديات. الفريق لديه هامش مناورة بتفويض من رئيس الوزراء".
وقد عقد نتنياهو الليلة الماضية جلسة لتقييم الوضع، قدّم خلالها فريق التفاوض تقريرًا مفصلًا، بحضور رؤساء الأجهزة الأمنية، بمن فيهم رئيس الشاباك رونين بار، الذي أوقفت المحكمة العليا قرار إقالته مؤقتًا. وقد أبدى الجميع دعمًا للضغوط العسكرية المتصاعدة، وتقرر مواصلة التصعيد ما لم يتم التوصل إلى اتفاق.
وقال مسؤول رفيع إن "الضغط العسكري سيشتد كلما طال أمد غياب الاتفاق". وأضاف مصدر آخر أن "المقترحين المصري والأميركي مطروحان، والضغط العسكري يتواصل ميدانيًا، من خلال المناورات وعمليات الاغتيال ضد شخصيات بارزة".
تقرير عن تأثير ديرمر وغضب العائلات
أصدرت "مديرية المفقودين والمختطفين" تحديثًا أفادت فيه بأن الاتصالات مستمرة مع الوسطاء، بتنسيق كامل مع الولايات المتحدة، وأن الجهد التفاوضي بقيادة مصر يتناول جميع الملفات. وقد جرى اطلاع نتنياهو على آخر المستجدات في اجتماع حضره رؤساء الأجهزة الأمنية، وأُعلن أن العمل سيستمر على مدار الساعة حتى استعادة المختطفين.
في المقابل، نفى مكتب نتنياهو تقرير شبكة "سي إن إن"، الذي أفاد بوجود تباطؤ كبير في المحادثات منذ تعيين الوزير رون ديرمر، المقرب من نتنياهو، لقيادة الفريق التفاوضي. وقال المكتب إن ديرمر يقود القضية "على مدار الساعة"، واعتبر أن الحملة الدعائية ضده "تخدم حماس وتضر بعائلات المختطفين".
غير أن عائلات المخطوفين أعربت عن قلق بالغ، ودعت ديرمر إلى الدفع باتجاه صفقة تُفرج عن جميع المخطوفين، أو الاستقالة. وقالت في بيان: "كل لحظة تأخير في الإفراج عن الأسرى، إن أمكن، هي بمثابة سفك دم. الوقت ينفد، وحريتهم هي حريتنا".