العجز السياسي والعسكري في "إسرائيل": لا حرب تُحسم ولا صفقة تُنجز

تقرير الضغط بلا جدوى: فشل الرهانات العسكرية واحتدام الخلافات داخل "الكابينت"

12:22 م،23 ابريل 2025

حلمي موسى

يكشف معظم المعلقين العسكريين في "إسرائيل" أن استئناف الحرب على غزة، رغم شدة الضربات، لم يُحقق لـ"إسرائيل" أهدافها. فلا قضية الأسرى شهدت أي تقدّم، ولا الضغط العسكري المستمر وتوسيع احتلال المناطق أسهم في تغيير المعادلة، بل ورّط "إسرائيل" أكثر فأكثر في إدارة شؤون السكان، وأطال أمد الحرب.

وكان من المقرّر أن تجتمع حكومة نتنياهو لاتخاذ قرار بشأن توسيع العمليات الحربية أو منح المزيد من الوقت للوسطاء. ومهما كانت النتيجة، فإن ذلك يعكس حالة من الارتباك داخل الجيش "الإسرائيلي"، الذي يعاني من نقص في عدد الجنود، ويواجه الحاجة إلى تجنيد عدد من فرق الاحتياط لهذا الغرض. وتزداد صعوبة هذا المسار بسبب تحديات تجنيد القوات والتكلفة المالية والاقتصادية الباهظة للحرب.

وبحسب ما نُشر، فقد اندلع سجال حاد في اجتماع الحكومة بين وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ورئيس الأركان إيال زامير، اتّهم فيه سموتريتش زامير بالعجز عن تحقيق أهداف الحرب، لا سيما بعد رفضه استعداد الجيش لتوزيع المواد الغذائية على السكان بدلًا من الأونروا.

من الواضح أن هذا السجال الواسع داخل المجتمع والحكومة يُعمّق الانقسامات، خاصة مع تداخلها بالمطامع الحزبية لليمين ونتنياهو، ورفض غالبية المجتمع "الإسرائيلي" ومؤسساته لهذا التوجه.

وعشية احتفال "إسرائيل" بيوم الذكرى و"يوم الاستقلال"، وفي ظل الجمود في المفاوضات مع حماس، أصدرت عائلات الأسرى بيانًا لوسائل الإعلام في "ساحة الأسرى" بتل أبيب، وذلك قبيل انعقاد متوقع للمجلس الوزاري الأمني السياسي.

وجاء البيان بعد مكالمة هاتفية أجراها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي كتب على حسابه في  "Truth Social" تحدثنا عن العديد من القضايا، بما في ذلك التجارة وإيران وما إلى ذلك. كانت المحادثة جيدة جدًا - نحن على نفس الجانب في جميع القضايا". ولم يتطرّق ترامب إلى قضية الأسرى في بيانه.

وكان من المقرر أن يتضمن اجتماع المجلس الوزاري الأمني قرارات هامة، حيث ضغط بعض الأعضاء لتحديد موعد نهائي قريب، وبعده، إذا لم يتم التوصل إلى صفقة أسرى، فستُتخذ قرارات بالانتقال إلى ما يسمّى "مرحلة اتخاذ القرار". وحتى اللحظة، ورغم التقارير التي تتحدث عن احتمالات التوصل إلى اتفاق، أكّد مسؤول رفيع أن "الاتفاق متوقف، ولا جديد حتى الآن". ومن ناحية أخرى، لا توجد معارك فعلية تمارس ضغطًا على حماس، فيما يعتبر كبار المسؤولين أن هذا الوضع المؤقت يؤدي إلى الانفجارات وإهدار الوقت الثمين.

لهذا، يضغط أعضاء الحكومة للانتقال إلى مرحلة اتخاذ القرار، والتي تشمل تعبئة مكثفة لقوات الاحتياط، وإدخال عدة فرق إلى غزة، واستخدام أسلحة ونيران أثقل من تلك المستخدمة مؤخرًا. ومن المقرر أن تتناول المناقشات، من بين أمور أخرى، إدخال المساعدات إلى القطاع وآلية توزيعها. وسيُطلب من الوزراء تقديم إجابات حاسمة حول كيفية إدارة المرحلة المقبلة من الحرب، وتحديد موعد للانتقال إلى جولة أشد من القتال.

ويقتضي هذا الأمر، وفقًا لسيناريوهات طرحت في اجتماعات سابقة، تعبئة طارئة لآلاف المقاتلين، ودخول عدة فرق إلى القطاع، والاستيلاء على مناطق واسعة منه للضغط على حماس كي تبدي مرونة أكبر. وتُشير مصادر سياسية إلى أن ما نُشر مؤخرًا عن مقترحات الوسطاء "لا أساس له من الصحة"، ولا توجد أي مؤشرات لاتفاق قريب.

وكتب الصحفي باراك رافيد في موقع "والّا" أن الولايات المتحدة تسعى لمحاولة جديدة لتحقيق اختراق يؤدي إلى تجديد وقف إطلاق النار وإطلاق المزيد من الأسرى، كما تطرقت المحادثة إلى الملف النووي الإيراني. وعلّق ترامب مجددًا: "كانت المحادثة جيدة، ونحن على نفس الجانب في جميع القضايا".

وقد جاءت هذه المكالمة بعد فشل وساطة جديدة من الولايات المتحدة ومصر الأسبوع الماضي. وتسعى إدارة ترامب لمحاولة أخرى هذا الأسبوع، حيث من المقرر أن يلتقي رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في واشنطن مع وزير الخارجية ماركو روبيو والمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف لمناقشة هذا الملف، ومن المتوقع أيضًا أن يلتقي الرئيس ترامب.

وكان من المفترض أن تجرى المحادثة يوم الاثنين، لكنها تأجلت بسبب تعارض في الجداول الزمنية. وتُعد هذه أول مكالمة بين نتنياهو وترامب منذ لقائهما في البيت الأبيض قبل أسبوعين، حيث أوضح ترامب رفضه لهجوم على إيران في هذه المرحلة.

وجاء ذلك عقب الجولة الثانية من المحادثات النووية بين واشنطن وطهران في روما. وقال ترامب إن مبعوثه ستيف ويتكوف عقد "اجتماعات جيدة" مع الجانب الإيراني.

من جهته، كتب ليران أهروني عن خطة مصرية قطرية تقضي بوقف إطلاق نار لمدة سبع سنوات، تتزامن مع نهاية حكم حماس في غزة ونزع سلاحها. ووفقًا للخطة، سيتزامن وقف القتال مع انسحاب القوات "الإسرائيلية" من القطاع، وتعلن حماس نزع سلاحها، وتُسند إدارة القطاع إلى لجنة اجتماعية تحت إشراف السلطة الفلسطينية. وأكدت مصادر أن وفدًا "إسرائيليًا" زار القاهرة وناقش المقترح، إلا أن مسؤولًا "إسرائيليًا" رفيعًا نفى وجود أي وفد هناك.

وبينما يطالب سموتريتش بالانتقال الفوري إلى مرحلة القرار، يحاول نتنياهو وكاتس كسب المزيد من الوقت، رغم ضغط كبار الوزراء الذين يرون أن الاستمرار على هذا النحو يُبدد الوقت بلا جدوى.

وبحسب مصادر مطّلعة، فإن نتنياهو وكاتس لا يزالان يُراهنان على استنفاد فرص الاتفاق. فيما سموتريتش، الذي التقى نتنياهو ثلاث مرات خلال الأسبوع الماضي، يواصل الضغط، مشددًا على استنزاف قوات الاحتياط وتضرر الاقتصاد وتآكل أهداف الحرب.

وقد حذّر ضباط كبار في الجيش من استحالة تحقيق هدفَي الحرب المتعارضين: إسقاط حماس وإعادة الأسرى. وطالبت عائلات الأسرى بإعطاء الأولوية لإعادتهم.

ورأى مسؤولون في حديث لموقع "يديعوت أحرونوت" أن عودة الأسرى في الوضع الحالي "غير واقعية". وقالوا: "إذا كانت حماس قد رفضت المقترحات، فلا فائدة من الانتظار". ومن هنا، تتزايد الضغوط للانتقال إلى "مرحلة اتخاذ القرار"، التي تتضمن تعبئة واسعة، واستخدام قوة نارية أكبر، واستهداف مناطق أوسع.

ورغم أن فرص الاتفاق تبدو ضئيلة، فقد ناقش الكابينت أيضًا طبيعة المساعدات التي ستُدخل إلى غزة في حال تم التوصل إلى تسوية، وتم التطرق إلى أسماء منظمات مدنية مرشحة لتولي توزيع المساعدات تحت رقابة "إسرائيلية" مشددة. وكان موقع "واي نت" قد كشف هذا الشهر عن استعدادات الجيش لإعادة تنسيق المساعدات، وهو ما أكده وزير الحرب "الإسرائيلي" يسرائيل كاتس الأسبوع الماضي، موضحًا أنه يعتزم ذلك في المستقبل.

وتأتي هذه التطورات في ظل توتر متصاعد بين نتنياهو ورئيس جهاز الشاباك، رونين بار، خاصة بعد إفادته الأخيرة التي تضمنت اتهامات خطيرة ضد نتنياهو. وقال سموتريتش في مقابلة إذاعية إنه إذا تحدث بار في اجتماع الحكومة "فسيخرج هو لتناول القهوة أو إلى الحمام".

تعقيب "عروبة":

تُظهر التطورات المتلاحقة أن "إسرائيل" باتت في مأزق استراتيجي مركّب، يتجاوز حدود الميدان إلى عمق الأزمة السياسية والأمنية. فشل العمليات العسكرية في تحقيق أهدافها، وتآكل الرهانات على الضغط العسكري كوسيلة لإخضاع المقاومة، وتزايد التصدعات داخل القيادة السياسية والأمنية، كلها مؤشرات على أن الحرب فقدت بوصلتها. ومع غياب رؤية واضحة للمخرج، تتحول المداولات داخل "الكابينت" إلى ساحة لتبادل الاتهامات والتسويات الفئوية، لا لصياغة استراتيجية حقيقية.

وفي ظل تصاعد الضغوط الشعبية من عائلات الأسرى، وتآكل قدرة "إسرائيل" على تحمّل كلفة الحرب الممتدة، تُطرح اليوم مسارات متضاربة بين "مرحلة اتخاذ القرار" العسكرية وبين عروض التهدئة المشروطة بنزع سلاح المقاومة وإنهاء حكم حماس، وهي شروط لا تعكس سوى عمق الانفصال عن الواقع ورفض الاعتراف بنتائج الفشل. إن الإصرار على إدارة الأزمة بمنطق القوة وحدها دون أفق سياسي، يعمّق الاستنزاف ويُقرب "إسرائيل" من حافة الانفجار الداخلي، بدلًا من حسم الحرب على جبهة غزة.