يبدو واضحًا أكثر من أي وقت مضى أن حكومة نتنياهو تبذل أقصى ما لديها من جهد لمنع وقف الحرب، وأنها ترفض تنفيذ صفقة تبادل، خشية أن يؤدي ذلك إلى وقفها. كان هذا ديدنها منذ البداية، مع كل الألاعيب التي مارستها في المفاوضات والجرائم التي اقترفتها على الأرض لمنع التوصل إلى اتفاق.
واليوم، حتى بعد إعلان حماس جهارًا نهارًا استعدادها لتنفيذ صفقة تنهي الحرب، وتحرر الأسرى من الجانبين، وتُبعد حماس عن الحكم، تستمر المماطلة. لكن الجديد هو بدء تراجع ترامب عن التأييد المطلق للسياسة الإسرائيلية ومحاولته عرض موقف مختلف.
في كل حال، كان إرسال رئيس الموساد بارنيع إلى قطر، للمرة الأولى منذ أشهر طويلة، نقطة مضيئة في بحر ظلام المفاوضات الذي أنشأه الوزير ديرمر. فوفقًا لمصادر شاركت في المحادثات بين رئيس الموساد ديدي بارنيع ورئيس الوزراء القطري، ناقش الرجلان كلا الاقتراحين: الاقتراح الجزئي الذي قدمته "إسرائيل" والاقتراح الكامل الذي قدمته حماس. ولا تزال المحادثات في مراحلها الأولية.
ويقدم المراسلون والمعلقون الإسرائيليون اقتراح حماس على أنه غير واقعي وغير ذي صلة، مشيرين إلى وجود اقتراح آخر "جزئي إنساني" تحاول "إسرائيل" تسويقه.
في إحدى حلقات القناة الرابعة عشرة، تحدث تامر موراغ عن مقترح حماس، واصفًا إياه بأنه "نوع من الخطوط العريضة"، موضحًا: "ليس جديًا. لن يكون هناك وقف إطلاق نار لخمس سنوات، ولن يكون هناك وقف إطلاق نار لعام واحد أيضًا. عموماً، لا يوجد تقدم حاليًا. لذلك، يبدو أننا نتجه في الأيام القادمة نحو مزيد من تصعيد القتال في قطاع غزة".
أما قناة الأخبار 13، فردّت على سؤال: "لماذا يلتزم الناس في إسرائيل الصمت إزاء هذا الاقتراح؟" – أي اقتراح حماس – بأن وقف الحرب موقف لا تستعد له "إسرائيل"، إذ ترفض باستمرار أي صفقات تتضمن ذلك منذ عام ونصف، حتى لو شمل الأمر إعادة جميع المختطفين إلى منازلهم غدًا. ومن الجدير بالذكر أن "إسرائيل" مستعدة بالفعل لهذا الأمر وفقًا لاستطلاعات الرأي، لكن الذي يرفض هو نتنياهو.
واستنادًا إلى مصدر إسرائيلي رفيع مسؤول عن نقل المعلومات إلى المستوى السياسي، ذكرت القناة 13 أن قطر لم تشارك في صياغة صفقة الرهائن الأخيرة، ولم تضغط على حماس، بل على العكس حاولت إحباطها عبر مناشدة الولايات المتحدة العودة لمناقشة اقتراح قطري وليس مصري. وأضافت: "عندما نعلم أن قطر تسللت إلى مكتب نتنياهو، يصبح هذا التقرير أكثر إثارة للقلق".
الحرب الأبدية
تشير جميع نشرات الأخبار الإسرائيلية إلى "معارك ضارية" و"قتال عنيف" في القطاع — وهو الاسم الرمزي للخسائر في صفوف القوات الإسرائيلية — وهجمات جوية مكثفة خلال عطلة نهاية الأسبوع.
ومؤخرًا، كشف تقرير للقناة 11 أن الجيش الإسرائيلي يستعد لإقامة منطقة إنسانية جديدة في جنوب قطاع غزة، وهي علامة على تصعيد القتال مستقبلًا.
وتذكر القناة 13 في عنوانها أن الحرب مستمرة أيضًا على الجبهة الداخلية، بينما تحتفل القناة 14 بالحرب وتتوعد بأنها ستزداد سوءًا.
وهذا يقود إلى كثرة الأحاديث عن توسيع الحرب. لكن توسيع الحرب يصطدم بالعديد من العوائق، من بينها نقص عديد الجيش. وازداد الحديث مؤخرًا عن النقص الكبير في صفوف القوات.
وقبل أيام كتب آفي أشكنازي في "معاريف" أن "الأمر مثير للقلق: نقص القوى العاملة في الجيش الإسرائيلي يتخذ بعدًا جديدًا وخطيرًا استراتيجيًا".
تم بالفعل إرسال جنود شباب لم يكملوا تدريباتهم بالكامل إلى قطاع غزة، بسبب النقص في القوى البشرية، لكن بعد ضغوط كبيرة من أهالي الجنود، تراجع الجيش الإسرائيلي عن قراره.
من جانبها، كشفت "يديعوت أحرونوت" عن مصادر عسكرية قالت: "لدينا نقص بنحو 10 آلاف جندي بسبب استمرار الحرب وعدم فاعلية مساعي تجنيد الحريديم"، وأن الجيش قرر إضافة 4 أشهر خدمة احتياط مع نهاية خدمة الجنود الإلزامية بسبب النقص الحاد في القوى البشرية.
وقالت مصادر سياسية وعسكرية للصحفيين إن الجيش سيوسع قريبًا عملياته، وهو يستعد للسيطرة على المزيد من المناطق في قطاع غزة.
ومع ذلك، فعليًا، وراء الكواليس، يخوض الجيش الإسرائيلي صحوة وتغيّرًا في التقديرات. وهذا ما دفع وزراء الكابينت، وعلى رأسهم بتسلئيل سموتريتش، لمهاجمة رئيس الأركان إيال زامير خلال اجتماع الثلاثاء الماضي.
وكتب المعلق العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل: "الجيش الإسرائيلي بدأ يصحو".
ببطء، بدأ زامير يُهيئ الوزراء للواقع: عملية عسكرية قوية ضد حماس ستتطلب قوات كثيرة وزمنًا طويلًا نسبيًا، ولا يوجد ضمان بأن تؤدي إلى استسلام فلسطيني أو إلى تحرير جميع المختطفين وهم أحياء.
الجيش الإسرائيلي يواجه صعوبة متزايدة في تجنيد جنود الاحتياط، بسبب تراكم أعباء الخدمة، إضافة إلى الغضب الشعبي من تهرب الحريديم من التجنيد بدعم حكومي.
بالإضافة إلى ذلك، لا تستطيع "إسرائيل" تجويع سكان غزة إلى الأبد. فكلما تدهور الوضع الإنساني في القطاع، ازداد الضغط الدولي لاستئناف قوافل المساعدات.
ولا يرغب الجيش الإسرائيلي بتولي إدارة الإمدادات بنفسه بدلًا من المنظمات الدولية وحماس، لأسباب عدة: منها أن المهمة تتطلب وجودًا عسكريًا كبيرًا وطويل الأمد، وقد تؤدي إلى مزيد من الإصابات.
أما آفي أشكنازي ("معاريف") فكتب عن المرحلة القادمة ضد غزة: "نحن لا نتجه فقط إلى الغرق في الوحل، بل في مستنقع. ما لا يتحقق بالقوة، يحاولون تحقيقه بمزيد من القوة، وينسجمون مع خط سموتريتش في الكابينت".
هذا يعني أن الجيش يعترف ضمنيًا بعدم تحقيقه الهدف الأول، وهو تحرير الأسرى، ويبدو أننا سنضطر للتخلي عنهم.
لكن مسك الختام كان في كلام الجنرال احتياط يتسحاك بريك: "في حال قررت الحكومة الانتقال إلى هجوم قوي واستدعاء مئات الآلاف من جنود الاحتياط مرة أخرى وإرسالهم للقتال في قطاع غزة، سيتطور سيناريو كارثي: عشرات بالمئة من جنود الاحتياط لن يستجيبوا وسيعبرون عن رفضهم بالفعل. وكما لم ننجح في حسم المعركة مع حماس خلال السنة والنصف الماضية، لا يوجد الآن أي حل سحري يمكن للجيش تطبيقه.
الوضع الآن أسوأ بكثير مما كان عليه في عهد رئيس الأركان هرتسي هاليفي: استنزاف في القوى البشرية، تراجع في المعنويات، استهلاك كبير للوسائل القتالية، وجيش صغير يفتقر إلى قوات مهنية قادرة على تفكيك الأنفاق.
والنتيجة المؤسفة ستكون: سنفقد الأمل في إنقاذ الأسرى وإعادتهم، سيتعرض المزيد من الجنود للاستهداف، وسيسقط عدد كبير جدًا من المدنيين الأبرياء في غزة قتلى وجرحى، وسنفقد نهائيًا دعم العالم.
اقتصاد إسرائيل سيصل إلى حافة الهاوية، مئات الآلاف سيفقدون وظائفهم، وستُفرض مقاطعات اقتصادية عليها. التماسك الاجتماعي سيواصل الانهيار.
في النهاية، لن نحسم أمر حماس، بل سنحسم أمر أنفسنا. الجيش الإسرائيلي سيُنظر إليه على أنه ضعيف وعارٍ أمام أنظار العالم بأسره".
أما المراسل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت" يوأف زيتون، فقد كتب في السياق ذاته: "بسبب حالة النقص الشديد بالمعدات داخل مخازن الجيش، حصل قادة سرايا الهندسة القتالية على خوذ رأس متهالكة وقديمة وأقل حماية، خلال توغلهم في رفح".
وقال رقيب في الجيش الإسرائيلي لصحيفة "يديعوت": "الروح المعنوية منخفضة للغاية ونحن جميعًا نريد أن ينتهي هذا الوضع. أشعر أنه لا أحد يحسب لي حسابًا... هناك أشخاص يجلسون ويتخذون القرارات، وحقيقة أن لي حياتي الخاصة لا تهمهم على الإطلاق.
يتخذون قراراتهم من على كراسيهم، من موقعهم الرفيع... فهم لا يشعرون بالتبعات، لذلك من السهل عليهم اتخاذ قرارات قاسية كهذه.
عندما أخرج من غزة وأُكلف بنوبة عمل في المطبخ، فهذا دليل على أن النقص ليس فقط في المقاتلين، بل هناك نقص في الجنود في العديد من الوظائف.
إذا كان مطلوبًا من مقاتل أن يؤدي نوبة عمل في المطبخ، أو يتم إرساله إلى قاعدة أخرى تحت مسمى "مكلف بمهام متنوعة" لمدة شهر، فهذا دليل على أن هناك حاجة لقوة بشرية غير متوفرة حاليًا".
تعقيب عروبة:
تكشف المعطيات المتراكمة أن حكومة نتنياهو وجيش الاحتلال يواجهان مأزقًا متعدد الأبعاد: استنزاف بشري ومادي، تآكل في الروح المعنوية، ارتباك استراتيجي بين الإصرار على استكمال الحرب والعجز عن تحقيق أهدافها المعلنة، فضلًا عن تنامي الضغوط الداخلية والخارجية.
ومع أن الخطاب الرسمي الإسرائيلي يحاول إظهار السيطرة والمضي نحو تحقيق "النصر"، إلا أن الوقائع الميدانية والتقديرات العسكرية تشير إلى العكس تمامًا: استمرار الحرب لا يعمق سوى أزمات "إسرائيل" الأمنية والسياسية والاجتماعية، ويزيد من عزلتها الدولية.
في ظل هذه التحديات المتفاقمة، تبدو "إسرائيل" عالقة في دائرة مغلقة من التصعيد، دون أفق واضح للخروج، ما يجعل الحديث عن تحقيق "حسم عسكري" أو "النصر المُطلق" أقرب إلى الوهم منه إلى الواقع.