الرئيسية| مقالات وآراء| تفاصيل الخبر

عربات الخلاص الزائف: كيف تتحوّل الرموز التوراتية إلى أدوات إبادة؟

بين الإبادة والتأويل: دلالات "عربات جدعون" في استراتيجية الحرب الإسرائيلية

01:02 م،06 مايو 2025

حلمي موسى

اجتهد قادة "إسرائيل" السياسيون والعسكريون وقرروا توجيه إنذار نهائي: صفقة سريعة أو حرب "مركبات جدعون". والموعد النهائي هو انتهاء زيارة ترامب للمنطقة.

وفيما يبدو، هناك ترتيب مع ترامب، إذ أعلن الأخير أن أهل غزة طيبون، وأن "حماس" هي السيئة، وأنه سيساعد في إدخال الطعام، أو بعضه، للطيبين. ومن الناحية الظاهرية، يميز ترامب نفسه عن سموتريتش؛ فهو يريد إدخال بعض الطعام، فيما سموتريتش وبن غفير لا يريدان إدخال ولو حبّة قمح، بل يطالبان بقصف مخازن الأغذية، وكأنهم لم يفعلوا ذلك طوال الحرب.

ولكن المهم في موقف ترامب أنه "يتمايز" صراحةً عن موقف كل الحكومة "الإسرائيلية"، فهو يقول إن في غزة سيئين وطيبين، بينما لا يميز قادة "إسرائيل" بين خبيث وطيب، ويرون الجميع "حيوانات بشرية". ومن هنا انطلقت تهمة الإبادة الجماعية، وهي لم تتغير بعد. وهناك وزراء يتنافسون في كيفية تنفيذ الإبادة: بالتجويع، أم بالإنهاك بالقتل، سواء بالدبابات أو الطائرات أو رصاص الجنود مباشرة، أو حتى باستخدام القنبلة النووية. كل هذا جائز.

لكن لماذا اختاروا هذه المرة توجيه الإنذار قبل الحرب ولم يواصلوا طريقتهم المعهودة طوال أكثر من عام ونصف؟ قد يرى البعض في ذلك حنوًّا مستجدًّا، وقد يراها آخرون نوعًا من الإثارة المقصودة بانتظار الحدث الكبير.

في كل حال، شهدت مداولات التمهيد للقرار صدامات حادة بين رئيس الأركان ومن جلبوه لتنفيذ المهمة، وكان الصدام تحديدًا بينه وبين سموتريتش وبن غفير ووزرائهما. وبدت علامات الرضا واضحة على نتنياهو. والمهم أن زامير شدد في وجه المتطرفين على أن جيشه يلتزم بالقانون الدولي، وشجعته على ذلك المستشارة القضائية للحكومة. وبعد جدال وصراخ، تمت الموافقة على اعتماد خطة الجيش بتوكيل جهة دولية، بالتعاون مع أمريكا، لتوزيع المساعدات على "الطيبين" في غزة ضمن معازل ستنشأ في عدة مناطق، يُقال إنها ستة، وتحت إشراف الجيش الذي سيمنع وصولها إلى أيدي "السيئين".

وقيل إن الحرب الجديدة، التي ستختلف عن سابقاتها، لن تختلف كثيرًا من حيث الجوهر، لكنها ستكون أوسع، وتتطلب تجنيد عشرات الآلاف من جنود الاحتياط. وهي، باختصار، تضخيم للعملية الحربية الجديدة وتضمينها إدخال مساعدات لتجنب الضغوط الدولية.

وماذا نُسمّي الحرب الجديدة؟ البعض طالب بتسميتها "حرب شمشون"، صاحب شعار: "عليَّ وعلى أعدائي يا رب"، لكن نتنياهو رفض ذلك، فشمشون مات مع أعدائه، ونتنياهو يريد فقط موت أعدائه. فمن يختارون؟ لم يجدوا أفضل من "جدعون ومركباته".

وبينما انشغل كثيرون بالبحث عن الشخصية التوراتية المنسوبة إليها التسمية، انطلق آخرون في اتجاه ساخر؛ إذ أحال بعضهم التسمية إلى فكاهة، فجدعون المقصود في نظرهم هو جدعون ساعر، وزير الخارجية الذي انشق عن حزب غانتس وشكّل إنقاذًا لحكومة نتنياهو.

وكتبت إحداهن في موقع "إكس":

  • عملية "جوناثان": سُمّيت على اسم البطل الذي أنقذ أسرى عنتيبي
  • عملية "أرنون": سُمّيت على اسم البطل الذي أنقذ أربعة أشخاص مختطفين
  • "عربات جدعون": سُمّيت على اسم البطل الذي أنقذ حكومة نتنياهو.

ورأى آخرون أن للتسمية تأثيرًا نفسيًا على حالة الإحباط التي يعيشها "الإسرائيليون" جرّاء استمرار الحرب وطولها.

وفي نظر خبراء نفسيين، فإن عملية "عربات جدعون" في غزة تحمل اسمًا توراتيًا، لكن وراءها أيضًا قصة نفسية عميقة حول التكيّف والبطولة النفسية والمرونة في مواجهة الفوضى.

وكتب أحدهم عن العلاقة بين الأمن العقلي والأمن القومي:

"في الأيام التي يصل فيها الواقع الخارجي إلى أقصى حدوده، يشعر الكثير منا بأن حدودنا الداخلية قد تم اختراقها أيضًا. القلق الوجودي، والقلق على سلامة الأحباء، والشعور بفقدان السيطرة — كل هذا ليس غريبًا على المواطن "الإسرائيلي"، وبالتأكيد ليس غريبًا على المعالج أو المريض.

يتمكن المرضى من مواصلة حياتهم اليومية بأقصى ما أوتوا من قوة. يوفر المعالجون مساحة لهم — في بعض الأحيان في خضم العاصفة نفسها. إن العملية الجديدة ليست مجرد عنوان إخباري، بل تذكير بأن الكلمات — حتى وإن كانت عسكرية — تنتمي إلى عالم العواطف. وربما يكون الأهم من كل ذلك هو دعوة إلى التذكّر: سواء في ساحة المعركة أو في العيادة — هناك مكان لمفهوم مثل "التعاطف".

العربات النفسية — وما يلزم لتحريكها

إن "العربة" — سواء كانت معدنية أو مجازية — تمثل الحركة. المضي قدمًا من مكان الاستعداد العقلي. في العلاج، هذه ليست حركة عدوانية، بل بطيئة ومتوازنة وتراعي المخاوف. لكن هناك أيضًا لحظات اتخاذ القرار: هل يجب علينا البقاء في الوضع الراهن، أو أن نجرؤ على التحرك — حتى عندما يكون المستقبل غير معروف؟

بهذا المعنى، ترمز "عربات جدعون" إلى الجرأة العاطفية. ولكن ليس من النوع العسكري، بل النوع الداخلي، الذي يتحرك في مواجهة الألم العميق، وعدم اليقين، ولكن أيضًا الأمل. وبعبارة أخرى: العلاج النفسي، في بعض النواحي، هو نوع من العمليات المعقدة التي تهدف إلى تحقيق التحرير — ليس تحرير الأسرى، بل تحرير أجزاء من الروح التي ظلت أسيرة الصدمة لوقت طويل جدًا.

وماذا يجب علينا أن نفعل؟

عندما نواجه مريضًا يسعى إلى "التغلب" على قلقه أو اكتئابه، قد يكون من المفيد التوقف وطرح السؤال: ما المطلوب حقًا هنا؟ هل هذه عملية عسكرية، أم عملية دقيقة للنضوج الداخلي؟ هل من الصحيح استعمال لغة "الحرب" لوصف المشاعر؟ أم من الأفضل أن نتحدث عن رحلة، عن اتصال، عن فهم الذات؟

وفي الوقت نفسه، يجدر الاعتراف بالألم. لا يتعلق الأمر فقط بالشخص الذي يتم علاجه، بل أيضًا بالجماعة: من الخسارة، من الحزن، من الضعف المتراكم. إن قرار استخدام مصطلح مثل "مركبات جدعون" يمكن أن يمسّ شيئًا عميقًا: الرغبة في اتخاذ قرار واضح، ونهاية سعيدة، والتحرر.

لكن الواقع، مثل العلاج، ليس خطيًا دائمًا. حتى بعد اتخاذ القرار، هناك شظايا. حتى بعد الإفراج، هناك فترة تعافٍ طويلة.

وربما يكون هذا هو جوهر الروح العلاجية النفسية: عدم التسرّع في اتخاذ القرار، بل الاستماع. لا تتعجل في الكسر، بل ابْنِ."

وطبعًا، الغالب قرأ التقارير عن "جدعون" الذي حارب بطريقة كان يقلّص فيها عديد جنده في كل مرة ليهزم عدوه.

وفيما يلي بعض ما كتبه موقع "دافار" عن الحرب الجديدة:

إنذار لـ"حماس" قبل عملية "عربات جدعون": صفقة تبادل — أم مناورة في قطاع غزة؟

وبحسب تصريح لمسؤول أمني كبير، فإن "إسرائيل" تستعد لمناورة واسعة النطاق في جميع أنحاء القطاع، تتضمن الاستيلاء على أراضٍ والاحتفاظ بها لفترة طويلة، في حال لم توافق "حماس" على صفقة بعد زيارة ترامب منتصف الشهر الجاري. كما ينص على أن برنامج "الهجرة الطوعية" لسكان غزة سيكون جزءًا من أهداف العملية.

وأكد مصدر أمني رفيع ظهر الاثنين أن اسم العملية الجديدة التي أقرها مجلس الوزراء هو "عربات جدعون"، وأن المناورة في غزة لن تبدأ إلا بعد انتهاء زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمنطقة، والمقررة بين 13 و16 مايو وتشمل السعودية وقطر والإمارات.

"وعلى عكس الماضي، فإن الجيش "الإسرائيلي" سيبقى في أي منطقة يتم احتلالها، لمنع عودة (الإرهاب)، وسيتعامل مع أي منطقة يتم تطهيرها وفقًا لنموذج رفح، حيث تم القضاء على جميع التهديدات وأصبحت جزءًا من المنطقة الأمنية".

وستدخل "إسرائيل" مساعدات إنسانية إلى القطاع "بعد بدء العمليات وإجلاء السكان على نطاق واسع إلى الجنوب"، إذ سيتم تنفيذ خطة إنسانية، كما عرضها الجيش "الإسرائيلي" ووافق عليها مجلس الوزراء، والتي تميز بين المساعدات و"حماس" من خلال تشغيل شركات مدنية وتحديد منطقة مؤمنة بإشراف الجيش، تشمل "منطقة معقمة" في رفح بعد محور موراج، حيث سيتم "تصفية الداخلين" لمنع وجود عناصر من "حماس".

وفي إشارة إلى موعد توسيع العملية واحتمال إبرام صفقة أسرى، قال المصدر: "إن نشر القوات قبل بدء المناورة سيتيح فرصة سانحة — حتى انتهاء زيارة الرئيس الأميركي — لإبرام صفقة أسرى وفق "نموذج ويتكوف". وفي هذه الحالة، ستسعى "إسرائيل" للاحتفاظ بالأراضي التي تم إخلاؤها، وضمّها إلى المنطقة الأمنية خلف خطوط التماس. وفي أي ترتيب مؤقت أو دائم، لن تُخلي "إسرائيل" هذه المنطقة، التي تهدف إلى حماية التجمعات السكانية ومنع تهريب الأسلحة إلى "حماس"."

وزعم المصدر أن الخطة التي وضعها رئيس الأركان وقيادة الجيش "الإسرائيلي"، والتي وافق عليها وزير الحرب ورئيس الوزراء نتنياهو، تنص على "زيادة القوات" والعمل بقوة لهزيمة "حماس" وتدمير قدراتها العسكرية والحكومية، "مع خلق ضغوط قوية لإطلاق سراح جميع الأسرى".

كما سيتم منح "غلاف وقائي قوي" للقوات المناورة من البر والجو والبحر، واستخدام الأسلحة الثقيلة لتحييد العبوات الناسفة وتدمير الهياكل المهددة.

وأوضح المصدر أنه "إذا لم يتم التوصل إلى صفقة أسرى، فإن عملية "عربات جدعون" ستبدأ بقوة كبيرة ولن تتوقف حتى تحقيق جميع أهدافها". وأضاف: "خطة النقل الطوعي لسكان غزة، وخاصة من يتمركزون في الجنوب خارج سيطرة "حماس"، ستكون من ضمن أهداف العملية".

تعقيب "عروبة":

في ضوء ما سبق، يمكن قراءة "عربات جدعون" لا كمجرد تسمية لعملية عسكرية جديدة، بل كعنوان مركّب يعكس تحولات عميقة في المقاربة "الإسرائيلية" للحرب على قطاع غزة. فهي عملية تُزاوج بين السعي لتحقيق إنجاز عسكري ميداني، وضبط الإيقاع السياسي وفقًا لأجندة داخلية وخارجية، خاصةً مع اقتراب زيارة ترامب. ويبقى جوهرها متصلًا بخيارات الإبادة الجماعية والتطهير الممنهج للسكان، سواء عبر السلاح أو عبر التهجير والتجويع.

وفي ذات الوقت، تكشف المداولات حول التسمية، والتأويلات النفسية والإعلامية المرافقة لها، عن محاولة لصياغة سردية قادرة على امتصاص الإحباط الشعبي، وتبرير إطالة أمد الحرب، وتقديم وهم السيطرة والإنجاز، رغم الإخفاقات المتكررة.

إن استخدام الرموز التوراتية والتجسير بينها وبين الواقع السياسي، يؤشر إلى نزعة متصاعدة لدى القيادة "الإسرائيلية" لتسويغ الحرب باعتبارها "حتمية تاريخية" و"خلاصًا مقدسًا"، وهو ما يعمّق من خطورة المرحلة المقبلة، ويفرض على المراقبين والمجتمع الدولي مقاربة أكثر وضوحًا في تسمية ما يجري في غزة باسمه الحقيقي: حرب إبادة تُدار بأدوات مركّبة، عسكرية ونفسية وسياسية، وبشراكة دولية متواطئة.