تتبعت مركز دراسات اسرائيلي (الذي يصنف بأنه في المرتبة الاولى بين مراكز الابحاث الاسرائيلية والشرق اوسطية) وهو معهد الامن القومي، وتتبعت البلاغات الرسمية الاسرائيلية العسكرية، ثم تتبعت تقارير 3 صحف اسرائيلية (Jerusalem Post + Times of Israel+ Haaretz)، وكان موضوع التتبع هو الخسائر البشرية الاسرائيلية خلال حرب غزة في مرحلتيها: الاولى مرحلة الطوفان 7 اكتوبر الى 26 اكتوبر 2023، والمرحلة الثانية من 27 أكتوبر 2023 (بداية الغزو الاسرائيلي لقطاع غزة) الى يوم 11-سيبتمبر 2024(اي حتى قبل 4 ايام).
النتائج:
أولا: تصل نسبة التضارب بين ارقام الخسائر البشرية (العسكرية والمدنية) في المصادر الاسرائيلية " مجتمعة" ما بين 27% (اقل تضارب بين رقمين من مصدرين في تاريخ واحد ) و 34% (اعلى نسبة تضارب )، أي ان المعدل العام للتضارب يقع في حدود 30-31%.
ثانيا: إذا اعتمدنا بيانات الناطق العسكري الاسرائيلي كقاعدة للقياس، فان التضارب بين ارقامه وبين ارقام التقارير الصحفية المعتمدة على مصادرها من رجال الدولة او المستشفيات او غير ذلك هو الأعلى ويصل احيانا الى 40% على اساس المصادر مجتمعة لا المقارنة الثنائية فقط.
ثالثا: نماذج من التضارب بين الجهات الثلاث التي اشرت لها:
1- في تاريخ 9 مايو 2024 كان مجموع القتلى العسكريين هو 716 عسكريا موزعين على النحو التالي:
- 603 عسكريون
- 39 حرس حدود او حراس مؤسسات
- 68 رجال امن
- 6 مخابرات الشين بيت.
2- ولكن عدد القتلى العسكريين المعلن عنهم في 11 سبتمبر 2024 هو 709 عسكريين، وهذا يعني ان عدد القتلى تراجع خلال 4 شهور ويومين 7 قتلى + عدم حساب عدد القتلى في هذه الفترة الفاصلة، وهو امر يخلو من المنطق تماما.
3- مجموع القتلى منذ الطوفان الى 11 سبتمبر هو 1670 قتيلا عسكريا ومدنيا، فإذا حسبنا عدد العسكريين وهو 709 (طبقا لمعهد الامن القومي) فهذا يعني ان عدد المدنيين القتلى هو 1670 – 709=961 مدنيا قتيلا، لكن تقارير الصحف عن مصادرها تقول ان مجموع المدنيين القتلى هو 882 منهم 531 رجلا و 291 امرأة، وهذا يعني ان الفارق 79 فردا خلال الشهور القليلة الفاصلة بين شهري مايو وسبتمبر من عام 2024 فقط.
4- عند تصنيف القتلى العسكريين اوردت الارقام أن عدد العسكريين القتلى خلال الطوفان هو 367 عسكريا + 342 عسكريا خلال الهجوم البري حتى 11 سبتمبر فيصبح المجموع 709، لكن ما افصح عنه الناطق العسكري هو ٦٨٨ فقط، وهو ما يعني أنه صمت عن الاشارة الى 21 قتيلا آخر (هذا افترضنا ان رقم المعهد والصحف صحيحا).
5- إذا ذهبنا للجرحى سنجد التوزيع التالي:
أ- خلال الطوفان (من 7- 26 اكتوبر) 2023: توزع الجرحى على النحو التالي:
-جراح بليغة 666
-جراح متوسطة 1120
- جراح خفيفة 2645
ب- خلال الغزو البري: من 27 اكتوبر الى 11 سبتمبر:
- جراح بليغة 434
- جراح متوسطة 697
- جراح خفيفة 1149
ذلك يعني ان مجموع الجرحى في المرحلتين هو :110 جراح بليغة + 1817 جراح متوسطة + 3803 جراح خفيفة) = 6720 جريحا، بينما يشير معهد الامن القومي الى 17881 جريحا، أي بفارق بين الرقمين بحوالي 11 الف و 161 جريحا .
6- لو اعتمدنا ارقام المعهد المذكور فهو يتحدث عن أن مجموع القتلى الكلي هو 1650 قتيلا و 17693 جريحا حتى 27/8/ 2024، بعد ذلك بحوالي بأسبوعين تقريبا يصبح عدد القتلى 1670(بزيادة 20 قتيلا خلال الاسبوعين) وعدد الجرحى 17881 اي بزيادة 188 جريحا، بينما لم تتحدث تقارير الناطق العسكري إلا عن 9 قتلى و 49 جريحا.
7- رغم ان اسرائيل تحاول ان تضفي صفة المدنيين على أسراها لدى المقاومة، ورغم التضارب في ارقام الاسرى وعدد الاحياء والاموات منهم، إلا ن تقارير المعهد والاعلام الاسرائيلي يشير الى ان من تبقى من الرهائن بين القتلى والأحياء حتى (11 سبتمبر) هو 101 منهم 66 أحياء و 35 جثة ، لكن عند التدقيق في البيانات الرسمية الاسرائيلية يجري احصاء ضباط الامن مع المدنيين، ومحاولة تقليص عدد العسكريين بهذه الحيلة.
التحليل:
1- من الواضح ان بيانات الناطق العسكري الاسرائيلي تتجاهل بشكل واضح نتائج ضربات حزب الله، واعتمادا على الارقام الاسرائيلية، فان حزب الله أطلق حتى 11 سبتمبر 2024 ما مجموعه (7560) صاروخا، قتلت 50 فردا إسرائيليا (مدنيين وعسكريين)، وهو ما يعني ان كل 151 صاروخا من حزب الله يقتل شخصا واحدا، بينما القصف الاسرائيلي أدى لاستشهاد 437 عنصرا من حزب الله، والغريب ان الناطق العسكري الاسرائيلي لم يتحدث إلا عن 21 قتيلا دون تصنيف لهم (عسكريون او مدنيون).
فإذا اعتمدنا ما تم تناقله مؤخرا عن عملية يوم الاربعين لحزب الله على مقر الوحدة 8200 الاستخبارية، فان اخفاء الخسائر في هذه القاعدة واستقالة رئيسها دون ظهوره –حتى الآن- وامتناع اسرائيل عن السماح لأي وفد صحفي من الوصول للقاعدة ، يعزز هواجسنا .
2- يبدو ان الاحصاء الاسرائيلي لا يشمل المرتزقة من القتلى، وهو ما قد يفسر جانبا من هذا التضارب في الأرقام
3- ثمة شعور في اسرائيل أن الحرب أدت الى توقف نسبي للطيران المدني والاستثمارات والسياحة وتعطل الاقتصاد وتراجع مستويات الهجرة الوافدة وتزايد الهجرة المغادرة وتراجع قيمة العملة المحلية ...الخ، وهو ما يفسر عزوفها عن كشف حجم خسائرها البشرية والمادية، لكي لا يزيد النزيف البشري والمادي من خسائرها.
4- تعتبر اسرائيل من أكثر الدول حساسية تجاه خسائر الحرب البشرية نظرا لانعكاساتها على الروح المعنوية لمجتمعها، ويبدو أن صناعة " المتاهة" في ارقام خسائرها هو من باب تخفيف وطأة الإرقام.