الرئيسية| مقالات وآراء| تفاصيل الخبر

ماذا في جعبة "نتنياهو"؟

01:39 م،23 نوفمبر 2025

وليد عبد الحي

رغم التكلفة البشرية والمادية والمعنوية التي تحملتها إسرائيل بعد طوفان الأقصى، وهي تكلفة فاقت كل توقعات الدوائر الإسرائيلية السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والأكاديمية، فإن الخطوة القادمة في تقديري هي نقطة التحول الكبرى في مستقبل القضية الفلسطينية التي ستحدد لإسرائيل "استمرار التكلفة أو لجمها".

بعد النجاح الإسرائيلي في "خنق المقاومة وحلفائها، والتوسع المضطرد في التطبيع العربي، بل والتنسيق الأمني الإسرائيلي العربي من تنسيق صامت إلى تنسيق شبه معلن، والسيطرة على كل الأرض الفلسطينية سيطرة عسكرية أمنية غير مسبوقة"، تبرز ملامح الواقع الذي سيحدد أسس المستقبل القادم على النحو التالي:

أولًا: هناك الآن 7.6 مليون فلسطيني في فلسطين التاريخية، وهو ما يفوق عدد اليهود فيها، فهل يعقل أن تكون هناك دولة يهودية أكثر من نصفها "غير يهود"، بل أغلبهم أعداء للدولة اليهودية؟ وهذه تشكل المعضلة الاستراتيجية الكبرى لإسرائيل والتي تؤرق نتنياهو وفريقه، فكل الحلول للموضوع الفلسطيني مع وجود هذا العدد السكاني من الفلسطينيين هو أمر مرفوض بالنسبة لمستقبل إسرائيل من وجهة نظر نتنياهو.

ثانيًا: أصبح الواقع العربي بعد تحطيمه رخوًا إلى الحد الذي يسمح لإسرائيل بالتفكير في كل ما كان يبدو مستحيلًا، وهذه الرخاوة هي التي ستمنح نتنياهو القيام بما يلي:

أ‌- الرفض الإسرائيلي الواضح والقاطع لإقامة دولة فلسطينية في أراضي 1967، لأن إقامتها "حتى بالوهم العربي وسلطة التنسيق الأمني الفلسطينية" يعني حربًا أهلية بين اليهود، بخاصة مع حوالي ثلاثة أرباع المليون من مستوطني الضفة الغربية، ناهيك عن أن كل عوامل الضغط العربية لفرض الحل على إسرائيل لم تعد قائمة - في الزمن الحالي - بل إن ما تبقى من هذه العوامل يجري المزيد من تحطيمه.

ب‌- حماية إسرائيل من خلال تحويل جنوب سوريا وجنوب لبنان وغزة ونهر الأردن "مناطق عازلة" تشكل سورًا أمنيًا حول إسرائيل من كل الجهات.

 

لذلك يبدو أن الواقع يضع أمام نتنياهو ثلاثة بدائل:

1- إقامة دولة فلسطينية في غزة فقط، والعمل على جعلها "ريفيرا"، ومحاولة إيجاد صيغة ما لتوسيعها قليلًا من خلال امتدادات "مشاريع مشتركة" مصرية فلسطينية في حواف صحراء سيناء المحاذية لغزة.

2- تهجير سكان الضفة الغربية وتوزيعهم على الدول العربية المجاورة والخليج وبعض الدول الغربية والإفريقية، مع تكثيف الاستيطان الإسرائيلي على الحدود الغربية لنهر الأردن.

3- تكديس أكبر قدر ممكن من سكان الضفة الغربية في "بانتوستانات" يتم إلحاقها بالأردن بكيفية أو أخرى.

ثالثًا: توسيع دائرة اجتثاث القوى المعادية للصهيونية في المنطقة من حركات دينية وقومية ويسارية بل وليبرالية نزيهة، وسيمتد ذلك إلى مناهج التعليم وكل جوانب الثقافة الدينية والسينما والآداب... إلخ. وعندما نشرت دراستي مع مركز دراسات الوحدة العربية حول مستقبل الظاهرة الدينية في العلاقات الدولية (عام 2005)، ثم نشرت دراسة أخرى مع جامعة القدس المفتوحة (عام 2015) تحت عنوان "مستقبل الإسلام السياسي في المنطقة العربية بين الاتجاه الفرعي والاتجاه الأعظم"، قلت بأن الحركات الدينية العربية ستكون في أضعف لحظاتها بين عامي 2020-2022.

رابعًا: توسيع التغلغل الاقتصادي والتكنولوجي الصهيوني في دواليب الاقتصاد العربي وتوجيهه لصالح قوى تكريس هذا الواقع على المستوى الإقليمي العربي الشرق أوسطي وعلى المستوى الدولي.

خامسًا: العمل الإسرائيلي "الغربي" على محاولة إحياء أوسع للثقافات الفرعية داخل البناء المجتمعي العربي، وقد تبين لي من دراسة نشرتها عام 2013 في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أن عدد الثقافات الفرعية في العالم العربي هو 70، وهو ما يعني تنوعًا يصل إلى 3.68 ثقافة فرعية للدولة العربية الواحدة، وهو ما تراه إسرائيل رصيدًا لها، بل إن الأدبيات الإسرائيلية أطلقت على هذه الثقافات "حلف الضواحي" معها.

لكن عدم الاستقرار السياسي الحاد – وهو الأعلى عالميًا – في المنطقة العربية يعني أن "البجعة السوداء" ترقد على بيض كثير... لكن متى تفقس وماذا ستفقس؟ هذا ما يحتاج لتفكير عميق بارد جدًّا...