على الرغم من دخول اتفاق وقف إطلاق النار أسبوعه الثامن، فإن المعطيات الميدانية التي جمعها برنامج الرصد والتوثيق في مركز عروبة للأبحاث والتفكير الاستراتيجي تُظهر بوضوح أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل إدارة العمليات العسكرية بوتيرة يومية، تتراوح بين القصف المركز، والنسف، والتوغّل، والاستهداف المباشر للمدنيين، وملاحقة الصيادين.
وخلال الفترة الممتدة من 29 نوفمبر حتى 5 ديسمبر 2025، وثّق مركز "عروبة" 303 انتهاكات، خلّفت 16 شهيدًا و68 جريحًا، معظمهم من سكان المناطق الشرقية المكتظة بمحافظة غزة وخان يونس.
أولًا: المشهد الميداني
تكشف جداول الرصد اليومية أن الأيام السبعة شهدت تفاوتًا في شدة الاعتداءات، لكنها حافظت على نمط ثابت يقوم على:
- قصف مدفعي متواصل على فترات متقاربة.
- استهداف مباشر بنيران القناصة والمسيّرات.
- عمليات نسف منظمة لمبانٍ داخل أحياء مأهولة.
- تحركات آليات داخل أو بمحاذاة "الخط الأصفر".
اليوم الأول والثاني
تركزت الاعتداءات على محيط حي التفاح وشارع المنصورة، حيث سجّل برنامج الرصد عدة عمليات قصف متقطع أدى إلى اشتعال حرائق في محيط منازل المدنيين، فيما وثّقت إصابات نتيجة إطلاق نار مباشر من مواقع الاحتلال شرقي الحي.
منتصف الأسبوع
تصاعدت وتيرة القصف في خان يونس الشرقية، خاصة في مناطق بني سهيلا وعبسان الجديدة، وتكرر استخدام الطائرات المسيّرة "كواد كابتر" لإطلاق النار نحو الشوارع الداخلية ونقاط تمركز النازحين، وهو ما انعكس في ارتفاع عدد الإصابات.
كما رُصدت عمليات نسف لمنازل بشكل متتالٍ، ما أدى إلى تدمير عدة مبانٍ سكنية بالكامل وظهور فراغات سكانية جديدة نتيجة الإخلاء القسري.
نهاية الأسبوع
شهدت المواصي غرب خان يونس واحدة من أكثر الهجمات قسوة، عندما استهدفت طائرة حربية خيام النازحين، ما أدى إلى استشهاد خمسـة مدنيين، بينهم طفلان، وإصابة عدد كبير من الأهالي وسط حالة من الفوضى والذعر.
كما تكرر إطلاق النار على شاطئ غزة، وانتهت عدة مطاردات بحرية باعتقال أربعة صيادين واحتجاز قواربهم.
ثانيًا: المؤشرات الرقمية ودلالاتها الميدانية
- 303 انتهاكات
توزعت بين:
- 58 عملية قصف مدفعي.
- 84 عملية إطلاق نار.
- 44 عملية استهداف مباشر لنقاط تجمع أو منازل.
- 25 عملية نسف وتفجير لمنازل.
- 4 عمليات توغّل شرق غزة وخان يونس.
- 4 اعتقالات لصيادين.
وتشير هذه الأرقام إلى أن الاحتلال لم يكتفِ باستمرار العمليات، بل حافظ على معدل يومي يقارب 43 انتهاكًا في اليوم الواحد.
- 16 شهيدًا – 68 جريحًا
أغلبهم مدنيون، موزعون على: المناطق الشرقية لمدينة غزة، المواصي غرب خان يونس، محيط بيت لاهيا ومخيم جباليا، الساحل الشمالي لرفح. وتتكرر الإشارة في تقارير الإسعاف الميداني إلى أن جزءًا من الإصابات ناتج عن قصف يطال أطراف الشوارع ومحيط المنازل، وليس فقط نقاط المواجهة.
ثالثًا: توصيف نوعي للانتهاكات
1. القصف المدفعي
تركز في الشريط الشرقي للقطاع، خاصة قرب مفترق السنافور الذي أصبح محورًا لعمليات الاستهداف من عدة اتجاهات.
القذائف سقطت على: تجمعات لخيام النازحين، أسطح منازل، محيط الأماكن السكنية، أراضٍ زراعية، وتسببت في حرائق محلية وتدمير واسع لما تبقى من بنية في هذه المناطق.
2.إطلاق النار والمسيّرات
رُصد عشرات الحالات لإطلاق النار من مسافات قريبة بواسطة المسيّرات الصغيرة (كواد كابتر)، وأخرى من أبراج عسكرية شرق غزة، وتسبب هذا النمط العدواني بإصابات مباشرة لأطفال وشبان أثناء محاولتهم الوصول لأماكن سكنهم.
3. عمليات النسف
تنوّعت بين: تفجير منازل عبر تفخيخها بمتفجرات تُزرع داخلها. إضافة لاستخدام مدرعات مفخخة لنسف مبانٍ في الشجاعية وبيت لاهيا، وقد أدت التفجيرات إلى استمرار مسح أحياء كاملة وتشكل ركام واسع في المناطق المستهدفة.
4. استهداف خيام النازحين
يمثل هذا النمط أحد أخطر الانتهاكات، إذ يأتي وسط مناطق يُفترض أنها آمنة بعد الانسحاب الإسرائيلي، لكنه يعكس تعمد الاحتلال توسيع دائرة العمليات العدوانية لتصل إلى مناطق الإيواء للنازحين.
رابعًا: الأثر الإنساني – نزوح متجدد وبيئة تهديد مستمرة
تعكس الشهادات الميدانية من السكان في جنوب وشمال القطاع حالة من:
- نزوح جديد داخل الأحياء الشرقية بسبب القصف المكثف.
- انعدام الشعور بالأمان حتى في مناطق الإيواء.
- ازدحام المراكز الطبية بإصابات شظايا وحروق.
- تعطل حركة سيارات الإسعاف والدفاع المدني بسبب النيران المباشرة والقصف.
- تضرر الممتلكات والخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء.
- كما تسبب الاستهداف في المواصي بعودة حالة الخوف لدى العائلات التي لجأت سابقًا إلى هذه المنطقة باعتبارها "منطقة آمنة نسبيًا".
خامسًا: القراءة التحليلية للاتجاه العام
يمارس الاحتلال خلال الأسبوع الثامن استراتيجية ثابتة ترتكز على:
- إبقاء المناطق الشرقية غير صالحة للسكن عبر القصف والنسف.
- منع الاستقرار الإنساني في مناطق النزوح.
- تقويض أي مسار للتعافي عبر خلق حالة طوارئ يومية.
- توسيع مساحات السيطرة الميدانية في بعض النقاط تكتيكيًا (السيطرة بالنيران)، دون الإعلان عن تغييرات رسمية.
ويعيد هذا النمط إنتاج ما كان يحدث في الأسابيع الأولى للحرب، لكن بصيغة أقل صخبًا وأكثر انتظامًا، في إطار تهدئة شكلية تُستخدم كغطاء للتمدد الميداني وإدامة الضغط على السكان.
خاتمة
يُظهر تقرير الأسبوع الثامن أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل نهجًا عسكريًا مستمرًا رغم وجود وقف لإطلاق النار، وأن الانتهاكات المرصودة، سواء عبر القصف أو الاستهداف أو النسف أو التوغّل، وتُبقي الانتهاكات القطاعَ رازحًا تحت عدوانٍ يوميٍّ مفتوح، يمنع أي إمكانية لالتقاط الأنفاس أو استعادة مظاهر الحياة الطبيعية.
مرفق التقرير التفصيلي للانتهاكات