بعد إعلان وسائل الإعلام العبرية حول أن "بنيامين نتنياهو" تخطَّى الحكومة والمجلس الوزاري السياسي والأمني المصغَّر "الكابينيت" وقرَّر المصادقة على بند الحرب دون إجراء مشاورات وفقًا للمادة (40) من القانون "الإسرائيلي"، أعلَن مكتب رئيس وزراء دولة الاحتلال أنَّ "الكابينيت" صوَّتَ لصالح وضع البلاد في حالة حرب رسميًّا، وتنفيذ "أنشطة عسكرية كبيرة"، مع الأخذ في الحسبان أنه وفق القانون "تعود صلاحية تفعيل البند إلى الحكومة، وفي حالات استثنائية يمكن لرئيس الوزراء تمرير القرار في مجلس الوزراء".
هذه المرَّة الأُولى منذ خمسين عامًا، أي منذ حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، التي تعلِن فيها دولةُ الاحتلالِ "حالةَ الحرب"، وعلى الرغم من أن جيش الاحتلال نفَّذَ عشرات الحملات العسكرية في لبنان وقطاع غزة والضفة الغربية طوال هذه المدة، فإنه لم يعدَّ أيًّا منها حربًا.
حالة الحرب
يقضي إعلانُ الدخولِ في حالةِ حربٍ الدخولَ في حالة الطوارئ، ووضعَ مقدرات دولة الاحتلال اللوجستية وبناها التحتية تحت تصرُّف الجيش، من أجل تحقيق أهدافه، وتجنيد قوات كبيرة من قوات الاحتياط أو التعبئة الشاملة.
الأهداف من إعلان الحرب:
- تحصين الجيش وقوى الأمن من أية ملاحقة قضائية على خلفية استخدام القوة المميتة، خصوصًا في التعامل مع أية احتجاجات مفترَضة في الداخل المحتل.
- توسيع هوامش تطبيق إجراءات الجبهة الداخلية، والإغلاقات، وتعليق العملية التعليمية،
وتوسيع إجراءات الطوارئ، والتعامل مع الآثار الاقتصادية. - إرسال رسائل ساخنة حول جدية "إسرائيل" في التعامل مع أي توسيع للجبهات المشارِكة في المواجَهة الحالية.
- إيجاد دافع لزيادة الدعم المقدَّم من الولايات المتحدة، الملتزمة بتمكين "إسرائيل" من الدفاع عن ذاتها، وفتح مخازن جيشها داخل "إسرائيل" لاستخدامها من جيش الاحتلال، فضلًا عن تقديم مساعدات عسكرية عاجلة لمنح هذا الجيش القدرةَ على مواصَلة الجهد الحربي، وخاصةً القذائف الخاصة بمنظومات الدفاع الجوي المستخدَمة في اعتراض الصواريخ.
- توحيد الصف "الإسرائيلي" بعد تفاقم الانقسام على إثر الاحتجاجات الجماهيرية ضد خطة "التعديلات القضائية".
- تسهيل إمكانية تشكُّل حكومة وحدة وطنية تُخرِج "نتنياهو" من أزمة الارتهان لـ"إيتمار بن غفير" و"بتسلئيل سموترتيش".
- تحشيد الالتفاف الداخلي وامتصاص نقمة الجمهور بسبب الفشل الذريع الذي منيت به الحكومة نتيجة نجاح هجوم المقاومة.
دلالات توجُّه الاحتلال إلى إعلان الحرب:
- يعاني الاحتلال من وضعٍ لم يَسبق له مثيل، خصوصًا أن ما يجري ليس حربًا نظامية، دولة ضد دولة، على غرار حرب أكتوبر عام 1973، وبالتالي فإن وتيرة وحجم العمليات التي نفَّذتها المقاومة من قطاع غزة وَضعَت الاحتلالَ في مرحلة تُوازِي فيها خسائرُه بضربات المقاومة من قطاع غزة المحاصَر فاعليةَ وخسائرَ حروبٍ نظاميةٍ كبرى.
- يبحث "نتنياهو" عن خيارات ترميم الصورة وماء الوجه، وبالتالي يريد هامشًا واسعًا في الحركة العملياتية دون قيود، وإرسال رسائل جدية إلى المقاومة الفلسطينية والإقليم، أن دولة الاحتلال لن تتعامل مع ما حَدثَ بشكل عابر.
- تهيئة الرأي العام للتعامل مع الأعداد الكبيرة غير المسبوقة للقتلى والأسرى على يد المقاومة.
- أحد أهم الضربات التي تلقَّاها الاحتلال ضربةٌ نوعيةٌ وجَّهَتها المقاومة إلى فرقة غزة، حيَّدَت الفرقةَ عن العمل وسَيطَرَت على مجموعة من مقدَّراتها اللوجستية والمعلوماتية، وأسرت جزءًا من أهم قادتها، وهذه الفرقة المسؤولة عن إدارة العمليات في قطاع غزة، وهذا الحدث ليس حدثًا عاديًّا أو معتادًا في معارك جيش الاحتلال، ويتطلب إجراءاتٍ خاصةً لتدارُك الضرر.
- استعداد الاحتلال لعمليات عسكرية تستغرق وقتًا طويلًا وقد تستلزم تحرُّكاتٍ برِّية.
- طمأنة "نتنياهو" للقطاعات الاقتصادية والخدماتية بالحصول على التعويضات اللازمة، على أساس أن هذا الإعلان يسمح لجميع تلك القطاعات بالمطالَبة بتعويضات من الحكومة على ما لحق بها من خسائر بفعل تواصُل هذه "الحرب".
خلاصة
تشمل الأهدافُ التي حدَّدَها "نتنياهو" للعمل عليها ردًّا على هجمات المقاومة تأمينَ غلاف غزة من المقاومين الذي نجحوا في الوصول إلى عمق جغرافي واسع داخل المستوطنات، والردَّ على الهجوم وتدفيعَ المقاومة وقطاع غزة ثمنًا باهظًا، وتفكيكَ البنى التنظيمية والعسكرية للمقاومة، فضلًا عن محاولةِ استعادة الجنود والمستوطنِين الذين أُسِروا، وكلها أهداف تحتاج لعمليات عسكرية مطوَّلة وبصلاحيات واسعة لتحقيق نتائج حقيقية، خصوصًا مع استعداد المقاومة للتعامل مع العدوان الصهيوني الموعود.
سيُشكِّل إعلانُ الحربِ غطاءً للمزيد من الإجرام الصهيوني، دون الذهاب إلى انقلاب عملياتي جذري، إذ إن خيارات الاحتلال المحدودة في التعامل مع القطاع ستبقَى تُكبِّل يديه وتحصره في خيارات الكثافة النارية والبحث عن أهداف ذات صيغة دعائية، فيما يمثِّل الدعمُ الأمريكيُّ المطلَقُ فرصةً للمزيد من التحرُّك بِحرِّيَّة "إسرائيليًّا" وتخفيف حجم الضغط عن "نتنياهو" المصدوم أمام المشهد غير المسبوق.
يبحث الاحتلال عن الاستفراد بقطاع غزة، وتفتيت الجبهات التي من الوارد أن تتوحَّد، وضمن هذا الإطار جاء طَلبُ المساعَدة من الولايات المتحدة وفرنسا لتحييد "حزب الله" في لبنان، وإيران، وبقية مكونات محور المقاومة، عن المشاركة في المواجهة وتخفيف الضغط عن قطاع غزة، ويتمثل جزءٌ من الرسائل الساخنة للمحور بإعلان الحرب وإظهار جدية الاحتلال في التعامل مع التهديدات.
سيشكِّل حرمانُ الاحتلالِ من ورقة الاستفراد بقطاع غزة، وفتحُ الجبهات، المعطى الأساسيَّ في التخفيفِ عن قطاع غزة، ومنعِ "نتنياهو" من البحث عن انتصار على حساب الدماء الفلسطينية ورفع فاتورة الدماء والدمار وإعادة قطاع غزة إلى "خمسين عامًا للوراء"، وفق تعبير وزير الحرب الصهيوني.
برنامج الإنتاج المعرفي
مركز عروبة للأبحاث والتفكير الاستراتيجي
8-10-2023