الرئيسية| أوراق تحليلية| تفاصيل الخبر

كيف يتحول القانون الإسرائيلي إلى أداة إبادة؟

ورقة تحليلة قانون إعدام الأسرى: تشريع الجريمة وتحويل القتل إلى أداة قانونية للاحتلال

01:39 م،03 نوفمبر 2025

برنامج الانتاج المعرفي

في خطوة حلت بعد موجة واسعة من الجدل السياسي والقانوني، صادقت الهيئة العامة للكنيست الإسرائيلي، بالقراءة الأولى على مشروع قانون يتيح فرض عقوبة الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين الذين يُدانون بتنفيذ عمليات ضد إسرائيليين بدوافع تصفها إسرائيل بأنها "قومية أو عنصرية".

جاء هذا التصويت بعد مصادقة لجنة الأمن القومي البرلمانية على المشروع في جلستها الصباحية برئاسة عضو الكنيست تسفيكا فوغل، وتأكيد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير أن "العقوبة يجب أن تكون إلزامية دون أي مجال للتقدير"، في حين أشار منسّق شؤون الأسرى والمفقودين في مكتب نتنياهو، غال هيرش، إلى ضرورة إبقاء استثناءات تسمح بتخفيف الحكم في ظروف خاصة.

ويمثل هذا التطور أحدث حلقة في سلسلة من المحاولات التشريعية الإسرائيلية الهادفة إلى التشريع القانون للإعدام ضد الفلسطينيين، وهي مساعٍ تجد جذورها في عقيدة اليمين القومي الديني الصاعد داخل مؤسسات الحكم، وفي تراكم إرثٍ قانوني قديم تمتد جذوره إلى أنظمة الطوارئ البريطانية لعام 1945، مرورًا بقانون "النازيين والمتعاونين" لعام 1950، ووصولًا إلى موجات المشاريع المتكررة التي أُعيد طرحها أكثر من مرة في العقد الأخير.

إنّ إقرار مشروع القانون بالقراءة الأولى لا يعني دخوله حيز التنفيذ بعد، لكنه يمنحه صفة الاستمرارية التشريعية في الكنيست، ما يجعله تطورًا خطيرًا في اتجاه شرعنة الإعدام السياسي للأسرى الفلسطينيين، وتوسيع دائرة العقوبات الجماعية التي لطالما مارستها إسرائيل ميدانيًا دون غطاء قانوني.

وتأتي هذه الورقة التحليلية التي أعدّها برنامج الإنتاج المعرفي في مركز عروبة للأبحاث والتفكير الاستراتيجي لتتناول بتسلسلٍ منهجي خلفيات هذا القانون، وسياقه السياسي والاجتماعي في دولة الاحتلال، وموقعه ضمن تطور التشريعات العنصرية الإسرائيلية، كما تستعرض الإطار القانوني الدولي الناظم لمعاملة الأسرى، وموقع هذا المشروع من منظومة القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان.

ماهية القانون ومضامينه الأساسية

مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين الذي أقرّته الهيئة العامة للكنيست بالقراءة الأولى، هو نسخة محدَّثة من مقترح قديم يعود إلى سنوات طويلة، لكنه هذه المرة يحظى بغطاء سياسي غير مسبوق، ويأتي في ظل واقع حربٍ متفجرة وسياق داخلي إسرائيلي يزداد تطرفًا.

يهدف القانون إلى تمكين المحاكم الإسرائيلية من فرض عقوبة الإعدام على كل من يُدان بـ"القتل بدافع قومي أو عنصري" وفق الصياغة الرسمية، أي على الفلسطينيين الذين ينفذون عمليات ضد إسرائيليين على خلفية وطنية.

ويُعد هذا التحديد اللغوي في حد ذاته تمييزًا عنصريًا مقنّنًا، لأنه لا يطبَّق على الإسرائيليين الذين يرتكبون جرائم قتل بدوافع مماثلة ضد الفلسطينيين، بل يُحصر تطبيقه في بيئة الاحتلال والسكان الواقعين تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية.

التعديلات الجوهرية في الصيغة الحالية

وفق المعطيات التي عرضتها لجنة الأمن القومي في جلستها الأخيرة، فإن مشروع القانون الجديد يتضمن تغييرات نوعية في آلية تنفيذ الإعدام مقارنة بصيغته السابقة التي طُرحت عام 2023، أبرزها:

  • تخفيض عتبة الحكم بالإعدام من الإجماع القضائي إلى قرار بالأغلبية (اثنان من ثلاثة قضاة).
  • منع استبدال العقوبة بعقوبة أخرى أو تخفيفها لاحقًا حتى بقرار من رئيس الدولة.
  • توسيع نطاق التنفيذ ليشمل المحاكم المدنية وليس فقط المحاكم العسكرية.
  • إتاحة الحكم بالإعدام دون اشتراط طلب المدعي العام العسكري كما كان سابقًا.

وبهذه البنود، يصبح القانون عمليًا أداة جاهزة لتفعيل الإعدام كعقوبة وجوبية ضد الأسرى الفلسطينيين، وهو ما وصفه وزير الأمن القومي بن غفير بأنه "رسالة ردع حاسمة" و"إعلان نهاية التساهل مع القتلة".

من الناحية التشريعية، يمنح إقرار القانون بالقراءة الأولى الائتلاف الحاكم أفضلية في استكماله بالكنيست المقبل حتى لو لم يُقرّ نهائيًا خلال الدورة الحالية، استنادًا إلى مبدأ "الاستمرارية التشريعية". أما سياسيًا، فيُنظر إلى المشروع كجزء من صفقة التماسك الائتلافي بين نتنياهو وحزب "القوة اليهودية"، بعد تهديد بن غفير بعدم دعم الحكومة إذا لم يُطرح القانون للتصويت.

ووفقًا للسياق الحالي فإن القانون لا يُعبّر عن توجه قضائي بقدر ما يعكس اتجاهًا أيديولوجيًا داخل الحكومة الإسرائيلية نحو "تطبيع" الإعدام كأداة للردع الجماعي، وتكريس مبدأ "العقوبة المُلزمة" بدلًا من التقدير القضائي، في انسجام تام مع النزعة الفاشية الجديدة.

الخلفيات التاريخية لعقوبة الإعدام في إسرائيل

تُعدّ عقوبة الإعدام جزءًا من الإرث التشريعي الذي ورثه الاحتلال الإسرائيلي عن أنظمة الطوارئ البريطانية لعام 1945، وهي تشريعات أُقرت إبان الانتداب البريطاني على فلسطين، ومنحت السلطات صلاحيات واسعة تشمل الاعتقال الإداري، ومصادرة الممتلكات، وتنفيذ أحكام الإعدام في القضايا الأمنية والعسكرية. ومع إعلان قيام "دولة إسرائيل" عام 1948، احتفظت الدولة الجديدة بهذا النظام القانوني الاستثنائي ودمجته ضمن بنيتها التشريعية، باعتباره أداة من أدوات السيطرة في المناطق المحتلة.

ورغم أن قانون الإعدام بقي جزءًا من المنظومة القانونية، فإن إسرائيل لم تنفذ هذه العقوبة إلا مرة واحدة في تاريخها الحديث، حين أُعدم الضابط النازي أدولف آيخمان عام 1962 بعد محاكمته في القدس بتهمة الإبادة الجماعية. منذ ذلك الحين، ظلّ الإعدام قائمًا نظريًا في القوانين المدنية والعسكرية، لكنه جُمّد فعليًا في التطبيق.

وفي المقابل، استُخدم القانون العسكري الإسرائيلي بعد عام 1967 لإصدار أحكام بالإعدام ضد أسرى فلسطينيين، أبرزهم الأسيران كريم وماهر يونس اللذان صدر بحقهما حكم بالإعدام عقب اعتقالهما عام 1983 قبل أن يُخفّف إلى المؤبد. كما صدرت أحكام مماثلة بحق أسرى آخرين في العقود الأولى للاحتلال، ما يؤكد أن التجميد لم يكن تامًا بل انتقائيًا خاضعًا للتقدير السياسي والأمني

منذ مطلع الألفية، جرت محاولات متكررة لإعادة تفعيل عقوبة الإعدام عبر مسارات تشريعية مختلفة:

  • عام 2015 قدّم أفيغدور ليبرمان مشروع قانون مشابه، لكنه سقط في الهيئة العامة.
  • عام 2018 أُقرّ القانون بالقراءة التمهيدية للمرة الأولى، قبل أن يتوقف إثر اعتراض المستشارين القانونيين للحكومة والكنيست.
  • في مارس 2023، وضمن ترتيبات تشكيل الحكومة اليمينية الحالية، أُدرج المشروع مجددًا كأحد بنود اتفاق نتنياهو – بن غفير، وتمت المصادقة عليه بالقراءة التمهيدية.
  • ومع نهاية عام 2025، عاد المشروع ليُطرح مجددًا وسط بيئة أمنية متوترة بعد حرب غزة وتراجع مكانة القانون الدولي في الخطاب الإسرائيلي الرسمي.

وتعكس هذه العودة الدورية للمشروع ثبات الفكرة في الوعي السياسي الإسرائيلي، بوصفها إحدى أدوات "الردع" المرتبطة بصعود التيار الديني القومي، الذي يرى في "القتل القانوني" جزءًا من العقيدة العقابية الإلهية تجاه من يقاوم الوجود الصهيوني.

منذ نشأة دولة الاحتلال، ارتبطت العقوبات القصوى بمفهوم "العدو الداخلي"، أي الفلسطيني الذي يقاوم الاحتلال. ففي حين تُمنح الامتيازات القانونية للإسرائيليين حتى عند ارتكابهم جرائم قتل ضد الفلسطينيين، يُعامل الفلسطيني دومًا وفق منطق "التهديد الأمني" الذي يبرر أقصى العقوبات. هذا التمييز البنيوي جعل من عقوبة الإعدام رمزًا لتفوق المستعمِر على المستعمَر، ووسيلة لردع الوعي الوطني الفلسطيني أكثر من كونها أداة ضمن منظومة قضائية.

وتؤكد دراسات متعددة أن الإبقاء على عقوبة الإعدام في المنظومة العسكرية الإسرائيلية كان "خيارًا سياسيًا مقصودًا"، استخدم لتكريس سياسة القمع تحت غطاء قانوني، ولتعزيز السيطرة على السكان الفلسطينيين في المناطق المحتلة.

إذ مارس الاحتلال الإسرائيلي الإعدامات الميدانية لعقود دون غطاء قانوني، فيما يسعى المشروع الحالي إلى شرعنة تلك الممارسة القديمة ضمن نص تشريعي واضح، ما يعني انتقالها من "سياسة أمنية غير معلنة" إلى "قانون دولة معلن"، ينسجم مع توجهات حكومة ترى في الصراع مع الفلسطينيين صراع بقاء وجودي لا يخضع لأي قواعد أو ضوابط.

السياق السياسي والاجتماعي المحيط بالقانون

يمثل مشروع قانون إعدام الأسرى ذروة التحول في البنية السياسية الإسرائيلية نحو اليمين الديني القومي الذي يربط بين الأمن والعقاب الجماعي. فمنذ عودة بنيامين نتنياهو إلى الحكم على رأس حكومة تجمع "الليكود" و"القوة اليهودية" و"الصهيونية الدينية"، تصاعدت المطالب بإعادة العمل بالإعدام ضد الفلسطينيين بوصفه "ردعًا قوميًا"، لا كإجراء قضائي.

ويدفع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بالمشروع بوصفه "إنجازًا عقائديًا" لحزبه الذي بُني على فكرة الثأر والهيمنة، في حين يستخدمه نتنياهو كأداة لتماسك الائتلاف وامتصاص غضب الشارع اليميني بعد إخفاقات الحرب.

على المستوى المجتمعي، تكشف استطلاعات الرأي عن تصاعد تأييد شعبي غير مسبوق لعقوبة الإعدام ضد الأسرى الفلسطينيين، إذ سبق وأن تجاوزت نسب التأييد 70% وفق معهد الديمقراطية الإسرائيلي، ما يعكس تغلغل خطاب الكراهية والتجريد من الإنسانية في المجتمع الإسرائيلي.

وتُظهر دراسات المتابعة الإعلامية أن أجهزة الدعاية الرسمية تروّج لعقوبة الإعدام باعتبارها "استحقاقًا أخلاقيًا"، في محاولة لتبرير الانتقال من القتل الميداني إلى القتل المقنّن تحت مظلة القانون.

اجتماعيًا، تكمن خطورة التحول في أن المجتمع الإسرائيلي لم يعد ينظر إلى الإعدام كعقوبة استثنائية، بل كضرورة قومية. هذا التبدل في المزاج العام هو نتاج تطبيع طويل للعنف المؤسسي ضد الفلسطينيين منذ الانتفاضة الثانية، تغذّيه المناهج التعليمية، وخطاب القادة الدينيين، وتكراره في المنابر الإعلامية بوصفه امتدادًا لحق توراتي في القصاص. بذلك، يتحول القانون من أداة ردع قانوني إلى آلية هيمنة أخلاقية تسعى لإقناع الجمهور بأن قتل الفلسطينيين "واجب وطني".

في المحصلة، يعكس مشروع القانون الشكل الحقيقي لكيان الاحتلال الذي يدمج العنصرية في منظومته التشريعية، ويفتح الباب أمام مأسسة الانتقام ضد الأسرى والمقاومين. فالإعدام هنا ليس عقوبة جنائية بقدر ما هو إعلان نية لإلغاء الوجود الوطني الفلسطيني قانونيًا، عبر تطبيع القتل باسم القضاء.

القراءة القانونية الدولية لمشروع القانون

يُعدّ قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين خرقًا جوهريًا لقواعد القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، ويقع ضمن ما يُعرف بـ"الانتهاكات الجسيمة" التي تُصنّف كـجرائم حرب بموجب اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977.

فمن حيث المبدأ، تنص المادة (3) المشتركة في اتفاقيات جنيف على حظر "الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أنواعه، والتشويه، والمعاملة القاسية"، كما تُلزم الدولة الحاجزة للأسرى بضمان حقهم في المحاكمة العادلة أمام محكمة نظامية مستقلة.

ومشروع القانون الإسرائيلي، الذي يجعل الإعدام عقوبة إلزامية تُفرض على الفلسطينيين بدافع "قومي أو عنصري"، يُخالف هذه القواعد من عدة زوايا قانونية وإنسانية.

أولًا: خرق مبدأ المساواة أمام القانون

ينتهك المشروع قاعدة المعاملة المتكافئة للأسرى المنصوص عليها في المادة (13) من اتفاقية جنيف الثالثة، التي تُلزم الدولة الحاجزة بمعاملة جميع الأسرى دون تمييز قائم على العرق أو الدين أو الرأي السياسي.

القانون المقترح يُطبق حصريًا على الفلسطينيين دون غيرهم، ما يجعله تشريعًا ذا طبيعة عنصرية، يكرّس ازدواجية العدالة ويجعل من الانتماء القومي أساسًا للعقوبة. وبهذا يتحول القضاء الإسرائيلي إلى أداة تصفية سياسية، لا إلى جهة محاكمة وتقاضي.

ثانيًا: انتهاك ضمانات المحاكمة العادلة

تُعدّ الإجماع القضائي أحد أهم ضمانات المحاكمة في قضايا الإعدام، وهو ما ألغاه المشروع عبر السماح بفرض العقوبة بأغلبية القضاة فقط، مخالفًا للمبدأ الذي تلتزم به غالبية الأنظمة القضائية الحديثة.

كما يُخالف هذا الإجراء المادة (75) من البروتوكول الإضافي الأول، التي تشترط "احترام مبدأ الاستقلال القضائي والحق في الدفاع الكامل".

وبحسب دراسة المؤسسة الدولية للتضامن مع الأسرى (2023)، فإن هذا التعديل "يُفرغ القضاء من معناه ويحوّل الإعدام من خيار قضائي إلى سياسة دولة"

ثالثًا: تعارضه مع العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية

تنص المادة (6) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أن "الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان"، وأنه لا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفًا، كما تقتصر تطبيق الإعدام – في الدول التي لم تلغه – على "أشد الجرائم خطورة" ووفقًا لمحاكمات عادلة تستوفي جميع الضمانات.

ومعظم فقه القانون الدولي يُجمع على أن الجرائم ذات الطبيعة السياسية أو المقاومة للاحتلال لا تُعدّ جريمة، بل ممارسة لحق كفله القانون الدولي ضد قوى الاحتلال. لذا فإن تطبيق عقوبة الإعدام على الأسرى الفلسطينيين يُعتبر إعدامًا سياسيًا مخالفًا لجوهر القانون الدولي.

رابعًا: تصنيفه كجريمة حرب

إن إعدام الأسرى أو إصدار أحكام بالإعدام دون محاكمة عادلة يُصنّف، بموجب المادة (8/2/أ/6) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كجريمة حرب. كما يُلزم النظام الدول الأطراف باتخاذ تدابير قانونية بحق مرتكبي مثل هذه الانتهاكات.

وبما أن فلسطين دولة طرف في المحكمة الجنائية الدولية، فإن أي تطبيق لقانون الإعدام على الأسرى الفلسطينيين سيمنح المحكمة ولاية قضائية للنظر في هذه الانتهاكات ومساءلة المسؤولين الإسرائيليين عنها.

خامسًا: إلغاء عالمي متزايد لعقوبة الإعدام

تُظهر المعايير الدولية الراهنة أن الاتجاه العام في القانون المقارن يتجه نحو الإلغاء الكلي أو التعليق الدائم لعقوبة الإعدام، حيث ألغت أكثر من 170 دولة هذه العقوبة أو أوقفت العمل بها، ما يجعل إسرائيل من بين الأقلية المتبقية التي تسعى إلى إعادة تفعيلها – ليس في إطار جنائي، بل في إطار سياسي موجَّه ضد شعبٍ واقع تحت الاحتلال

خاتمة

تُظهر الخطوات المتسارعة داخل الكنيست الإسرائيلي لإقرار "قانون إعدام الأسرى" أنّ إسرائيل تتجه نحو شرعنة الإبادة قانونيًا بدلًا من وقفها، وأنّ المشروع لا يُمثل تحولًا قانونيًا بقدر ما يُجسد ترسيخًا تشريعيًا لجريمة قائمة تُمارس منذ عقود.

فكما يؤكد نادي الأسير الفلسطيني، لم يتوقف الاحتلال يومًا عن تنفيذ الإعدامات الميدانية بحق الفلسطينيين، سواء أثناء الاعتقال أو التحقيق أو عبر الإهمال الطبي المميت، في ما يشكّل مسارًا ممنهجًا من "الإعدام خارج نطاق القانون" تحول اليوم إلى إعدام داخل القانون عبر نصوص تشريعية صريحة.

إنّ الانتقال من الاغتيال الميداني إلى الإعدام المقونن لا يغيّر جوهر الجريمة، بل يضفي عليها شرعية شكلية تسعى حكومة الاحتلال من خلالها إلى تجميل القتل بالصياغة القانونية، فالقانون المطروح ليس سوى غطاء لإرهاب الدولة، ومحاولة لإعادة تعريف الجريمة بوصفها "ردعًا"، وتحويل العدالة إلى وسيلة تصفية سياسية.

وقد بلغت هذه الممارسات ذروتها خلال حرب الإبادة الجارية على قطاع غزة، حيث رصدت المؤسسات الحقوقية استشهاد أكثر من 80 أسيرًا منذ أكتوبر 2023، إلى جانب عشرات المعتقلين الذين أُعدموا ميدانيًا أو ما زالوا رهن الإخفاء القسري.

ومن أبرز الشواهد على هذه الإعدامات الجارية ما كشفته جثامين الأسرى التي سُلّمت من غزة بعد الحرب، وقد تبيّن أن عددًا منهم كان معتقلًا وظهر حيًا في مقاطع مصوّرة قبل أن يُعثر عليه مقتولًا ومشوّه الجسد، في وقائع تُبرهن أن ما يجري اليوم في الكنيست ليس تشريعًا جديدًا، بل تطبيعٌ قانوني لجريمة الإعدام التي مورست فعليًا منذ سنوات.

إنّ بلوغ القانون مرحلة القراءة الأولى لم يكن مفاجئًا للمتابعين، إذ يأتي في ظل حالة من التوحّش السياسي والاجتماعي غير المسبوقة داخل دولة الاحتلال، حيث تُمارَس الإبادة في غزة بينما تتحول السجون إلى ميادين فرعية لهذه الإبادة عبر القتل البطيء والتجويع والإهمال الممنهج. ومع ذلك، فإن خطورة المشهد لا تكمن في مضمون القانون وحده، بل في فكرة الاستثناء الإسرائيلي من المحاسبة الدولية، التي تُتيح له سنّ قوانين تتناقض جذريًا مع المنظومة الحقوقية الدولية دون خشية من العقاب أو العزلة.

وعليه، فإن مسؤولية المجتمع الدولي باتت اليوم أكثر إلحاحًا لوقف هذا الانحدار الخطير، ومساءلة منظومة الاحتلال على جرائمها، لا سيما أن هذا القانون يشكّل سابقة خطيرة في تاريخ التشريع الحديث، بإقراره الإعدام كسياسة دولة لا كحكم قضائي، وبجعله جزءًا من منظومة الإبادة المستمرة بحق الشعب الفلسطيني.