الرئيسية| قراءة تحليلية| تفاصيل الخبر

طوفان الأقصى

قراءة تحليلية المبادرة بمعركة "طوفان الأقصى"

01:55 م،07 أكتوبر 2023

برنامج الانتاج المعرفي

مع ساعات الصباح الأولى، في الدقائق التي تسبق منتصف الساعة السادسة صباحاً من يوم السابع من أكتوبر، بدأت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة عملية عسكرية مباغتة أطلقت عليها اسم "طوفان الأقصى" شملت عملية اقتحام واسعة للسياج الفاصل ما بين قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة عبر عدة محاور، باستخدام أدوات تحرّك جوية وبرية وبحرية.

القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف أعلن عن بدء المعركة في كلمة مُسجلة، مؤكدًا أنها جاءت رداً على "عربدة الاحتلال في المسجد الأقصى"، ليُعلن عن إطلاق أكثر من 5 آلاف صاروخ وقذيفة خلال الضربة الأولى، ودعا إلى توسيع المعركة عبر الانخراط الجدي بكل الوسائل المتاحة للمقاومين في الضفة الغربية والشعب الفلسطيني بالداخل المحتل، بالإضافة إلى دعوة محور المقاومة في إيران وسوريا ولبنان والعراق واليمن إلى "التحام الجبهات والرايات".

كذلك حثّ قائد القسام "إخوتنا في الجزائر والمغرب والأردن ومصر وبقية الدول العربية على التحرّك وتلبية النداء"، مؤكداً أنّ "الأوان لأن تتحد المقاومة العربية قد آن".

فصائل المقاومة الفلسطينية أعلنت تباعًا انخراطها في المعركة والتحام مقاتليها سويًا في عمليات الإغارة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث أعلنت كتائب الشهيد أبو علي مصطفى وسرايا القدس وألوية الناصر صلاح الدين وكتائب المقاومة الوطنية نجاح مقاتليها في اقتحام الأراضي المحتلة وتسجيل خسائر محققة في صفوف الاحتلال، والعمل جنبًا إلى جنب مع كتائب القسام التي افتتحت الهجوم.

المقاومة الفلسطينية أعلنت عن تمكنها من تنفيذ هجوم متزامن على 50 موقع من مواقع فرقة غزة والمنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال، ونجاحها في إسقاط دفاع الفرقة، وخوض معارك ضارية في 25 موقع لساعات متواصلة، إضافة لتمكنها من تطوير الهجوم على عدد من الأهداف خارج فرقة غزة، منها "أوفاكيم"، "نيتفوت" "مشمار هنيغف" "بئيري" و"سديروت"، إضافة لتمكنها من أسر عدد كبير من جنود ومستوطني الاحتلال، منهم ضباط في رُتب كبيرة.

تحمل المعركة التي بدأتها المقاومة مجموعة من المؤشرات الميدانية والعملياتية، إضافة إلى الأبعاد الاستراتيجية التي لن تنتهي مفاعليها بانتهاء أيام القتال، حيث دشنت المقاومة الفلسطينية معادلة مختلفة بشكل جذري من حيث شكل الهجوم وطبيعته وتوقيته، فيما يُحصر الاحتلال بخيارات محدودة وواقع عملياتي مُقيد، ووقائع ميدانية فرضتها الضربة الأولى حددت شكل وتوقيت الموجة الأولى من المعركة.

دلالات عملياتية وميدانية:

تعتيم وتضليل استراتيجي: خاضت المقاومة عملية خداع وتضليل استراتيجي على مدار أشهر، تعزز بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة، عبر مجموعة من الإشارات حول عدم رغبتها بالتصعيد، والقبول بـ"التفاهمات" التي عرضها الوسطاء، مقابل بعض إجراءات تخفيف الحصار، فيما لم تطلق أي تهديدات نوعية للتصعيد.

ضربة مباغتة: نجحت المقاومة في توجيه ضربة كبيرة بهذا الحجم، شارك فيها الآلاف من المقاتلين دون أن ينجح الاحتلال في التقاط أي إشارات حول نية المقاومة بدء هجوم، أو حتى نوايا التصعيد، حيث جزمت مستويات التقدير الأمني والاستخباراتي في دولة الاحتلال إلى أنّ المقاومة غير معنية بالتصعيد، واختارت المقاومة توقيتًا حساسًا للاحتلال، من خلال يوم السبت المقدس عند اليهود، والذي تزامن مع كونه اليوم الأخير من الأعياد اليهودية، مع اختتام عيد (بهجة التوراة) الذي يُفترض أن ينتهي الإغلاق بشأنه مع مساء يوم السبت.

ضربة استباقية: من الواضح أن المقاومة قد حسمت تقديرها بأنّ الاحتلال سيعمل على توجيه ضربة غادرة لقيادة المقاومة في القطاع، أو شن عدوان واسع يستهدف القطاع، وبالتالي فضلت المقاومة تنفيذ ضربة استباقية تكون هي صاحبة الكلمة فيها، وتحرم الاحتلال من فرصة توجيه ضربة مباغتة.

تجاوز إجراءات الأمن والكشف المبكر لجيش الاحتلال: نجح المقاومون في تجاوز إجراءات الرصد والتأمين الحدودي ورادارات كشف الحركة والتنبؤ المبكر، عبر مجموعة من الخطوات العملياتية التي عطلت فعالية هذه الإجراءات، وسمحت للعشرات من المقاتلين بالبدء بالهجوم تحت الغطاء الصاروخي.

ضربة صاروخية وغطاء ناري مُركز: نجحت المقاومة في توجيه ضربات صاروخية كثيفة ومتزامنة ومتركزة الأهداف، أمنت الغطاء الناري اللازم لإنجاح عملية الاقتحام الواسع للسياج الفاصل، مُجبرةً جنود الاحتلال على التحصن داخل الملاجئ للاحتماء من الصواريخ، مما أمن هامش عملياتي للمقاومين للوصول للمواقع وتنفيذ هجوم مباغت حيّد قوات التأمين للمواقع العسكرية.

الاستخبارات الدقيقة: الهجوم المتقن للمقاومين والاستهداف الدقيق لمواقع التأمين العسكرية للحدود، ومواقع القيادة والسيطرة لفرقة غزة، ومن ثم الاستهداف وتحييد مراكز الشرطة والطوارئ في مستوطنات الغلاف، عكست وجود إحاطة استخباراتية دقيقة مسبقة، حددت الأهداف بدقة، ونجحت في تحييدها في الساعات الأولى من الهجوم.

تماسك منظومة القيادة العملياتية: عكست دقة التنفيذ وسلاسة نقل الأسرى من جنود ومستوطنين الاحتلال من داخل الأراضي المحتلة إلى قطاع غزة، وموجات الاقتحام وإعادة الانتشار للمقاومين داخل وخارج الأراضي المحتلة وجود تماسك في منظومات القيادة والسيطرة العملياتية التي تُدير الهجوم.

الإعداد المسبق الدقيق للعملية: نجحت المقاومة في التجهيز المسبق لإيجاد الثغرات اللازمة في السياج الفاصل، وذلك بالغالب عبر استثمار التحركات الشبابية على الحدود في الآونة الأخيرة، مما سمح للمقاومة بتنفيذ الاقتحام الواسع من فوق الأرض وباستخدام آليات وعربات ميكانيكية كبيرة وصغيرة الحجم سرعت من تنفيذ العملية المباغتة ومنعت الاحتلال من القدرة الميدانية على إجهاضها.

توسيع الاستنزاف لجيش الاحتلال عبر الانتشار الجغرافي السريع داخل الأراضي المحتلة: سرعة الانتشار جغرافيًا داخل الأراضي المحتلة، واستغلال تباعد المساحات ما بين الكيبوتسات والمستوطنات في غلاف غزة، واستثمار وسائل التحرك من جيبات وسيارات ودراجات نارية، خلق حالة استنزاف واسعة للجيش الذي لم يتمكن من حصر بؤر تمركز المقاومين، وخلق جيوب اشتباك ستسمر لساعات طويلة.

 

دلالات المشهد الصهيوني الداخلي وأثر المعركة:

الأزمة الداخلية: مازال الكيان يعيش تحت وطئ الأزمة السياسية الداخلية والانقسام غير المسبوق على خلفية مشروع الائتلاف الحكومي للتعديلات القضائية، وهي أزمة عكست نفسها على كل أوجه الحياة في دولة الاحتلال.

أزمة اقتصادية متصاعدة: تعاني دولة الاحتلال من أزمة اقتصادية متصاعدة، شكلت في جزء منها انعكاس للأزمة الداخلية التي دفعت رؤوس الأموال إلى الهرب من "إسرائيل" بحثًا عن مواضع استثمار أكثر أمناً، فيما يواصل "الشيكل" الانهيار والانخفاض إلى مستويات غير مسبوقة أمام الدولار الأمريكي.

أزمة جيش الاحتياط: انعكست مفاعيل الأزمة الداخلية على جيش الاحتياط وبعض الوحدات النظامية في جيش الاحتلال، وحول فكرة "رفض الخدمة" إلى حالة واسعة في صفوف مجندي الاحتياط، مما خلق فجوة كبيرة وانعكس حتى على البرامج التدريبية للجيش، ووضع الجيش في منتصف الأزمة الداخلية، وحوّله من عنوان إجماع، إلى عنوان مختلف عليه.

الاستنزاف الكبير للجيش النظامي: يعيش الجيش النظامي حالة استنزاف واسعة منذ أكثر من عام، حيث تستنفر فرق وكتائب الجيش النظامي على امتداد ثلاث جبهات، شمال فلسطين المحتلة، وجنوب فلسطين المحتلة، وفي الضفة الغربية، مما خلق حالة واسعة من الاستنزاف أدت إلى تعطيل بعض الأنشطة التدريبية الدورية لوحدات الجيش، وقللت من كفاءته الميدانية وحدّت من قدراته العملياتية.

الائتلاف الحكومي المأزوم: يعاني رئيس وزراء الاحتلال من عمله مع ائتلاف حكومي مأزوم، إذ لا ينفك شركائه في الائتلاف عن ممارسة ضغوط كبيرة عليه لاتخاذ خطوات عدوانية غير محسوبة، والتلويح المستمر بالانسحاب من الائتلاف الحكومي في حال عدم التزام "نتنياهو" باتفاقياته معهم، ويُشكل العنوان الأمني أحد أبرز عناوين الخلاف داخل الائتلاف.

تراجع في الحضور الدولي: تعاني دولة الاحتلال من تراجع في مكانتها الدولية، وتزايد الانتقادات الموجهة لها، خصوصًا في ظل الائتلاف الحكومي اليميني الحالي، وبرنامج التعديلات القضائية، إضافة إلى التوسع الاستيطاني المتسارع، والتصريحات العدوانية الفاشية التي يُصدرها شركاء نتنياهو في الحكومة.

 

دلالات مرتبطة بالقضية الفلسطينية:

التطبيع السعودي: تدور في الأفق محاولات محمومة للوصول لصفقة سعودية-أمريكية-إسرائيلية واسعة، تشمل علمية تطبيع ستكون الأكبر من حيث الوزن والقيمة، وستكون لها آثار كبيرة على حضور القضية الفلسطينية والحاضنة العربية لها، وستُشكل مدخلاً للمزيد من التطبيع والانحدار الرسمي العربي لمستنقعات العلاقة مع الاحتلال.

الرهان الرسمي على خيار "أوسلو" والبحث عن إحياء مسار تفاوضي مع الاحتلال: تستمر القيادة الرسمية المهيمنة على منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية بالرهان على خيار "أوسلو" وتبحث عن استثمار محادثات التطبيع السعودية في خلق مسار تفاوضي جديد مع الاحتلال.

الملاحقة الأمنية للمقاومة وخطة "فينزل": تُصعّد الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية من وتيرة ملاحقتها للمقاومين في الضفة المحتلة، وتعمل بانسجام مع التسريبات حول خطة الجنرال الأمريكي "مايك فينزل" الهادفة للقضاء على المقاومة في الضفة الغربية وإعادة سيطرة الأجهزة الأمنية على بؤر المقاومة.

حماية المقاومة في الضفة المحتلة: يُشكل تصاعد المقاومة في الضفة المحتلة إنجازًا مهمًا تسعى قيادة المقاومة إلى الاستثمار فيه وتوسيعه وتعزيز فعله، وهو ما يتطلب حمايتها من الانقضاض عليها خصوصاً بعد تزايد حدة وشراسة الهجمة من الاحتلال وأجهزة أمن السلطة، مما يستدعي توفير هامش حركة لها وتخفيف الضغط عنها.

تثبيت قواعد اشتباك تحمي قيادة المقاومة من الاغتيال: من بين الدلالات المهمة بالمعنى الفلسطيني الداخلي، هو حاجة المقاومة لتوفير نوع من المناعة ضد الاغتيال لقيادة المقاومة وبشكل خاص الناشطة في العمل مع مقاومي الضفة الغربية، وهو ما يعني تعطيل مخططات الاحتلال الهادفة لاغتيالهم وتصفيتهم للتخلص من فعاليتهم ودورهم.

 

استخلاصات:

نجحت المقاومة في توجيه ضربتها الأولى، وحققت مجموعة من الإنجازات العلمياتية والميدانية، وفرضت مسرح عمليات تتحكم فيه وتدير الاشتباك من خلاله باقتدار وتماسك كبيرين، فيما وفرت الضربة المباغتة من طرف المقاومة، الوقت اللازم لقوى المقاومة لتأمين قيادتها ومقدراتها وغرف القيادة والسيطرة والاستعداد للتعامل مع هجوم الاحتلال للرد على عمليات المقاومة.

نجاح المقاومة في اختطاف عدد كبير من الجنود والمستوطنين يخلق عامل ضغط كبير على قيادة الاحتلال، ويمنح المقاومة ورقة تفاوض مهمة، ليست فقط في ملف الأسرى، لكن أيضًا في إجبار الاحتلال على إيقاف عدوانه، إضافة لكون معالجة ملف بحجم ملف الأسرى سيمثل نقلة نوعية للقضية الفلسطينية وللمشهد القيادي الفلسطيني.

الاختيار الدقيق للموعد شكّل عاملًا مهمًا في نجاح الضربة، عبر اختيار عطلة يوم السبت، وفي آخر أيام الأعياد اليهودية، التي عمل الاحتلال جاهدًا على تمريرها بهدوء، فيما تمادى في انتهاكاته بحق المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي، والاعتداء على المرابطات والمرابطين في القدس والخليل، وسط تقديراته أنّ المقاومة غير معنية بالتصعيد العسكري.

الخيارات أمام حكومة الاحتلال محدودة، فيما يُشكّل احتواء مفاعيل الضربة الميدانية عامل استنزاف لجيش الاحتلال الذي سيضطر إلى ملاحقة جيوب انتشار المقاومين على امتداد مساحة غلاف غزة، والتعامل مع أماكن تمركزهم وتكبّد خسائر مواجهتهم، ومن جانب آخر فلا هامش عملياتي كبير للعمل في غزة التي جرّب معها الاحتلال كل أنواع العدوان وأكثره ضراوة وقساوة ودموية، وأسقط على رؤوس قاطنيها مئات الآلاف من أطنان المتفجرات، دون أن يفلح في كسر شوكة مقاومتها أو حاضنتها الشعبية.

الذهاب لخيار الاجتياح البري لقطاع غزة سيُشكّل خدمة جليّة للمقاومة التي تمتلك من القدرات ما سيحوّل هذا الاجتياح إلى فرصة لإيقاع خسائر محققة في صفوف جيش الاحتلال الذي يعي جيدًا كلفة الخسائر البشرية المتوقعة من خلال عملية مشابهة، وبالتالي فإنّ لجوء الاحتلال لخيار إعادة احتلال غزة هو خيار مستبعد.

مباغتة الضربة، وعدد الأسرى الذين نجحت المقاومة في اعتقالهم، إضافة للاحتمالات المتصاعدة لتوسع الجبهات المنخرطة في المعركة الحالية، والإشارات الكثيرة عن انفجار محتمل للضفة الغربية وفلسطينيو الداخل المحتل، يضع حكومة الاحتلال أمام خيارات محدودة في العدوان على غزة، ويدفعها إلى الكثير من الحسابات من أجل الخروج من الهجمة الحالية حاصرًا القتال فقط بجبهة غزة، وبأقل مدة زمنية ممكنة في حال نجح في ترميم صورته واستعادة ماء وجهه.

لم تستخدم المقاومة الفلسطينية أوراقها كاملة بعد، ولم تُفعّل كل ساحات فعلها، ومازال في جعبتها الكثير من الأوراق، في قطاع غزة وخارجه، وهو ما سيتبيّن تدريجيًا ارتباطًا بتطوّر وتيرة المعركة، إضافةً إلى أنّ العمق الاستراتيجي للمقاومة في الإقليم المتمثّل في محور المقاومة وقواها سيُبقي انخراطهم حاضرًا ويتزايد كلما طالت مدة المعركة، وزاد الاحتلال من دموية هجمات على القطاع.

أيًا كانت نتيجة المعركة الحالية، فالمقاومة نجحت في خلق مسار استراتيجي جديد كسر هيبة وصورة جيش الاحتلال إلى الأبد، وأنهى عقود من صورة الجيش الذي لا يُقهر، وهشّم حائط الردع المتصدّع منذ سنوات، إضافةً لتوجيه صفعة أمنية كبيرة لمنظومة الاستخبارات الصهيونية، ونموذجًا مصغرًا عن قدرة المقاومين للزحف في عملية تحرير حقيقية، والقدرة على هدم كل جدران وتحصينات الاحتلال في أجزاء من الساعة، وهو ما سيترك أثره بشكل كبير على جرأة وشجاعة أعداء "إسرائيل" في المنطقة، ويفتح الباب مشرعًا أمام جديّة استعادة مشروع التحرير وتوسيع الفعل المقاوم.