تبنَّى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يوم الاثنين، مشروع قرار يحمل الرقم 2728 يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة في خلال شهر رمضان، على أن يؤدي ذلك إلى وقف دائم لإطلاق النار، ويدعو إلى الإفراج الفوري غير المشروط عن جميع المحتجزين.
وصوَّت المجلس لصالح مشروع القرار، الذي قدمه أعضاء المجلس العشرة المنتخبون، بأغلبية أربعة عشر صوتًا، فيما امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت بعد تعطيلها محاولات سابقة لإصدار قرار عبر اللجوء إلى حق النقض (الفيتو). وحظي القرار بدعم روسيا والصين والمجموعة العربية التي تضم اثنين وعشرين دولة في الأمم المتحدة.
ومنذ اندلاع الحرب ضد قطاع غزة، كان هذا القرارُ الأولَ الذي أقرَّه مجلس الأمن ويدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، إذ لم يتمكَّن المجلس إلَّا من تبنِّي قرارين من أصل تسعة طُرِحَت منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وهما قراران إنسانيان، فكان قد دعا إلى إدخال مساعدات إنسانية إضافية إلى قطاع غزة وإطلاق سراح المحتجزين.
تقدِّم هذه الورقة، من إنتاج برنامج الرصد والتوثيق في مركز عروبة للأبحاث والتفكير الاستراتيجي، إحاطةً معلوماتيةً حول قرار مجلس الأمن، ومدى إلزاميته، وأهميته وتأثيره، والمواقف العربية والدولية منه.
مجلس الأمن ومدى إلزامية قراره
يتألَّف مجلس الأمن، المكلَّف بضمان السلم والأمن الدوليين، من خمس دول دائمة العضوية تتمتع بحق النقض (الفيتو): الصين، وفرنسا، وروسيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وعشرة غير دائمين تنتخبهم الجمعية العامة للمنظمة لمدة عامين. وتُتَّخَذ قرارات المجلس بالتصويت بالإيجاب لتسعة أعضاء من بينها أصوات الأعضاء الخمسة الدائمين متفقين. وتُعدّ قراراته تعبيراتٍ رسميةً عن رأي الأمم المتحدة وإرادة أجهزتها، ونظريًّا تُعَدُّ صلاحيات المجلس غير محدودة، وإذا اعتَمد قرارًا وجَب تنفيذه، إذ تُعَدُّ قرارات المجلس، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة[1]، ملزِمةً لجميع الدول الأعضاء (193 دولة)، إذ لا يمكن لأحد تجاهُل الإرادة الجماعية للدول الخمس الكبرى التي تحدِّد فعليًّا قرارات المجلس.
إن القرارات التي يتبنَّاها المجلس في العموم قرارات ملزِمة، لكن ذلك يرتبط بعدة عوامل، ويتوقف تنفيذ القرار أولًا على احترام الدولة المعنية القرارات الدولية، ويستجيب التنفيذ الفعلي لرغبة الدول القوية على إلزام تنفيذه. وقد صدرت قرارات سابقة من المجلس و"صادفت رغبة تطبيق لدى الدول العظمى، وشهدت تنفيذًا صارمًا"، منها قرارات متعلقة بالعراق. ومع ذلك، تُقابَل القرارات المعتمَدة بالتجاهُل وتُنتَهَك في كثير من الأحيان، ويكون من الصعب غالبًا التوصل إلى تلك الإرادة الجماعية، نظرًا إلى أن لدى الأعضاء الدائمين حق النقض ما يجعلهم يدلون بصوت سلبي في حال كان القرار يتعارض مع مصالحهم.
يتمتع القرار الحالي بـإلزامية عامة دون صيغة أو تدابير تنفيذية، إذ يحضُّ على وقف إطلاق النار في فترة زمنية مرهونة بشهر رمضان، ولم يُشِر إلى مسألة تهديد الأمن والسلم الدوليين، ومُرِّرَ ضمن الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، بالتالي فهو غير ملزِم وليس له مفعول فوري، ولم يمرَّر ضمن الفصل السابع الذي يؤدي إلى استخدام القوة في مواجهة الدولة التي لا تلتزم بمقتضيات القرار. وإنَّ امتناع الولايات المتحدة (التي تُعَدُّ من الأعضاء الخمسة الدائمين في المجلس) عن التصويت على القرار جعله غير ملزِم التنفيذ، ما أكَّده البيت الأبيض.
أهمية القرار وتأثيره
وصف الكثيرون القرار بـ"التاريخي"، إذ إنها المرة الأولى التي يدعو فيها مجلس الأمن إلى وقف فوري لإطلاق النار ثم لا تستخدم الولايات المتحدة حق النقض ضد القرار بعد نحو ستة أشهر من الحرب ضد غزة. ويرى محللون أنه على الرغم من أنه غير ملزِم، فإن ثمة أمورًا إيجابية في تبنِّي القرار. ويرى مسؤولون سياسيون "إسرائيليون" أن القرار "معقَّد وخطير جدًّا".
ولم يُدِن أيُّ قرار اعتمده المجلس أو الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر المقاومةَ الفلسطينيةَ أو "حماس" تحديدًا، لأنها ليست دولة أو مؤسسة. ويُستبعَد أن تكون ثمة تبعات مباشرة على "إسرائيل" إن لم تنفِّذ القرار، "لغياب إرادة حقيقة لردعها". ولا تنبع أهمية القرار من إلزاميته أو إمكانية تنفيذه، إذ إنَّه غير ملزِم ومن غير المرجَّح أن تذعن دولة الاحتلال لرغبة المجلس في تنفيذه، لكنَّ تلك الأهمية تكمن في أمور، أبرزها:
- يُعدُّ القرار ترجمةً فعليةً لموقف الدول من الحرب الجارية وأثرها على المدنيين.
- يضع "إسرائيل" في "موقف محرج" أمام مجلس الأمن والمجتمع الدولي، ويشكِّل عاملَ ضغط كبير عليها.
- قد يخدم مساعي إيقاف الحرب ويؤسِّس لوقفٍ لإطلاق النار.
- لم يُشِر على نحو خاص إلى عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بل أدان "جميع الأعمال الإرهابية"، على حد وصفه.
- بينما تربط "إسرائيل" وقف إطلاق النار بإطلاق سراح المحتجزين، يجعل القرار وقف إطلاق النار قيمةً في حد ذاته، ولا يعلِّقه بأي إجراء من قِبل المقاومة الفلسطينية.
- قد يؤدي ببعض الدول إلى فرض عقوبات على "إسرائيل" إن لم تلتزم به، لكنها ليست إجراءات عسكرية أو عقوبات يفرضها مجلس الأمن.
- في حال عدم انصياعها، سينشأ نقاش في المجتمع الدولي حول انتهاك "إسرائيل" قرار مجلس الأمن.
- سيعزِّز تجاهل دولة الاحتلال تنفيذَ القرار الحججَ ضدها في محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، ما سيجعل وضعها أسوأ أمام المجتمع الدولي.
وقال سياسيون "إسرائيليون" إن القرار "يثير إشكالية كبيرة لأنه لا يفرض أي شيء" على المقاومة الفلسطينية، ما "يشكِّل ضغوطًا دوليةً على إسرائيل وليس على الجانب الآخر"، ويفاقم رد فعل "نتنياهو" المشكلة، "إذ يضع إسرائيل في الزاوية أكثر".
ووفقًا لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، ستكون للقرار دلالات كثيرة على مفاوضات صفقة التبادل، وقد تؤدي إلى تصلُّب موقفَي "إسرائيل" والمقاومة، وستصبح أدوات الضغط الأمريكية على "إسرائيل" مرنة للتوصل إلى اتفاق، ويمنح القرار الأمل للمقاومة الفلسطينية بأنها ستتمكن من التوصل إلى وقف لإطلاق النار بفضل الضغط الدولي حتى دون صفقة.
ويرى محللون أن ثمة نواحٍ إيجابيةٌ للقرار، إذ قد يفضي من ناحيةٍ إلى إطار تفاهم حول هدنة قد نشهد فيها تبادلًا للأسرى ضمن صفقة، ومن ناحيةٍ أخرى قد يشكِّل طريقًا نحو فرض إدخال المساعدات على "إسرائيل" إلى غزة، إذ اشترط القرار ألَّا تضع إسرائيل أي عراقيل أمام المساعدات القادمة إلى القطاع.
ترحيب فلسطيني مقابل تنديد "إسرائيلي"
رحَّبت "حماس" بالقرار، وأعربت عن استعدادها للمضي قدمًا في عملية تؤدي إلى الإفراج عن المحتجزين في القطاع "فورًا" مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين، مؤكدة "ضرورة الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار، يؤدي إلى انسحاب كافة القوات الصهيونية من قطاع غزة، وعودة النازحين إلى بيوتهم التي خرجوا منها". وأشاد السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة، رياض منصور، بما وصفه "نقطة تحول" في إنهاء الحرب في غزة.
في المقابل، رفضت إسرائيل القرار، وعدَّت امتناع الولايات المتحدة عن استخدام حق النقض لإحباطه "تراجعًا عن سياستها في الأمم المتحدة "بما يضر المجهود الحربي الإسرائيلي وجهود إطلاق سراح الرهائن"، حسب بيان مكتب رئيس حكومة الاحتلال، "بنيامين نتنياهو"، الذي أعلن فيه إلغاء زيارة وفد رفيع المستوى إلى واشنطن "في ضوء تغيُّر الموقف الأمريكي"، حيث كان من المفترض مناقشة الهجوم البرّي المحتمل على رفح كما كان مقرّرًا بناءً على طلب الرئيس الأمريكي، "جو بايدن". وقال وزير الدفاع، "يوآف غالانت": "ليس لدينا مبرر أخلاقي لوقف الحرب ما دام يوجَد رهائن في غزة". وأما الوزير في مجلس الحرب، "بيني غانتس"، فقال إنه ليس للقرار "أية أهمية عملية لإسرائيل الملتزمة أخلاقيًّا بمواصلة القتال حتى إعادة المختطفين وإزالة التهديد الذي تمثله "حماس"". وقال وزير الخارجية، "يسرائيل كاتس"، إن "دولة إسرائيل لن تحاصر بالنار".
ترحيب دولي واسع
أثار القرار إشاداتٍ دوليةً وترحيبًا واسعًا، وقال الأمين العام للأمم المتحدة، "أنطونيو غوتيريش"، إنه "ينبغي تنفيذ هذا القرار.. إن الفشل سيكون أمرًا لا يغتفر".
ورحَّبت دول عربية بالقرار من بينها مصر وقطر والأردن والإمارات والسعودية ولبنان والعراق، إلى جانب ترحيب الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، به قائلًا إنَّ القرار "جاء متأخرًا".
وأشادت بالقرار إيران، وتركيا، والمكسيك، وكولومبيا، كما رحَّبت به فرنسا وألمانيا وإسبانيا، وعدَّت رئيسة المفوضية الأوروبية، "أورسولا فون دير لاين"، بأن تنفيذ القرار "حيوي لحماية كل المدنيين"، وشدد كبير المسؤولين عن السياسة الخارجية في التكتل، "جوزيف بوريل"، على ضرورة تنفيذه "على نحو عاجل من قبل كل الأطراف".
وقالت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا، التي قدمت عدة التماسات في الأشهر الأخيرة إلى محكمة العدل الدولية تتهم فيها "إسرائيلَ" بارتكاب "إبادة" في قطاع غزة، إن "الكرة باتت الآن في ملعب مجلس الأمن الذي ستُختبر قدرته على ضمان احترام القرار"، وسط ترحيب بالقرار.
وقالت منظمة العفو الدولية إنه "ينبغي عدم إضاعة أي لحظة"، ودعت "المجتمع الدولي إلى "وضع المناوراتِ السياسيةَ جانبًا وإعطاء الأولوية لإنقاذ الأرواح". وحضَّت "أوكسفام" الدول الأعضاء في مجلس الأمن على إبداء "قيادة أخلاقية.. وإنهاء المجزرة والمعاناة في غزة".
خاتمة
على الرغم من الترحيب الدولي بقرار مجلس الأمن الداعي إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة في رمضان، وعلى الرغم من ردود الفعل الإيجابية في معظمها وتشديد الأمين العام للأمم المتحدة على ضرورة تنفيذه، وفي ظلِّ ما أبداه "نتنياهو" من امتعاض من امتناع واشنطن عن استخدام "الفيتو" ضد القرار، وبناءً على تجارب سابقة مع قرارات مجلس الأمن الموجَّهة إلى "إسرائيل"، فإنه ليس من المرجَّح أن تذعن دولة الاحتلال أو تنفِّذ القرار، وقد سبق ولم تنفِّذ القرارات السابقة المتعلقة بالمساعدات، ولم تنفِّذ أكثر من سبعين قرارًا يتعلق بالضفة الغربية والجدار العازل.
وإلى جانب ما يحمله القرارُ من ضغط دولي على دولة الاحتلال، و"قرصة أذن" من الولايات المتحدة لطفلها المدلل العاقّ، بما سينعكس دون أدنى شكٍّ على سلوكها في قادم الجولات من المفاوضات وعلى أرض الواقع في حربها ضد قطاع غزة، بالسلب أو بالإيجاب على السواء، فإنه يمكن أن يكون القرار من الآن ولاحقًا ذريعةً قويةً للدول لاتخاذ إجراءات دبلوماسية ضد "إسرائيل" قد تصل إلى قطع العلاقات، أو وقف مبيعات الأسلحة لها، بعدما بعث القرار برسالة إلى العالَم تقول بأن "إسرائيل" أصبحت الآن أكثر عزلةً من أي وقت مضى.
[1] ميثاق الأمم المتحدة، الفصل السابع: فيما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان، الموقع الرسمي للأمم المتحدة، https://www.un.org/ar/about-us/un-charter/chapter-7.