رغم دخول اتفاق وقف إطلاق النار أسبوعه التاسع، تُظهر المعطيات الميدانية التي وثّقها برنامج الرصد والتوثيق في مركز عروبة للأبحاث والتفكير الاستراتيجي استمرار الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ انتهاكات واسعة ومنهجية في مختلف مناطق قطاع غزة.
وخلال الفترة الممتدة من 6 إلى 12 كانون الأول/ديسمبر 2025، سجّل التقرير 268 انتهاكًا، أسفرت عن استشهاد 18 فلسطينيًا وإصابة 56 آخرين، في مؤشر واضح على بقاء القطاع رازحًا تحت عدوان يومي مفتوح، وإن اتخذ أشكالًا أقل حدّة من حيث الوتيرة، لكنه مرتفع الأثر ميدانيًا وإنسانيًا.
المشهد الميداني: أسبوع من الضغط المتواصل
تعكس بيانات الرصد اليومية نمطًا ثابتًا من الاعتداءات المتكررة التي توزعت بين قصف مدفعي، وغارات جوية، وإطلاق نار مباشر، وتوغلات برية، وعمليات نسف واسعة للمباني السكنية.
وقد تركزت هذه الانتهاكات بصورة خاصة في المناطق الشرقية والشمالية من القطاع، حيث واصل الاحتلال التلاعب بمسار "الخط الأصفر" وإعادة رسم نقاط السيطرة الميدانية عبر وضع مكعبات إسمنتية صفراء، وإنشاء سواتر ترابية، وتثبيت نقاط عسكرية جديدة.
وشهدت غزة وخان يونس وشمال القطاع أعلى معدلات الانتهاكات، سواء من حيث عدد الشهداء والجرحى، أو كثافة القصف وعمليات النسف، ما يعكس استمرار الضغط العسكري على هذه المناطق ومنع عودة السكان إليها.
المؤشرات الرقمية: توصيف نوعي للأرقام
يوثّق التقرير خلال الأسبوع التاسع:
- 18 شهيدًا، بينهم نساء وأطفال.
- 56 جريحًا.
- 10 حالات توغّل بري.
- 43 عملية قصف مدفعي.
- 24 عملية نسف وتدمير لمبانٍ ومنشآت مدنية.
- 41 عملية استهداف مباشر.
- 76 حالة إطلاق نار.
268 انتهاكًا بالمجمل.
وتُظهر هذه الأرقام أن الاحتلال حافظ على معدل يومي يقارب 38 انتهاكًا، ما يؤكد أن التهدئة لم تُترجم إلى تراجع فعلي في السلوك العسكري على الأرض.
أنماط الانتهاكات: أدوات متعددة وعدوان متدرّج
القصف المدفعي والغارات الجوية: نفّذ جيش الاحتلال عشرات عمليات القصف المدفعي المكثف، استهدفت أحياء سكنية في غزة، وخان يونس، ورفح، ودير البلح، إلى جانب غارات جوية متكررة على المناطق الشرقية، ما أدى إلى سقوط شهداء وجرحى، وخلّف دمارًا واسعًا في المنازل والبنية التحتية.
التوغلات وإعادة رسم السيطرة: شهد الأسبوع التاسع توغلات متكررة لآليات الاحتلال في شرق خان يونس ودير البلح وجباليا، ترافقت مع أعمال تجريف وتخريب، وإقامة سواتر ترابية، ومحاصرة عائلات نازحة داخل مدارس إيواء، في مشهد يعكس سعي الاحتلال لفرض وقائع ميدانية جديدة.
عمليات النسف والتدمير: نفّذ الاحتلال عمليات نسف واسعة في أحياء التفاح والشجاعية وبيت لاهيا ورفح، شملت تفجير مربعات سكنية كاملة ومدرعات مفخخة داخل بنى حضرية، ما تسبب بدمار شامل وإخلاء قسري لمناطق إضافية.
إطلاق النار والاستهداف المباشر: وثّق برنامج الرصد عشرات حالات إطلاق النار من آليات الاحتلال والطائرات المسيّرة، بما فيها مُحلقات "كواد كابتر"، استهدفت منازل المواطنين وخيام النازحين، وأسفرت عن إصابات مباشرة، خاصة في جباليا، وبني سهيلا، ومواصي رفح.
الأثر الإنساني: نزوح متجدد وهشاشة المأوى
يتقاطع التصعيد العسكري مع تدهور الوضع الإنساني، لا سيما في ظل تأثيرات المنخفض الجوي، الذي أدى إلى انهيار جزئي وكلي لمنازل، وغرق مئات الخيام بمياه الأمطار. ويشير التقرير إلى أن منع الاحتلال إدخال المعدات الإغاثية والإنسانية فاقم من هشاشة أوضاع النازحين، وجعلهم أكثر عرضة للمخاطر، سواء نتيجة القصف أو الظروف الجوية القاسية.
كما سُجّلت حالات استشهاد وإصابة نتيجة مخلفات الاحتلال المتفجرة، ما يضيف تهديدًا دائمًا لحياة المدنيين، خصوصًا الأطفال.
خلاصة عامة: تهدئة بلا التزام
يخلص مركز عروبة إلى أن الانتهاكات الإسرائيلية خلال الأسبوع التاسع تؤكد أن الاحتلال لا يتعامل مع اتفاق وقف إطلاق النار كالتزام سياسي أو إنساني، بل كإطار يسمح له بإدارة عدوان متدرّج، يحافظ من خلاله على الضغط الميداني، ويمنع أي مسار حقيقي للتعافي أو الاستقرار في قطاع غزة.
يبين التقرير أن الأسبوع التاسع من وقف إطلاق النار لم يشهد تحسنًا ملموسًا في الواقع الميداني، بل استمر الاحتلال في انتهاكاته الواسعة التي أبقت القطاع رازحًا تحت عدوان يومي مفتوح، وأعادت إنتاج مفاعيل الحرب بأدوات متعددة، تمسّ حياة المدنيين ومقومات بقائهم بشكل مباشر.
للاطلاع على التقرير التفصيلي للانتهاكات، مرفق جدول الرصد