نفَّذت المقاومة مناوَرةً سياسيةً جريئةً ومفاجِئةً بالإعلان المباغِت عن الموافَقة على المقترَح المصري للتهدئة، دون توضيحات حول ما سبق وما أبدته كملاحظات على المقترَح، أو مصير التوضيحات التي طلبتها، فيما بات واضحًا أن المقاومة قد قررت الاعتماد على التعهدات التي قدَّمها الوسطاء والولايات المتحدة بشأن التوضيحات التي طلبتها خاصةً كون هذا الاتفاق يمثِّل أرضيةً ثابتةً لوقفٍ شاملٍ لإطلاق النار وإنهاءٍ لحرب الإبادة بحق قطاع غزة.
وضعَت المقاومةُ حكومةَ الاحتلالِ، وبشكل خاص رئيس وزرائها، "بنيامين نتنياهو"، في الزاوية عبر هذا الإعلان الذي تلا إعلان الاحتلال بدء عملية عسكرية في رفح والعمل على إخلاء شرقي المدينة من سكانها والنازحين فيها، وسط رفض دولي وتحذيرات متعددة من مغبة الإقدام على مثل هذه العملية، ورفض أمريكي لها بالصيغة الحالية.
الخيارات كلها صعبة بالنسبة إلى "نتنياهو"، فقد سبق وأعطى موافَقةً على المبادَرة الجديدة ارتباطًا بتقديرات محسومة بأن المقاومة لن تقبلها، فيما يُشكِّل القبولُ بها الآن معضلة، فإما أن يَمضي في مسار التهدئة ويخاطر بانهيار ائتلافه الحكومي، وإما أن يرفُض المضيَّ فيه ويخاطر بعدة أمور:
- تفكُّك مجلس الحرب.
- الصدام مع الولايات المتحدة التي تضغط بشدة من أجل الوصول إلى اتفاق وقد أشرَفَ رئيس المخابرات المركزية فيها على عملية الوصول إلى التوافقات الحالية.
- المخاطَرة بجلب مسار دولي يُفضي إلى قرارٍ مُلزِمٍ في مجلس الأمن توافِق عليه أو تمرِّرُه الولايات المتحدة.
- المخاطَرة بتصعيد الحراك الجماهيري لأهالي أسرى الاحتلال لدى المقاومة.
- منح مادة للمزيد من التصعيد الشعبي المتضامِن مع الشعب الفلسطيني، خاصةً الحراك في الجامعات الأمريكية وارتداداته في الجامعات الغربية.
الرد الذي أعلنه مكتب "نتنياهو" بشأن قرار الكابينيت يقول إنه ثمة "إجماع على مواصَلة العملية في رفح لممارسة الضغط العسكري على "حماس" من أجل تعزيز إطلاق سراح الرهائن وتحقيق الأهداف الأخرى للحرب". في الوقت نفسه، سوف ترسِل "إسرائيل" وفدًا مهنيًّا لاستنفاد إمكانية التوصل إلى اتفاق في ظل شروط "مقبولة لإسرائيل". إنها صيغة كسب للوقت للبحث عن مَخارِج، والتفاوض تحت النار من أجل تدارُك المأزق الذي بات الاحتلال عالقًا فيه، واستكشاف حجم الضغط الذي يتطلب من "إسرائيل" التعامل معه.
نجحت المقاومة في الحفاظ على تقدُّمها التفاوضي، واستطاعت تجنيد المعادلة الإقليمية والدولية لصالحها من أجل دفع الاحتلال إلى إيقاف حرب الإبادة المستمرة بحق الشعب الفلسطيني، فيما سيجيِّش التعنتُ الإسرائيليُّ العالَمَ ضدَّها، وسيتحوَّل المضيُّ في عملية رفح إلى عنوانٍ للاشتباك السياسي الواسع ما بين "إسرائيل" والمنظومة الدولية، بما يشمل الدول التي أمَّنَت التفويضَ الدوليَّ اللازمَ لشن الاحتلال حربَه بلا هوادة في خلال الأشهر السبعة الماضية.
سيسابِق جيشُ الاحتلالِ الزمنَ في خلال الساعات القادمة من أجل تحصيل إنجازات ميدانية، أو محاولة الوصول إلى هدف ثمين يَقلِبُ المشهدَ التفاوضيَّ ويَسمح لحكومة الاحتلال بالتهرب من الضغط الحالي، ما يتطلب حذَرًا شديدًا من جانب المقاومة، والتجهز للتعامل مع كل السيناريوهات.