يمثِّل حدثُ "مجدل شمس" نموذجًا للحدث الدرامتيكي الذي من الممكن أن يتدحرج إلى واقع حاولت كل الأطراف تلافي الوصول إليه، وتجنُّب الانزلاق إلى حرب إقليمية لن تتوقف نيرانها عند حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة ولبنان، بل تَحمِل في طياتها كل مشاعل إحراق المنطقة ولن يكون بمقدور أي طرف أن يحسم سلفًا طبيعة نتائجها ولا حدود ارتدادتها.
استثمر كل مكونات المشهد السياسي الصهيوني في الحدث، وانطلقت جوقة التهديدات التي في خلفيتها تَحمِل العديدَ من المآرب، فبالنسبة لزعماء "الصهيونية الدينية" تُعَدُّ هذه الفرصة الأمثلَ للضغط للذهاب إلى حرب واسعة لم يتوقفوا عن الدعوة إليها منذ السابع من أكتوبر 2023، بينما بالنسبة للمعارضة تمثِّل فرصةً للمزيد من الضغط والمزايدة على "بنيامين نتنياهو" واتهامه بمراكمة الفشل الأمني، في الوقت الذي حرص جيش الاحتلال ورئيس أركانه ووزير الحرب على الظهور بمظهر الذي يتحرك للدفاع عن "إسرائيل" قبل وصول رئيس وزراء الاحتلال إلى الأراضي المحتلة من زيارته للولايات المتحدة، وهو المشهد ذاته الذي حرص على ظهوره إبان الضربة العداونية على اليمن ردًّا على مُسيَّرة "يافا" التي ضربت "تل أبيب".
توعَّد الجميعُ برد كبير على "حزب الله" اللبناني، الذي بدوره نفى مسؤوليته عن الحدث (والحزب يمتلك تاريخًا من المصداقية في الإعلان والدقة في التنفيذ واختيار أهدافه)، إلا أنه في الخلفية يعلم جيش الاحتلال أن خوض مثل هذه المعركة سيُلحِق به هزيمة من الصعب تدارك حجمها وتأثيراتها، وذلك ارتباطًا بعدة اعتبارات، أهمها انعدام القدرة على التنبؤ بحجم وقوة القدرات الحقيقية للمقاومة في لبنان، ولا التنبؤ بحجم الإسناد الناري الذي سيحظى به الحزب من بقية مكونات محور المقاومة، إضافةً إلى العوامل الذاتية المرتبطة بإرهاق الجيش واستنزافه في القتال في قطاع غزة منذ أكثر من عشرة شهور، إضافةً إلى استنزاف القدرات التسليحية، وانعدام الانسجام مع المستوى السياسي، وكلها أسباب تجعل من فكرة خوض حرب واسعة ضد "حزب الله" اللبناني بالنسبة للجيش فكرةً غير واقعية وتنطوي عليها مغامرة كبيرة جدًّا، وهو ذاته ما يعيه تمامًا "نتنياهو" الذي يتعامل مع المواجهة مع الحزب بمنطق القتال على حافة الهاوية مع الحرص على عدم الانزلاق.
من المستبعَد أن يتجاوز الرد الإسرائيلي الاستهدافاتِ الواسعةَ لمقدرات المقاومة الإسلامية في لبنان مع استهداف بعض البنى التحتية في جنوب لبنان، مع تأكيد أن هذه الاستهدافات ستحظى بطابع استعراضي كبير ومرافقة إعلامية موسَّعة تستعرض "إسرائيلُ" في خلالها حجمَ الانفجارات وتزامنها استعراضًا دعائيًّا، مع مراعاة أن يلائم الرد قدرة "حزب الله" على احتوائه والعودة إلى قواعد الاشتباك السابقة.
سيساهم التصعيد الحالي، في كل الأحوال، في زيادة الفعالية الأمريكية، وكذلك تحفيز الوسطاء للمزيد من التحرك للوصول إلى اتفاق يضع حدًّا للحرب في قطاع غزة، ويجنِّب الجميعَ -وفي مقدمتهم الولايات المتحدة- التورطَ في الاحتمالات المتزايدة للانفجار الإقليمي الذي سيتحول إلى عامل فشل جديد للحزب الديمقراطي الأمريكي المقبُلِ على موسم انتخابي صعب جدًّا، والذي تحاول فيه المرشحة المحتملة "كاميلا هاريس" تجنُّبَ أن ترِث الفشل والنقمة التي سببتها سياساتُ الرئيس الحالي، "جو بايدن".