الرئيسية| قراءة تحليلية| تفاصيل الخبر

رأي الخبراء

|رأي الخبراء| تصاعُد التوترات في الشرق الأوسط: هل تجرُّ الضربات الإسرائيلية المنطقةَ نحو حرب إقليمية؟

12:45 م،26 سبتمبر 2024

برنامج الانتاج المعرفي

في ظل التصعيد المتواصل بين "إسرائيل" وحزب الله، ومع استمرار الاحتلال في اتباع استراتيجية "الضغط الأقصى" على محور المقاومة، تتزايد المؤشرات إلى احتمالية التدحرج إلى حرب إقليمية شاملة. يستعرض الخبراء رؤاهم حول مسار الأحداث وتأثيرها على المنطقة، بدءًا من معادلات الاشتباك الحالية، مرورًا بإمكانية مشاركة الولايات المتحدة في الصراع، وصولًا إلى تأثير هذه التطورات على قطاع غزة والجبهات الأخرى.


وقد استُعرِضت هذه الآراء من خلال المحاور والأسئلة التالية:

  • في ضوء الضربات الإسرائيلية الأخيرة، هل سيبقى حزب الله محكومًا لمعادلات الاشتباك السابقة في ظل استمرار الاحتلال في سياسة الضغط الأقصى والضربات وفق استراتيجية على حافة الحرب؟
  • هل نحن أمام مسار يقود لاندلاع حرب إقليمية في المنطقة؟ وهل يمكن التنبؤ بحدود تأثير هذه الحرب على مختلف الأطراف في المنطقة؟
  • ما تقدير حجم الانخراط الإقليمي في حال توسع الاشتباك الحالي بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي؟ وهل يمكن أن تشارك الولايات المتحدة مشاركةً مباشرةً في المواجهة مع حزب الله، أم سيكون الأمر منوطًا بإمكانية المشاركة الإيرانية من عدمها في الاشتباك؟
  • هل ستتقيد خيارات الولايات المتحدة العسكرية مع دنو الانتخابات الأمريكية، أم أن الانتخابات لن تُشكِّل عائقًا أمام الالتزام الأمريكي بأمن دولة الاحتلال؟
  • كيف يؤثر نقل ثقل العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى شمال فلسطين المحتلة على واقع العدوان على قطاع غزة؟


ويمكن تلخيص آراء الخبراء بما يلي:

المقاومة الفلسطينية والضربات الإسرائيلية:

  • منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، نفذت المقاومة الفلسطينية عملية عسكرية مفاجئة في الأراضي المحتلة، ما أثار احتمالات نشوب حرب إقليمية.
  • نفَّذت "إسرائيل" ضربات نوعية تستهدف تنظيمات المقاومة، وتسعى إلى تعديل معادلة الاشتباك مع حزب الله، لكنها ما تزال تحاول تجنب حرب إقليمية واسعة.
  • الحرب الإقليمية ليست وشيكة بسبب حاجة "إسرائيل" إلى دعم أمريكي، وتفضِّل الولايات المتحدة تجنُّب الصراع بسبب تأثيراته المحتملة على الاقتصاد العالمي ومصالحها الإقليمية.

التصعيد بين "إسرائيل" وحزب الله:

  • وسَّع حزب الله نطاق استهدافه ليشمل مناطق أوسع، لكنه لا يسعى إلى الوصول إلى حرب شاملة، وكانت "إسرائيل" تضغط لمنعه من الرد.
  • يتمسك حزب الله بقواعد الاشتباك، ولا يتسرع في اختراقها وتوسيع درجاتها على الرغم من حجم الهجوم الذي شنه جيش الاحتلال.
  • دفع التصعيدُ المتواصلُ حزبَ الله للرد تدريجيًّا، ومن الممكن أن يتطور ردُّه ليصبح أكبر في المستقبل، ما يعزِّز احتمالية تصاعد الأمور إلى حرب أوسع في المنطقة.
  • ثمة احتمالية كبيرة لحرب إقليمية في المستقبل نتيجةً لتدحرج الأحداث، وليس كقرار مسبق لدى الأطراف المختلفة، إذ تتنافس قوى المقاومة و"إسرائيل" على حسم الصراع، لكن كلا الطرفين يحاولان تجنُّب الحرب المفتوحة حاليًّا.

الولايات المتحدة ودورها في الحرب:

  • تشارك الولايات المتحدة بالفعل في التصعيد، لا بصفتها ممولًا وداعمًا، بل من خلال وجود عسكري داخل "إسرائيل".
  • تدخُّل الولايات المتحدة في الحرب مرتبط بالدفاع عن صورتها الإقليمية، إذ تَعدُّ هزيمة "إسرائيل" بمثابة هزيمة لنفوذها في المنطقة.
  • على الرغم من رغبة أمريكا في تجنُّب تصعيد كبير قبل الانتخابات، فإنها لن تتمكن من تجاهل اندلاع حرب شاملة، وستضطر إلى التدخل إذا تطورت الأمور تطوُرًا كارثيًّا.

إيران ودور محور المقاومة:

  • من غير المتوقع أن تدخل إيران دخولًا مباشرًا في الحرب، لكنها ستواصل دعم حلفائها في المنطقة ماليًّا ولوجستيًّا.
  • سيواصل محور المقاومة استنزاف "إسرائيل" تدريجيًّا دون الانجرار إلى مواجهة مباشرة وشاملة.
  • تبقى احتمالية التصعيد الإقليمي قائمة، خاصة إذا استمرت العمليات العسكرية من قبل "إسرائيل" ضد حزب الله ومحور المقاومة.
  • العدوان على غزة والجبهات المتعددة:
  • ستستمر الحرب في غزة، لكن بأساليب جديدة، إذ ستعتمد "إسرائيل" اعتمادًا أكبر على القصف الجوي وتقليص الاجتياحات البرية.
  • مع تحول التركيز العسكري الإسرائيلي إلى الجبهة الشمالية، قد يشهد قطاع غزة تخفيفًا في الضغط العسكري، ما قد يتيح للمقاومة هناك مزيدًا من القدرة على الصمود.
  • قد يؤدي أي تصعيد في الجبهات الأخرى إلى فتح جبهات جديدة ضد "إسرائيل"، ما يزيد من تعقيد الموقف العسكري ويضعها في مأزق أكبر.


وفيما يلي آراء الخبراء

د.أشرف بدر/ خبير في الشأن الإسرائيلي

يبدو أن حزب الله حريص على الامتناع عن كسر المعادلات القائمة. استهدف الردُّ الذي حدث مواقع عسكرية فقط، ولم يستهدف بنى تحتية أو أي موقع مدني، وبالتالي عاد إلى قواعد الاشتباك والمعادلة السابقة ذاتها. من الممكن أن يزيد من نطاق الاستهداف، باستخدام صواريخ يتجاوز مداها 50 كم، ما أدى إلى اتساع دائرة المناطق المستهدَفة، وأصبح نصف مليون إسرائيلي تحت نيران حزب الله. اليوم، نزل في الضربة الأولى نحو خمسمِائة ألف إسرائيلي إلى الملاجئ بفعل الرشقات الصاروخية.

من الصعب التنبؤ بالمستقبل، لكن يمكننا استشرافه بناءً على بعض المعطيات والتصريحات. يبدو أن لدى "إسرائيل" قرار واضح بإبعاد حزب الله عن الحدود، سواءٌ عبر الحرب أو السلم، ترغيبًا أو ترهيبًا، سواءٌ من خلال الأدوات السياسية عبر المبعوث الأمريكي أو من خلال الحرب. إذا اضطروا إلى دخول بري، فأعتقد أنهم سيدخلون لإجبار حزب الله على الانسحاب إلى ما بعد نهر الليطاني. أصبح هذا الهدف جزءًا مركزيًّا من الحملة العسكرية، إذ يَعدُّونه أحد أهداف الحرب، معبَّرًا عنه بعودة سكان الشمال إلى العيش بأمان. والفكرة الأساسية هنا تتمثل بإبعاد حزب الله عن الحدود لتأمين العيش الآمن لسكان الشمال.

فعليًّا، الحرب قائمة بالفعل. استهداف خمسة آلاف شخص في ضربة لاسلكية بمثابة إعلان حرب واضح وصريح. أن القوات البرية لم تدخل لا يعني أن الحرب غير قائمة، فهذا غير صحيح. الحرب قائمة، وإذا استمر حزب الله في التمسك بموقفه الداعم لغزة ومساندتها، واستمرار حالة الاستنزاف، فمن المتوقع أن تتدحرج الأمور نحو اجتياح بري.

لن تدخل إيران دخولًا مباشرًا. ستستمر في تقديم الدعم المالي واللوجستي، لكن ثمة تدخل من قوى محور المقاومة المرتبط بإيران، مثل حركات المقاومة في العراق وحركة أنصار الله. وقد رأينا ذلك في ضربات المسيَّرات العراقية. لذلك، أستبعد أن تنخرط إيران في حرب مباشرة، لأنها تملك مشروعًا نوويًّا، وكما صرَّح نصر الله، لا تريد إيران الوصول إلى حرب مع "إسرائيل" في هذه المرحلة على الأقل.

بالنسبة إلى الولايات المتحدة، لا أعتقد أنها ستشارك مشاركةً مباشرةً طالما أن حزب الله اللاعب الأساسي في الصورة. لا توجد حاجة لذلك. أتوقع أن تبقى الأمور ضمن المستوى الحالي. الولايات المتحدة ليست معنية بحرب شاملة، لكنها ستظل تساند "إسرائيل" بوصفها حليفًا استراتيجيًّا ولن تتخلى عنها. يبدو تدخل الولايات المتحدة المباشر مستبعدًا، إلا إذا كان ثمة رد عسكري كبير، مثل ضربة إيرانية. لكنها لن تكون مشاركة على الأرض في اشتباكات برية، خاصةً في ظل موسم الانتخابات.

وأما العدوان على غزة، فمن المتوقع أن يستمر لكن بأشكال مختلفة. سيستمر عبر الطيران مثلما يحدث في الفترة الأخيرة، مع تقليص الاجتياحات البرية والتركيز على القصف الجوي، بما في ذلك استهداف خيم النازحين وبعض المنازل. هذا شكل المواجهة القادم، مع تخفيف تواجد القوات البرية وتركيز الجهد العسكري على الجبهة الشمالية.


عبد الرحمن نصار/ مدير قسم الشؤون الفلسطينية في قناة الميادين

لا شك في أن معادلات الاشتباك ما تزال على حالها، وأن حزب الله لم يغيِّر من فكرة الدعم، إذ يظل تركيز الحرب في قطاع غزة، ويَعدُّ نفسه جبهة إسناد. أعلن حزب الله أكثر من مرة على لسان أمينه العام، حسن نصر الله، أنه دخل مرحلة جديدة، كان ذلك أولًا بعد اغتيال فؤاد شكر وإسماعيل هنية، ثم مرة ثانية بعد الضربة الكبيرة لأجهزة الاتصالات، وما تلاها من عمليات اغتيال. لكن الاغتيال الثاني يرتبط بالأول، فهو جزء من نفس التصعيد الذي يشير إلى رفع سقف المواجهة، لا إلى حرب مفتوحة أو بلا سقف، إذا أردنا استخدام التعبير الدقيق.

يمكن القول إن كل شيء يجري الآن على "حافة الحرب"، فالأمر يتعلق بمجموعة من المعارك ذات سقوف مختلفة، لكن كلا الطرفين يحاذر الوصول إلى حرب مفتوحة. ربما تكون "إسرائيل" أقل حذرًا من حزب الله في هذا السياق، وذلك يعود إلى الفارق في موازين القوى. لم يدَّعِ حزب الله يومًا أن موازين القوى قد تغيرت كليًّا، فهو لا يمتلك أسلحة الردع النووية أو الكيميائية أو البيولوجية، ولا حتى سلاح الطيران، بينما تملك "إسرائيل" هذا التفوق النوعي بفضل الدعم الغربي المستمر. نحن نتحدث عن قاعدة عسكرية غربية متقدمة في المنطقة، لا مجرد دولة.

تتعلق النقطة الأساسية هنا برغبة "إسرائيل" في حسم كل ما تَعدُّه تهديدًا لها، خاصةً أن ثمة أحداثًا مثل السابع من أكتوبر وأسر 250 جنديًّا، وتجنيد الجيش، واقتصاد الحرب، لن تتكرر يوميًّا. لذا، دخلت "إسرائيل" في هذه المواجهة وتسعى إلى إنهاء كل شيء. لا ننسى أن "إسرائيل" لا تتردد في إراقة الدماء، على عكس حزب الله وحركات المقاومة التي هدفها الدفاع، لا الهجوم أو الاستعمار، فهم ليسوا قتلة أو جزارين.

نحن ما نزال على "حافة الحرب"، لكن هل نحن على مسار يقود إلى اندلاع حرب إقليمية؟ لا شك في أن حربًا بلا سقف ستفتح الباب أمام حرب إقليمية واسعة، تشارك فيها اليمن وإيران مشاركةً مباشرة. هذا متصل بسلسلة حسابات معقدة، ولذلك يحاول محور المقاومة تجنُّب هذا السيناريو، ويعتمد على استنزاف "إسرائيل" وتسجيل النقاط، بدلًا من توجيه الضربة القاضية.

من الممكن أن تَسقط "إسرائيل" بالضربة القاضية، لكن ذلك سيأتي بثمن باهظ، يتمثل بدمار شامل للبنان وسوريا، وربما تصعيد أكبر ضد اليمن وإيران. نحن نواجه قوى شريرة، ولن تتردد الولايات المتحدة في استخدام السلاح النووي إذا استدعى الأمر ذلك. علينا أن نتذكر أن الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي استخدمت هذا السلاح، ولم تتردد في ذلك. لذلك، يجب التعامل بحذر شديد، لأن رأس مالنا الأساس شعوبنا. معركتنا معركة حق، ونسعى إلى استعادة أرضنا، لا إلى الهيمنة أو التوسع.

تَعدُّ الولايات المتحدة نفسها رادعًا لمشاركة واسعة من حزب الله في حرب مفتوحة، إلى جانب إيران وأطراف أخرى. لا شك في أن الولايات المتحدة ستشارك في حال اندلاع الحرب، فقد لاحظنا وجود حاملات الطائرات منذ اليوم الأول قبل حتى أن يتدخل حزب الله تدخُّلًا واسعًا. بالنسبة إلى الولايات المتحدة، لا تمثل غزة شيئًا كبيرًا، لكنها أرسلت حاملات طائراتها إلى المنطقة لمنع الأطراف الأخرى من المشاركة. بسبب "الجنون الإسرائيلي"، ثمة احتمالية كبيرة بأن تدخل إيران لحماية لبنان وسوريا وأمنها القومي، ما يعني دخول الولايات المتحدة والدول الأوروبية في الحرب، وهذا سيؤدي إلى ملحمة كبيرة في المنطقة.

لا يستوعب مَن يطالبون بالرد السريع السيناريو الكارثيَّ الذي قد يتبع ذلك، فهذه الحرب ستكون كارثية على الجميع، بما في ذلك دول مثل مصر والأردن، التي ستشهد انهيارًا اقتصاديًّا وتبعات لا يمكن لأحد تصورها.

لا تمثِّل الانتخابات الأمريكية عائقًا كبيرًا، لأن الولايات المتحدة دولة مؤسسات، ويعمل جيشها بطريقة مهنية وتقنية. يصادق الرئيس على بعض الأوامر، لكن النظام يستمر بوجوده أو بعدم وجوده. يتعلق القلق الأساسي باندلاع حرب تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، ما قد يؤثر على قرارات الناخبين. لكن في حال اندلعت الحرب، ستُوضَع الحسابات الانتخابية جانبًا، لأن الالتزام الأمريكي تجاه "إسرائيل" أعمق من ذلك.

بالنسبة إلى تأثير التصعيد على قطاع غزة، ستستمر المجازر هناك. تَعدُّ "إسرائيل" غزة صغيرة نسبيًّا وأنه يمكن التعامل معها بفرقة أو فرقتين عسكريتين، بينما تُخصِّص بقية القوات للضفة الغربية والجبهة الشمالية. ستكون المشكلة الكبرى بالنسبة إلى "إسرائيل" في حال اشتعلت الضفة الغربية، ما قد يفتح عليها جبهة إضافية ويزيد من تعقيد الموقف.


عبد الجواد حمايل/ كاتب وباحث

منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وخاصةً منذ اللحظة التي اتخذت فيها المقاومة الفلسطينية قرارها بتنفيذ عملية عسكرية معقَّدة ومفاجئة في الأراضي المحتلة عام 1948، واستطاعت تحقيق إنجازات على المستويين النفسي والمادي في مواجهة دولة الاحتلال، باتت الحرب الإقليمية تلوح في الأفق. كان أحد الإنجازات المهمة لهذه المقاومة أنها للمرة الأولى منذ العام 1973 تجر المنطقة بأكملها إلى حالة اشتباك عسكري بين القوى المتصارعة على الهيمنة في المنطقة، من محور المقاومة ودولة الاحتلال وحلفائها.

في الأسبوع الماضي، نفَّذت دولة الاحتلال ضربات نوعية ومعقدة من الناحية العسكرية، تتجاوز المستوى التكتيكي وتهدف إلى إحداث صدمة في التنظيمات المعادية، وضرب البيئة الاجتماعية والتنظيم العسكري لها، بالإضافة إلى استهداف القيادات. يمكن القول إن دولة الاحتلال بدأت تصعيدًا تدريجيًّا ضمن استراتيجية تهدف إلى فرض أثمان باهظة على حزب الله، مقابل عمليات الدعم التي استمرت أحد عشر شهرًا، والتي لم تتمكن من إعادة المستوطنين. تسعى هذه الاستراتيجية إلى تغيير معادلة الاشتباك التي فرضتها المقاومة، لكن حتى الآن، يمكن القول إن الحرب الإقليمية ما تزال بعيدة.

ومع ذلك، فإن نوعية الضربات التي شنتها مؤخرًا تشير إلى أن الاحتلال لا يكتفي بالتصعيد التدريجي فقط، بل يُهيِّئ لضربات أوسع، من شأنها إحداث زعزعة في الثقة واهتزاز في معنويات البيئة المؤيدة للمقاومة. يبدو أن دولة الاحتلال تسعى إلى مواجهة أوسَع قد تجر إليها الولايات المتحدة أيضًا.

ثمة احتمالان قائمان، فإما أن تسعى دولة الاحتلال إلى فك ارتباط جبهة الدعم في لبنان عن غزة، ما قد يتسبب بخسائر اقتصادية كبيرة لها، ويؤثر على قدرة المجتمع الإسرائيلي على تحمل ضربات صاروخية قد تستهدف المراكز الحيوية فيها، وإما إمكانية استمرارها في توجيه عمليات نوعية وناجحة على المستوى الاستخباراتي، تستهدف قياداتِ حزب الله أو بنيته التنظيمية التي استثمر فيها الاحتلال في خلال السنوات الماضية. يجب الإشارة هنا إلى أن دولة الاحتلال استثمرت مجهودًا هائلًا في اختراق حزب الله وفهم بنيته التنظيمية فهمًا أعمق، خاصةً بعد هزيمة 2006، وهو ما نراه اليوم في الضربات المتتالية والمتصاعدة التي تستهدف الضاحية وقيادات المقاومة.

على الرغم من كل ذلك، تبقى الحرب الإقليمية احتمالًا بعيدًا لعدة أسباب، منها حاجة دولة الاحتلال إلى دعم أمريكي متواصل لخوض حرب ضد محور المقاومة. لا ترغب الولايات المتحدة بدورها في خوض حرب إقليمية في الوقت الحالي، لأسباب تتعلق بالاقتصاد العالمي، خاصةً فيما يتعلق بتأثيرات الحرب على أسعار النفط وغيرها من التداعيات الاقتصادية الكبيرة.

يبقى السؤال: هل سيستوعب حزب الله هذه الضربات ويحافظ على نسق عملياته دون تصعيد، أم سيرد بتصعيد أكبر؟ في كلا الحالتين، سيستمر الاحتلال في استهداف القيادات ومحاولة زعزعة ثقة الحزب، سواءٌ رد الحزب أو لم يرد.

على الرغم من تجنُّب دولة الاحتلال المخاطرة بخوض حرب شاملة في الفترة الحالية أو الأسابيع الماضية، فإن هذه التحركات تشير بوضوح إلى أنها تهيئ الأجواء، وتحضر التربة لخوض حرب كهذه في ظروف أكثر ملاءمة. قد يدفع نجاح هذه الضربات وتصعيدها الاحتلالَ إلى الاعتقاد بأنه قادر على خوض الحرب والخروج منها منتصرًا. السؤال الذي يواجه حزب الله اليوم: هل ستدفع "إسرائيل" ثمنًا باهظًا على عملياتها، أم سيبقى الحزب على الوتيرة ذاتها دون المخاطرة بتصعيد أكبر؟ بتعبير آخر، هل تمنح هذا العدو الثقة الأكبر لأن ينفِّذ المزيد من العمليات إما الاستخباراتية والأمنية والصادمة على مستويات مختلفة، أم تدفعه الثمن وبالتالي ثمن يحتمل ردعه عن تنفيذ عمليات أخرى أو ثمن محتمل يدفعه إلى تنفيذ عمليات أوسع وأكثر شراسة في ظل نهمه ورغبته الانتقامية المتصاعدة منذ انهيار جدرانه في السابع من تشرين الأول/أكتوبر.


عماد أبو عواد/ المختص في الشأن الإسرائيلي ومدير مركز القدس للدراسات

لن يبقى حزب الله محكومًا بمعادلات الاشتباك السابقة، والدليل على ذلك يتمثل بتوسيع نطاق استهدافه هذا ليصل إلى حدود حيفا أولًا، ثم منح المقاومة غطاءً أوسَع ليشمل الأراضي المحتلة كلها. هذا يعني أن حزب الله لا يسعى إلى الوصول إلى حافة الحرب، ولا ترغب "إسرائيل" بدورها في ذلك أيضًا. يمكن القول إن "إسرائيل" كانت تضغط على حزب الله لمنعه من التفكير في الرد، لكنها فوجئت بأن هذا الضغط العسكري أدى إلى تحفيز حزب الله على ضرورة الرد، ليس فقط من جانبه بل من قبل اللبنانيين كلهم، وأيضًا من أطراف محور المقاومة.

لو كانت الهجمات الإسرائيلية متقطعة، بمعنى تنفيذ تفجير واحد في يوم، ثم اغتيال بعد أسبوعين، لربما ترددت المقاومة في الرد. لكن التصعيد المتواصل دفع حزبَ الله للرد بهذه الطريقة، والذي وصفه الحزب بأنه رد مبدئي وجزئي، ما يعني أن الرد الكامل قد يكون أكبر في المستقبل.

تتمثل المعادلة الآن بزيادة مساحة الاستهداف من كلا الطرفين. على الرغم من أن الاستهداف الإسرائيلي أعمق وأثقل على لبنان، فإن حزب الله يوازيه بردود تُعدُّ جيدة، ما يعني أن معادلة الردع ما تزال قائمة. بالنسبة إلي وإلى كل المراقبين، النقطة المهمة تتمثل بأن حزب الله يساهم إسهامًا جديًّا في استنزاف القوة الإسرائيلية، ما يدفع "إسرائيل" إلى التفكير مليًّا في حسم هذا الملف، سواءٌ من خلال حرب طويلة الأمد أو من خلال تسوية سياسية معينة.

مسألة الحرب الإقليمية ليست "هل"، بل "متى". هل ستكون في خلال الفترة المقبلة القليلة، أم قد تتأخر الحرب سنوات، لأن الواقع على الأرض يشير إلى أمرين، ثمة تنامٍ لمشروعين متناقضين في المنطقة بدرجة كبيرة، مشروع المقاومة الذي يريد الخلاص من الاحتلال، ومشروع إسرائيلي بات يريد حسم الصراع، كانت "إسرائيل" تمارس الضغط الناعم الاستيطاني أو حتى على الفلسطينيين، كان المشروع هناك يتكئ على احتمالية للتسوية دون إثارة البلبلة، كان المشروع يسير عمليًّا، لكن الإسرائيلي كان يريد حسم الصراع والذي سيقابل برد فعل الفلسطينيين، والذي بدأ فعليًّا وتوسَّع إلى أطراف أخرى في الإقليم، وما تنفِّذه "إسرائيل" من ضربات موجعة، دفعت الأطراف إلى رد الاعتبار وجدوى وجود محور المقاومة. وبالتالي الصيرورة النهائية للأحداث تتمثل بالوصول إلى حرب، والتي ستحدد ملامحها تطورات الأحداث.

بالنسبة إلى الولايات المتحدة فإنها تشارك بالفعل في هذه الحرب على غزة. الولايات المتحدة ليست مجرد متفرج أو داعم مالي فحسب، بل تقود العمليات على الأرض، وثمة تواجد عسكري أمريكي في داخل "إسرائيل"، وقيادات عسكرية وازنة شاركت عبر قوات "دلتا". وبالتالي، إذا اندلعت حرب إقليمية، فمن المؤكد أن الولايات المتحدة ستقود المرحلة قيادة كاملة.

تتجاوز المسألةُ بالنسبة إلى الولايات المتحدة مجرد الدفاع عن "إسرائيل". يتعلق الأمر بالدفاع عن صورتها في المنطقة، لأن هزيمة "إسرائيل" تعني هزيمة للنفوذ الأمريكي، وتراجع "إسرائيل" يعني تراجع قيمة السلاح الأمريكي في المنطقة. لذلك، يجب أن ندرك أن الولايات المتحدة ستكون العنصر الأكثر تأثيرًا، سواءٌ دخلت إيران الحرب أو لم تدخل.

أمريكا حريصة أكثر من "إسرائيل" نفسها على ألَّا تقع حرب كبيرة قبل أو في خلال الانتخابات الأمريكية، فهي تسعى إلى تمرير الانتخابات بهدوء دون تعقيد الحسابات. لكن إذا تصاعدت الأمور نحو حرب شاملة، فلن تتمكن الولايات المتحدة من تجنُّبها، حتى لو أثَّر ذلك على حساباتها الانتخابية. يتجاوز الالتزامُ الأمريكيُّ تجاه "إسرائيل" الانتخابات، وكلما زاد هذا الالتزام زادت فرص تحقيق مكاسب انتخابية في داخل أمريكا.

أما بالنسبة إلى غزة، فإن الجبهة الشمالية غير منفصلة عن غزة. تعاني "إسرائيل" من نقص في العتاد والأفراد، وتحويل الثقل إلى الشمال سيخفِّف الضغط عن غزة. وربما نشهد مفاجآت من غزة للقوات الإسرائيلية، خصوصًا في محور صلاح الدين. قد يؤدي اندلاع الجبهة اللبنانية إلى تحفيز جبهات أخرى، ما سيضع "إسرائيل" في موقف أكثر صعوبة. قد تجد جبهة غزة نفسها، على الرغم من الضغوط، أكثر قدرة على الصمود والتحدي في ظل هذه التطورات، خاصةً إذا شعرت بأن الجميع يتشارك معها في مواجهة الاحتلال.