الرئيسية| قراءة تحليلية| تفاصيل الخبر

كيف ينعكس المشهد الإقليمي والدولي على احتمالات التهدئة في قطاع غزة

رأي الخبراء| التوازنات الدقيقة: مستقبل غزة بين الهدنة المؤقَّتة والترتيبات السياسية

03:18 م،15 ديسمبر 2024

برنامج الانتاج المعرفي

قلَّص الاتفاق الأخير مع لبنان لوقف إطلاق النار أوراقَ القوة التي كانت ترتكز إليها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، لكنه في الوقت ذاته طرح تساؤلات حول إمكانية الوصول إلى هدنة مؤقتة تُوازِن بين الضغوط الدولية والإسرائيلية وبين الحاجة الفلسطينية لعدم منح الاحتلال تنازلات نوعية، خصوصًا أن القبول اللبناني بتهدئة مجزَّأة يفتح الباب أمام إمكانية تكرار النموذج في القطاع.

في هذا السياق، تعتمد هذه المادة، من إعداد مركز عروبة للأبحاث والتفكير الاستراتيجي، على تحليلات ثلاثة خبراء في الشأن الفلسطيني والإسرائيلي: عادل شديد، ومحمد هلسة، وساري عرابي. تستعرض المادة رؤية كل منهم حول تأثير التحولات الإقليمية والدولية، والضغوط الميدانية والسياسية على المقاومة الفلسطينية، إضافةً إلى تحليل موقف حكومة بنيامين نتنياهو من إمكانية التوصل إلى تهدئة أو ترتيبات سياسية، في ظل الانقسامات الداخلية والتحديات الخارجية.


وقد استُعرِضت هذه الآراء من خلال المحاور والأسئلة التالية:

  • هل يمكن أن يُشكِّل الاتفاق في لبنان مدخلًا لقبول المقاومة الفلسطينية بفكرة الحلول المرحلية للتهدئة دون انسحاب كامل لجيش الاحتلال من قطاع غزة؟
  • كيف يُسهم الاتفاق الفلسطيني الداخلي على شكل وطبيعة ترتيبات الحكم في قطاع غزة في تقليص المسافات للوصول إلى صفقة، أو أنه لا يُسهم؟
  • هل من عوامل قد تؤدي إلى تغيير في موقف نتنياهو من الذهاب إلى اتفاق؟
  • هل يمكن أن نشهد اتفاقًا قبل وصول إدارة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وإلى أي مدى يمكن قياس دقة الاخبار التي تتحدث عن تنسيق بين إدارتَي بايدن وترامب بخصوص التهدئة في الشرق الأوسط؟
  • ما المطلوب من المقاومة تفاوضيًّا في هذه المرحلة؟


ويمكن تلخيص آراء الخبراء بما يلي:

يشير الخبراء إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان أدى إلى تعزيز حرية المناورة العسكرية والسياسية لـ"إسرائيل" ضد غزة، ما زاد الضغط على المقاومة الفلسطينية.
في هذا السياق، يُعَدُّ التوصل إلى هدنة مؤقتة احتمالًا قائمًا، لكنه يتطلب توازنًا بين شروط المقاومة والضغوط الإسرائيلية والأمريكية.

يشدِّد الخبراء على أهمية توحيد الصف الفلسطيني، إذ يُمكن للتفاهمات الداخلية أن تقوِّيَ الموقف الوطني وتحدَّ من التدخلات الإسرائيلية، مع التركيز على إدارة قطاع غزة بطريقة تمنَع الفوضى أو الفراغَ السياسي.

بالنسبة لموقف "إسرائيل"، يُرَجَّح أن تؤثِّر الضغوط الأمريكية، الداخلية منها والخارجية، على خيارات نتنياهو، خصوصًا في ظل تراجع الدعم الشعبي الإسرائيلي للحرب وزيادة النقاش حول الأسرى الإسرائيليين. ومع ذلك، يظل أي تقدم نحو وقف إطلاق النار رهينًا بتغيرات داخلية وإقليمية.

وفيما يتعلق بالمقاومة، فإن الخبراء يرون ضرورة الحذر والمرونة المشروطة بخطوات عملية من الجانب الإسرائيلي، مع تأكيد أهمية التنسيق الفلسطيني الداخلي لمواجهة التحديات السياسية والعسكرية الراهنة.



عادل شديد/ باحث فلسطيني مختص بالشأن الإسرائيلي

لا شك في أن الاتفاق مع لبنان لوقف إطلاق النار أثَّر تأثيرًا كبيرًا على جبهة غزة، فقد أفقدها أهم ساحة إسناد وأقوى جبهة دعم ومساندة. منح هذا الاتفاق الاحتلال الإسرائيلي إمكانيات جديدة وهامشًا أوسع للتفرغ العسكري والسياسي والأمني تجاه غزة. في المحصلة، أضعف هذا الوضع المقاومة وزاد الضغط عليها. لكن هل من الممكن أن تقبل المقاومة بالشروط الإسرائيلية؟ من الصعب تصور ذلك، إذ لا يُعقل أن يقبل أي فلسطيني بصفقة تُبقِي على استمرار الحرب. وأما فيما يتعلق بهدنة لمدة شهرين أو ثلاثة يجري في خلالها إطلاق سراح جزء من الأسرى الإسرائيليين، فذلك يظل احتمالًا واردًا لكنه غير مؤكد.

يمكن أن يعزِّز أي اتفاق داخلي فلسطيني الموقفَ التفاوضيَّ الفلسطينيَّ ويقوِّي الشروطَ الفلسطينية، كما أنه يُساهم في مواجهة الانقسام الفلسطيني الداخلي وإضعافه، ما يُمكِّن الموقف الفلسطيني من أن يكون أكثر تأثيرًا وأن يُشكِّل رافعة جديدة لإيصال الخطاب الفلسطيني بصورة موحدة إقليميًّا ودوليًّا، مع قطع الطريق على الادعاءات الإسرائيلية المتعلقة بما يسمى "اليوم التالي."

العوامل المؤثرة على موقف نتنياهو:

أحد أهم العوامل التي قد تُغيِّر موقف بنيامين نتنياهو تجاه اتفاقيةٍ ما هو الموقف الأمريكي. يعتمد الموقف الأمريكي، بدوره، على الضغوط الرسمية والشعبية العربية. لكن، حتى اللحظة، لا توجد مواقف عربية رسمية أو شعبية تُمارِس ضغطًا كافيًا على الإدارة الأمريكية، سواءٌ الحالية أو القادمة، أو حتى على المواقف الغربية الأخرى. وبالتالي، لا يمكن توقُّع تغيير جذري في الموقف الأمريكي إلا إن قدَّم ترامب وعودًا انتخابيةً للجاليات العربية والإسلامية بوقف الحرب على غزة.

العامل الثاني الضغط الداخلي على نتنياهو. يمتلك الجيش الإسرائيلي، على الرغم من ضغوطه، قدراتٍ محدودةً في هذا السياق. ومع ذلك، إن تحوَّل الرأي العام الإسرائيلي، الذي أشارت استطلاعات إلى أن 71% منه يعارِض الحرب، إلى حركة احتجاج شعبية واسعة في الشوارع، فقد يُحدِث ذلك تغييرًا ملحوظًا. يعتمد نتنياهو في سياساته على شرعيتين أساسيتين: داخلية وخارجية، وفي حال فقدانه لهما، سيتغير موقفه بالتأكيد، كما قد تتغير مواقف شركائه في الحكومة.

الهدنة مقابل وقف إطلاق النار:

من الممكن أن نشهد اتفاقًا على هدنة، لكن ليس على وقف إطلاق نار دائم بالشروط المطروحة حاليًّا. قد يؤدي تنفيذ وقف إطلاق النار بالشروط الحالية إلى انهيار الحكومة الإسرائيلية، وهو السيناريو الذي يسعى نتنياهو إلى تجنبه. لذلك، تبقى خياراته محدودة في اتجاه هدنة قصيرة تمتد لأسابيع أو أشهر، مشابهة لما حدث في اتفاق مع لبنان.

دور المقاومة:

المطلوب من المقاومة في هذه المرحلة المزيد من الثبات الميداني مع إدارة منفتحة ومرنة للمفاوضات عبر الوسطاء. في النهاية، ليس أمام المقاومة خيارات سوى:

  • الصمود ميدانيًّا.
  • الصمود السياسي في المفاوضات.

يسعى الإسرائيليون والأمريكيون، وكذلك القوى الغربية، إلى فرض شروط مستحيلة على المقاومة، مثل تسليم الأسرى الإسرائيليين، وقبول استمرار الحرب والاحتلال. تُعَدُّ هذه الشروط بمثابة دعوة للانتحار، وهي بطبيعة الحال أمر لا يمكن للمقاومة قبوله.


محمد هلسة/ أكاديمي وباحث فلسطيني في الشأن الإسرائيلي

دور الحراك الفلسطيني الرسمي

من الضروري أن يسهم الحراك الفلسطيني الرسمي في صياغة ترتيبات الحكم داخل قطاع غزة. على سبيل المثال، يُعَدُّ المرسوم الذي صدر بتولية رئيس المجلس الوطني الفلسطيني منصب نائب الرئيس في حال غياب محمود عباس خطوةً في الاتجاه الصحيح. تسهم مثل هذه الخطوات في سد الفجوة بين الأطراف الفلسطينية، ما يمنع تحوُّل القطاع إلى ساحة للفوضى. يمكن أن يكون تقديم رؤية فلسطينية مشتركة لطبيعة الحكم في غزة خطوةً مهمةً ومقبولةً حتى من قبل حركة "حماس"، خاصةً بعد ما تعرضت له من أضرار جسيمة في خلال الحرب.

قد تقبل "حماس" بالبقاء في الظل، أو أن تساهم بطريقة محدودة، إن كان ذلك سيمنع الفوضى أو الاحتلال العسكري الإسرائيلي. ومع ذلك، ما تزال المعلومات المتاحة حول هذه الترتيبات قليلة جدًّا، ولا يمكن الجزم بنتائج الحراك السياسي. قد يدفع الضغط الميداني والأعباء الهائلة داخل غزة، مثل إعادة الإعمار وانتشال السكان من الظروف الكارثية، الأطراف إلى التوصل إلى صيغ تفاهم مشتركة تُعزِّز الإدارة الفلسطينية للقطاع بعيدًا عن الفوضى أو الرؤى الإسرائيلية المفروضة.

العوامل المؤثرة على موقف نتنياهو

ثمة عوامل قد تؤدي إلى تغيير موقف نتنياهو تجاه اتفاقٍ ما:

المزاج العام داخل "إسرائيل":

توجَد رغبة لدى شريحة كبيرة من الإسرائيليين في التوصل إلى اتفاق، ما يُمكن ملاحظته في الحراك السياسي المتزايد. كما أن المقطع المصوَّر الذي نشرته "حماس" للأسير مزدوج الجنسية أثار نقاشًا جديدًا حول ملف الأسرى.

فقدان ذرائع الحرب:

بعد وقف الحرب في لبنان، تخلَّى نتنياهو عن هدف "النصر المطلق"، وهو هدف كان سقفه أعلى في لبنان مقارنةً بغزة. من المتوقع أن يُطبِّق النهج ذاته مع غزة، حيث الخصم أضعف والأسرى الإسرائيليون يشكلون ورقة ضغط كبيرة.

الضغوط الأمريكية:

لا يريد نتنياهو الوصول إلى موعد تولِّي ترامب السلطة، ليجد نفسه أمام مطالب مباشرة من الإدارة الأمريكية الجديدة. قد تتضرر الصورة التي رسمها لنفسه كبطل قادر على تحدي الحلفاء إن أُجبر على تنفيذ اتفاق تحت ضغط ترامب.

هامش المناورة السياسي:

إن إدخال جدعون ساعر إلى الائتلاف الحكومي يمنح بنيامين نتنياهو فرصة أكبر للتملص من اشتراطات شركائه المتطرفين، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. على الرغم من تهديداتهما، إلا أنه من غير المتوقع أن يُقدِم هؤلاء على فض الائتلاف، لأنه يمثِّل فرصة تاريخية بالنسبة لهما.

قضية الفصل بين الساحات

كان نتنياهو يتجنب الحديث عن الدخول في مسار سياسي مع غزة قبل فصل العلاقة بينها وبين جبهة لبنان. الآن، مع انتهاء الحرب في لبنان، أصبح أكثر تحررًا من الضغوط المتعلقة بـ"حزب الله". لذا، من المتوقع أن يتحرك تجاه ترتيب مع غزة بمعزل عن تأثير الشمال.

تلعب العوامل الأمريكية دورًا كبيرًا أيضًا. تسعى الإدارة الحالية إلى تحقيق صورة تسوية تضمن لها خروجًا مشرِّفًا، في حين أن الإدارة القادمة ترغب في إنهاء ملف غزة لتجنُّب تبعات الحرب على صورتها دوليًّا.

المطلوب من المقاومة

المطلوب من المقاومة في هذه المرحلة الحذر الشديد، مع التركيز على:

المرحلية:
لا بد من أن يكون تنفيذ أي اتفاق مشروطًا بخطوات إسرائيلية واضحة، مثل الانسحاب ومنع الاعتداءات على القطاع.

الامتناع عن التعويل على ضمانات دولية:

إن الولايات المتحدة، التي تُعَدُّ شريكًا للإسرائيليين في اللجنة الدولية المعنية بلبنان، لم تُحاسِب "إسرائيل" على خروقاتها هناك، لذا لا يمكن الوثوق بأية ضمانات دولية.

الرؤية الإسرائيلية الآن تتجه إلى تحقيق هدفين:

  • الحصول على ضمانات بالعودة إلى قتال غزة متى شاءت.
  • التوصل إلى ترتيبات حكم تضمن ألَّا تعود "حماس" إلى السلطة بشكل يؤثِّر على سردية نتنياهو.

يبدو الحل المطروح حاليًّا وكأنه إعادة تقديم السلطة الفلسطينية بحلَّةٍ جديدةٍ تُقبَل إسرائيليًّا ودوليًّا. في المقابل، على المقاومة أن تقدِّم بديلًا جاهزًا يمنَع حدوث فراغ سياسي أو فوضى داخل القطاع، قد تستغله "إسرائيل" لصالحها.

ساري عرابي/ الخبير بالشأن الإسرائيلي

الحقيقة أن الاتفاق مع لبنان لا يشكِّل ضغطًا على حركة "حماس" أو المقاومة الفلسطينية في غزة وحدها، كما يحاول الأمريكيون والإسرائيليون تصوير الأمر. الادعاء بأن "حماس" باتت وحيدة وأن هذا سيجعلها أكثر مرونة ليس دقيقًا. على العكس، قد يؤدي هذا الاتفاق إلى تحولات داخل "إسرائيل" نفسها. نحن نتحدث عن حرب مستمرة منذ نحو 13 شهرًا، ولا يوجد إجماع إسرائيلي حول أهداف هذه الحرب العدوانية. يمكن ملاحظة ذلك من خلال تصريحات موشيه يعلون، التي يبدو أن دافعها الأساسي القلق بشأن جيش الاحتلال وضباطه بسبب سياسات التطهير العرقي في شمالي قطاع غزة، وليس بدافع الرحمة أو الإنسانية. يعكس يعلون، كونه مجرم حرب بطبيعته، من خلال تصريحاته انقسامًا داخل الأوساط الإسرائيلية بشأن أهداف الحرب على غزة.

من جهة أخرى، قد يثير الاتفاق مع لبنان تساؤلاتٍ داخل "إسرائيل": إن كان بنيامين نتنياهو قد قبل باتفاق مع لبنان بشروط أقل مما وعد به الإسرائيليون، فلماذا لا يتفاوض على اتفاق مع حركة "حماس" في غزة؟ خصوصًا مع وجود ملف عالق يتعلق بالأسرى الإسرائيليين في غزة. قد يحاول نتنياهو التفاخر بإنجازات، مثل فك الجبهة الشمالية عن غزة أو اغتيال قيادات من "حماس"، لكن هذا الملف سيظل يشكِّل ضغطًا عليه في خلال الفترة المقبلة.

فيما يتعلق بسؤال إمكانية قبول حركة "حماس" بحلٍّ لا يتضمن وقفًا دائمًا لإطلاق النار أو انسحابًا فوريًّا لقوات الاحتلال من قطاع غزة، فإن الأمر يعتمد على طبيعة الاتفاق المطروح. كانت الاتفاقيات السابقة، مثل اتفاق يوليو/تموز الذي وافقت عليه "حماس"، مرحليةً ومقسَّمةً إلى ثلاث مراحل، انسحاب جيش الاحتلال في المرحلة الثانية، ووقف إطلاق النار الدائم في المرحلة الثالثة. إذن، ليس مبدأ التدرج جديدًا على حركة "حماس"، لكن أي اتفاق جديد يجب أن يكون واضحًا ومتبلورًا لتتعاطى معه الحركة بإيجابية.

حتى الآن، تتحدث التسريبات الإسرائيلية عن مقترحات مختلفة، مثل اتفاق مؤقَّت لمدة 42 يومًا أو 60 يومًا، ما يعكس نقاشات داخلية بين الإسرائيليين والأمريكيين وربما قوى إقليمية مثل مصر وتركيا. لكن أي اتفاق مرحلي إذا كان يحمل خطوات تأسيسية واضحة قد يُنظَر إليه من قبل حركة "حماس" بإيجابية، خاصة إن كان يفضي لاحقًا إلى وقف إطلاق نار دائم.

الوصول إلى اتفاق فلسطيني-فلسطيني لإدارة قطاع غزة أولوية وطنية قصوى. يمكن أن يقطع هذا الاتفاقُ الطريقَ على أية أفكار أو مشاريع إسرائيلية أو إقليمية أو دولية تهدف إلى فرض ترتيبات معينة على القطاع. من المفترض أن يكون أي ترتيب نابعًا من توافق فلسطيني داخلي. بالنسبة لحركة "حماس"، فهي ليست متمسكة بحكم غزة منذ العام 2014. فقد وافقت على اتفاق الشاطئ وحلَّت اللجنة الإدارية في العام 2017، وكانت مستعدة للذهاب إلى انتخابات كمدخل للمصالحة الوطنية في العام 2021، لكن الانتخابات ألغيَت بمرسوم رئاسي.

حاليًّا، وبعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحرب الإبادة الجماعية التي شُنَّت على القطاع، من الطبيعي أن تكون "حماس" أقل تمسكًا بحكم غزة. لا تمانع الحركة في أن تُشكَّل لجنة مجتمعية تدير شؤون الفلسطينيين في غزة وتشرِف على إعادة الإعمار، بشرط أن تكون هذه اللجنة بتوافق وطني. الهدف منع أي ترتيب نابع من رؤية أو فرض إسرائيلي على القطاع.

سيكون إنجاز مثل هذا التوافق الوطني مهمًّا على عدة مستويات: أولًا، لتسريع الوصول إلى حل سياسي، وثانيًا لقطع الطريق على المشاريع الإسرائيلية. قد يرى الإسرائيليون أن منع "حماس" من العودة إلى حكم غزة هدفٌ رئيسي. يمكن أن يكون تقديم اتفاق فلسطيني-فلسطيني كهذا ورقةً قويةً بيد الوسطاء الإقليميين، مثل مصر، للتأثير على الأطراف المختلفة ومنع تنفيذ الأهداف الإسرائيلية الرامية إلى تهميش المقاومة الفلسطينية.

إن ما يمكن أن يدفع بنيامين نتنياهو إلى توقيع اتفاق في المرحلة الحالية يعتمد اعتمادًا كبيرًا على عدة عوامل رئيسية:

الموقف الأمريكي: إن كان ثمة توجه أمريكي حاسم لإنهاء الحرب، فقد يصبح من الصعب على نتنياهو الاستمرار في هذه الحرب التي دخلت عامها الثاني، خصوصًا أنها استمرت حتى الآن بإرادة أمريكية في المقام الأول.

الموقف الإقليمي: وجود موقف إقليمي متوازن قد يحدُّ من الميل الواضح لصالح الاحتلال الإسرائيلي. لكن، حتى اللحظة، لا يمكن الجزم بأن ثمة تحولات كبيرة في هذا الاتجاه. يبقى اختلال موازين القوى إقليميًّا ودوليًّا العائق الأكبر أمام التوصل إلى صفقة، خاصةً مع هيمنة الولايات المتحدة على القرار العالمي، والتراجع الكبير في الموقف العربي.

الحقيقة أن استمرار "إسرائيل" في حرب الإبادة ضد غزة لم يكن نتيجة قوة إرادة إسرائيلية مطلقة، بل نتيجة غياب رد فعل عالمي فعَّال، وهيمنة الولايات المتحدة التي سمحت لـ"إسرائيل" بالمضي قدمًا في حربها. بالتالي، قد يشجِّع أيُّ تحول في الموقف الأمريكي القوى الإقليميةَ على التدخل لإيجاد توازن أكبر.

الأسرى الإسرائيليون: قد يجعل تزايد الضغط الإسرائيلي الداخلي بشأن ملف الأسرى هذا الموضوعَ أكثر إلحاحًا، ما يزيد الاستقطاب داخل المجتمع والمؤسسة الإسرائيلية.

على الجانب الفلسطيني، أظهرت المقاومة مرونة في مناسبات سابقة، مثل موافقتها على اتفاق 2 يوليو/تموز، مع الالتزام بشروطها التأسيسية، وأبرزها وقف حرب الإبادة الجماعية. لكن العامل الحاسم يبقى في يد الإسرائيليين، إذ إنهم يتأثرون تأثرًا كبيرًا بحدود الدعم الدولي والتحولات الإقليمية والدولية.

الأخبار عن وجود تنسيق بين إدارتَي بايدن وترامب صحيحة، خصوصًا فيما يتعلق بالقضايا الكبرى مثل الاتفاق اللبناني. كان عاموس هوكستين، المبعوث الأمريكي، يعمل بالتنسيق مع الإدارتين، كما كان رون دريمر، مبعوث بنيامين نتنياهو، يلتقي بالطرفين. كان هذا التنسيق واضحًا في الاتفاق مع لبنان، إذ لم يُبرَم إلا بعد موافقة إدارة ترامب.

يشهد الوضع الحالي ترتيباتٍ بين الأطراف الثلاثة: إدارة بايدن، وإدارة ترامب القادمة، والكيان الإسرائيلي، بالإضافة إلى المؤسسات الأمريكية العميقة التي تمتلك نفوذًا كبيرًا بغض النظر عن تغيُّر الإدارات. تلعب هذه المؤسسات دورًا محوريًّا في رسم السياسات الأمريكية، بما في ذلك ترتيبات الحلول المتعلقة بغزة.

ثمة مؤشرات على أن ترامب يسعى إلى إغلاق ملف غزة قبل توليه منصبه، لكن من غير الواضح إن كان سيتمكن من تحقيق ذلك. في المقابل، تظهر بعض المرونة الإسرائيلية مقارنة بالسابق، ما يعزِّز احتمالات تحريك الوضع. على الرغم من ذلك، يجب توخي الحذر في التفاؤل، لأن الظروف الخاصة بقطاع غزة تختلف جذريًّا عن السياق اللبناني، سواءٌ في طبيعة الصراع أو النظرة الإسرائيلية للقطاع.
إن المطلوب من المقاومة في هذه المرحلة يعتمد إلى حد كبير على موازين القوى الحالية والجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق. مرونة المقاومة مرهونة بطبيعة المقترَحات التي تقدَّم لها ومدى قدرة الوسطاء على خلق حلول واقعية.

أثبتت المقاومة استعدادها لإبداء مرونة في مناسبات سابقة، مثل اتفاق يوليو/تموز. في الوقت الحالي، يبدو أن ثمة نوعًا من التنسيق الفلسطيني الداخلي، بما في ذلك بين "حماس" و"فتح "والسلطة الفلسطينية، للوصول إلى موقف موحَّد وقوي. يمكن أن يشكِّل هذا التنسيق ورقةَ ضغطٍ فعَّالةً في مواجهة الكيان الإسرائيلي، ويعطي الوسطاء أدواتٍ أقوى لمواجهة الادعاءات الإسرائيلية والأمريكية.

في النهاية، إن أي اتفاق تفاوضي يجب أن يراعيَ التوازنَ بين الصمود الميداني والمكتسبات السياسية التي تحقِّق المصالح الوطنية الفلسطينية.