من الردع إلى الاستعداد: واشنطن تعيد تموضعها تحسّبًا لسيناريو المواجهة

إحاطة معلوماتية تعزيز الحضور العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط: رسائل الردع وإشارات التصعيد

12:58 م،07 ابريل 2025

برنامج الرصد والتوثيق

في ظل تصاعد التوترات الإقليمية وتزايد المخاوف من تطورات أمنية تهدد استقرار منطقة الشرق الأوسط، كثّفت الولايات المتحدة الأمريكية من حضورها العسكري عبر سلسلة من التحركات البحرية والجوية ذات الطابع الاستراتيجي. فقد شهدت الفترة الممتدة بين أغسطس/آب 2024 وأبريل/نيسان 2025 تعزيزًا ملحوظًا في التمركز العسكري الأمريكي، تمثّل في نشر حاملات طائرات نووية وقاذفات استراتيجية حديثة، إلى جانب مقاتلات متطورة من طراز F-35، وذلك ضمن خطة تهدف إلى تعزيز قدرات الردع، وضمان حرية الملاحة، والاستجابة السريعة لأي تهديد محتمل.

تسلّط ورقة الإحاطة المعلوماتية من إعداد برنامج الرصد والتوثيق في مركز عروبة للأبحاث والتفكير الاستراتيجي الضوء على أبرز التحركات العسكرية الأمريكية خلال هذه الفترة، بما في ذلك وصول حاملات الطائرات "أبراهام لينكولن"، و"هاري ترومان"، و"كارل فينسون" إلى مياه الشرق الأوسط، برفقة مدمرات متقدمة ضمن مجموعات ضاربة عالية الجاهزية. كما تشمل التحركات نشر قاذفات B-52 Stratofortress وطائرات الشبح B-2 Spirit في مواقع استراتيجية، بما يعكس إصرار واشنطن على حماية مصالحها الحيوية، ودعم حلفائها في مواجهة التحديات المتزايدة، لاسيما في ظل تصاعد التهديدات الأمريكية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والحملة العسكرية الجارية على اليمن.

 

1. حاملات الطائرات

حاملة الطائرات يو إس إس أبراهام لينكولن (USS Abraham Lincoln - CVN-72)
في 22 أغسطس/ آب 2024، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) عن وصول حاملة الطائرات "أبراهام لينكولن" (CVN-72)  والمجموعة المرافقة لها إلى منطقة الشرق الأوسط، في إطار خطة لتعزيز التمركز العسكري الأمريكي في ظل تصاعد التوترات مع إيران.
وذكرت "سنتكوم" في بيان رسمي أن الحاملة، المجهزة بمقاتلات F-35C وطائرات F/A-18 Block III، دخلت نطاق مسؤوليتها العملياتية، مشيرة إلى أن "أبراهام لينكولن" تُشكّل السفينة الرئيسة في المجموعة الضاربة الثالثة، ويرافقها سرب المدمرات 21 (DESRON 21) إلى جانب جناح الطيران CVW-9.
وأكدت القيادة أن هذه الخطوة تأتي ضمن عملية إعادة تموضع تهدف إلى "ضمان قدرة القوات الأمريكية على الاستجابة الفورية لأي تهديدات ناشئة".

حاملة الطائرات يو إس إس هاري ترومان (USS Harry S. Truman - CVN-75)
في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2024، أعلنت "سنتكوم" عن وصول الحاملة "هاري ترومان" (CVN-75)  إلى منطقة الشرق الأوسط، برفقة مجموعتها الضاربة، في إطار خطة انتشار تهدف إلى دعم الأمن والاستقرار الإقليميين.
وجاء في بيان القيادة أن "هاري ترومان" دخلت منطقة العمليات التابعة لسنتكوم، ضمن التزام أمريكي مستمر بتعزيز قدرات الردع الدفاعي. وأشارت في منشور عبر منصة "إكس" إلى أن انتشار المجموعة البحرية يعكس الجاهزية العالية لمواجهة تطورات المشهد الأمني.
وكانت وزارة الدفاع الأمريكية قد أعلنت في سبتمبر/ أيلول 2024 عن توجه الحاملة إلى شرق البحر المتوسط على رأس مجموعة هجومية بحرية، ضمن خطة استراتيجية تهدف إلى دعم مصالح الأمن القومي الأمريكي في المنطقة.

المدمّرات المرافقة للحاملة "هاري ترومان":

  • يو إس إس ستاوت (USS Stout - DDG-55): تُشارك في عمليات قتالية ضد حركة أنصار الله في اليمن.
  • يو إس إس جايسون دونهام (USS Jason Dunham - DDG-109): تُساهم في تعزيز القدرات الدفاعية والردعية الأمريكية.
  • يو إس إس ذا سوليفانز (USS The Sullivans - DDG-68): تُكلف بتأمين الممرات البحرية الحيوية.

حاملة الطائرات يو إس إس كارل فينسون (USS Carl Vinson - CVN-70)
في 2 أبريل/نيسان 2025، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن خطوة جديدة لتعزيز التواجد العسكري في الشرق الأوسط، في ظل تصاعد الهجمات على القطع البحرية الأمريكية في البحر الأحمر من قبل حركة أنصار الله في اليمن، وارتفاع منسوب التوتر مع إيران.
وصرّح المتحدث باسم البنتاغون، شون بارنيل، أن "كارل فينسون" ستنضم إلى الحاملة "هاري إس. ترومان" لتعزيز الاستقرار الإقليمي، وردع التهديدات المحتملة، وحماية حرية الملاحة والتجارة الدولية.
وتتميز "كارل فينسون" بقدرات تشغيلية متقدمة، بفضل مفاعلين نوويين يمنحانها قدرة إبحار شبه غير محدودة دون الحاجة للتزود بالوقود، ما يسمح لها بالبقاء لفترات طويلة في عرض البحر. وتستوعب الحاملة أكثر من 5,000 فرد، بينهم 3,000 بحار لتشغيل السفينة وصيانتها، ونحو 2,000 عنصر ضمن الجناح الجوي.
ويمكن للحاملة أن تنقل أكثر من 60 طائرة مقاتلة وهجومية، مما يمنحها مرونة في تنفيذ مهام متعددة تشمل: توفير غطاء جوي، تنفيذ ضربات استراتيجية، ودعم مهام إنسانية وعمليات إجلاء طارئة.

المدمّرات المرافقة للحاملة "كارل فينسون":

  • يو إس إس ستييرت (USS Sterett - DDG-104) تُعزز الوجود البحري الأمريكي في المنطقة.
  • يو إس إس ويليام بي. لورانس    (USS William P. Lawrence - DDG-110) تُشارك في دعم العمليات العسكرية الجارية.

 

2. القاذفات النووية والطائرات المتطورة

القاذفات الاستراتيجية  B-52 Stratofortress
في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) عن وصول قاذفات استراتيجية من طراز B-52H Stratofortress تابعة للجناح الخامس للقاذفات في قاعدة مينوت الجوية إلى منطقة الشرق الأوسط، ضمن جهود تعزيز الردع والجاهزية العسكرية في ظل التصعيد الإقليمي.
وأشارت "سنتكوم" عبر منشور رسمي على منصة "إكس" إلى أن الطائرات دخلت نطاق مسؤوليتها العملياتية، موضحة أن هذا الانتشار يندرج ضمن خطة أوسع لحماية المصالح الأمريكية ودعم الحلفاء في المنطقة.

وسبق هذا الإعلان تصريح من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني، أفاد بنشر قدرات عسكرية إضافية لدعم "إسرائيل" وتحذير إيران من تنفيذ أي خطوات عدائية تهدد الأمن الإقليمي.
وأكد وزير الدفاع الأمريكي السابق لويد أوستن في بيان رسمي أن "أي محاولة من قبل إيران أو الجماعات المتحالفة معها لاستغلال الوضع القائم لتهديد القوات أو المصالح الأمريكية ستقابل بإجراءات حاسمة"، مشددًا على التزام الولايات المتحدة الكامل بالدفاع عن مصالحها وشركائها الإقليميين.

وشملت الحزمة العسكرية المرسلة حينها قدرات دفاع جوي متقدمة، وقاذفات من طراز B-52، ومقاتلات متعددة الطرازات، وذلك في أعقاب تصعيد إقليمي تمثل في الضربات "الإسرائيلية" على أهداف داخل إيران بتاريخ 26 أكتوبر/ تشرين الأول، كردّ على هجوم صاروخي إيراني استهدف "إسرائيل" في وقت سابق من الشهر ذاته.

وفي 20 فبراير/شباط 2025، نفذت قاذفات B-52 طلعات جوية جديدة فوق منطقة الشرق الأوسط، للمرة الثانية خلال 48 ساعة، في استعراض لقدرات الردع الجوي بعيدة المدى، وفي سياق الضغوط الأمريكية المتصاعدة على إيران بشأن برنامجها النووي.
وذكرت "سنتكوم" أن القاذفات انطلقت من قاعدة فيرفورد الجوية الملكية في المملكة المتحدة، وحلّقت فوق ست دول حليفة في المنطقة، بمرافقة جوية وفّرتها إحدى الدول الشريكة. وأكدت القيادة أن هذه الطلعات تعكس "الجاهزية القتالية والقدرة على الانتشار السريع"، وتهدف إلى "طمأنة الحلفاء وردع الخصوم في توقيت حرج تشهده المنطقة".

وكانت هذه الطلعات قد سبقتها مهمة مشابهة عبرت خلالها القاذفات أجواء تسع دول، بمرافقة مقاتلات تابعة لأربع دول شرق أوسطية، فيما امتنعت "سنتكوم" عن الكشف عن أسماء الدول المشاركة، نظرًا لـ"الحساسيات الدبلوماسية"، بحسب بيان رسمي.

نشر قاذفات الشبح B-2 Spirit في دييغو غارسيا
في 2 أبريل/ نيسان 2025، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن نشر ما لا يقل عن ست قاذفات استراتيجية من طراز B-2 Spirit في قاعدة دييغو غارسيا الواقعة في المحيط الهندي، في خطوة وصفها مراقبون بأنها "رسالة ردع قوية لإيران"، خصوصًا مع تصاعد العمليات الجوية الأمريكية في المنطقة.
وأظهرت صور أقمار صناعية التقطتها شركة "بلانيت لابس" وجود القاذفات على مدرج القاعدة، إلى جانب طائرات دعم وناقلات جوية، مع ترجيحات بوجود قاذفات أخرى داخل الملاجئ المحصنة، ما يشير إلى انتشار واسع وغير معتاد لهذه القاذفات الشبحية التي تمثل نحو 30% من أسطول B-2 الأمريكي.

وأكدت الإدارة الأمريكية أن هذا التحرك يندرج ضمن جهود تعزيز "الجاهزية القتالية ورفع القدرات الدفاعية"، وسط تحذيرات متكررة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزير الدفاع بيت هيغسيث من نية واشنطن اتخاذ إجراءات إضافية ضد إيران ووكلائها، لا سيما في سياق استمرار الضربات الجوية ضد جماعة الحوثي في اليمن.

ورغم امتناع المتحدث باسم البنتاغون، شون بارنيل، عن الإشارة المباشرة إلى قاذفات B-2 ، إلا أنه أكد في تصريحات إعلامية أن الولايات المتحدة "ترسل طائرات وأصولًا جوية إضافية لتعزيز الموقف الدفاعي"، في إطار سياسة الردع الاستراتيجي المعتمدة.

وتُعد قاعدة دييغو غارسيا منشأة عسكرية أمريكية بريطانية مشتركة، تقع على بعد نحو 3,900 كيلومتر من السواحل الجنوبية لإيران، ما يمنح القاذفات المتمركزة فيها قدرة على تنفيذ ضربات دقيقة بعيدة المدى في حال تطور التصعيد الميداني.

نشر مقاتلات F-35 المتطورة
إلى جانب القاذفات الاستراتيجية، قامت الولايات المتحدة بنشر مقاتلات متطورة من طراز F-35 في مواقع استراتيجية بالمنطقة، بهدف تعزيز قدرات الردع الجوي، ودعم مهام الاستطلاع والاعتراض، ورفع الجاهزية في مواجهة أي تهديدات متوقعة في ظل الأوضاع المتوترة.

 

التحليل: الولايات المتحدة تمهّد لما بعد المهلة النووية

يعكس تكثيف الانتشار العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط خلال الأشهر الماضية استعدادًا واضحًا لمرحلة ما بعد انتهاء المهلة التي منحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإيران من أجل الوصول لاتفاق نووي، أو مواجهة خيارات بديلة أكثر صعوبة. وتستند هذه التحركات إلى مقاربة أمريكية تجمع بين الردع الاستراتيجي والجاهزية الميدانية لاحتمال التصعيد.

كما يُقرأ هذا التصعيد في ضوء الضغوط المتزايدة من جانب الاحتلال الإسرائيلي على واشنطن لاتخاذ موقف أكثر حسمًا من البرنامج النووي الإيراني، سواء عبر تكثيف الضغوط أو دعم توجيه ضربة عسكرية، وهو ما تترجمه التحركات الأمريكية عبر نشر حاملات طائرات متعددة وقاذفات استراتيجية بعيدة المدى، بما يوفّر غطاءً سياسيًا وعسكريًا لأي سيناريو محتمل.

في هذا الإطار، لا يقتصر الهدف الأمريكي على ردع إيران فحسب، بل يتضمن أيضًا تطويق نفوذ حلفائها الإقليميين، خصوصًا حركة أنصار الله في اليمن، الذين تصاعدت هجماتهم ضد المصالح الأمريكية في البحر الأحمر وحركة الملاحة إلى موانئ فلسطين المحتلة، الأمر الذي دفع واشنطن إلى تبني نهج استباقي في توزيع تمركزاتها الجوية والبحرية، كما في دييغو غارسيا وفيرفورد، إضافة لإطلاقها عملية عسكرية تستهدف القدرات اليمنية.

بالمجمل، تمثّل هذه التحركات رسالة واضحة بأن الولايات المتحدة ليست في وارد الانسحاب أو التراجع في المنطقة، بل تُعيد تموضعها العسكري بما يتلاءم مع سيناريوهات مفتوحة تتراوح بين الضغط السياسي والتصعيد العسكري، وهو ما يجعل المنطقة مقبلة على مرحلة حساسة، عنوانها: اختبار الإرادة الأمريكية، وحدود الاستجابة الإيرانية.