الرئيسية| عروبة ترجمان| تفاصيل الخبر

المصدر: معهد دراسات الأمن القومي (INSS)

عروبة ترجمان العلاقات الإسرائيلية – الإندونيسية: التوقعات والواقع

11:52 ص،28 أكتوبر 2025

برنامج الرصد والتوثيق

إذا ما تحقّقت التوقّعات المتزايدة بخصوص خرق في العلاقات بين إسرائيل وإندونيسيا، فسيُتاح استثمارُ مساهمتها المحتملة في "اليوم التالي" في قطاع غزة، لا سيّما في دفع عمليّات "نزع التطرف ومكافحة التطرف الديني هناك". لكنّ قبل ذلك يجدر أن نُدرك الالتزام الطويل الأمد الذي تبنّته إندونيسيا تجاه الدفع نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلّة، وأيضاً القيود التي يفرضها الاعتبارُ بالاستقرار الداخلي على قدرتها تليين سياستها تجاه إسرائيل في غياب تقدّم نحو حل سياسيّ للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني.

في أجواء من الفرح والشعور بلحظة تاريخية صباح يوم 13 أكتوبر، عندما أُفرِج عن الأسرى الإسرائيليّين الأحياء من سجن حماس وزار الرئيس دونالد ترامب إسرائيل، كان هناك تقرير في ذلك اليوم عن احتمال زيارةٍ قريبة للرئيس الإندونيسي برا بُو سوبيانتو، ليتماشى مع شعور بفتح عهدٍ جديد.

قبل نحو ثلاثة أسابيع، وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، صدم برابو – رئيس دولةٍ تُعدّ موطناً لأكبر عدد من المسلمين في العالم – ببيانٍ أعلن فيه، باهتمامٍ وعزمٍ ودون كراهية، أنه يطلب أن يرى تسوية سلام للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، تُقام بموجبها دولة فلسطينية مستقلّة، ويُؤمّن أمن إسرائيل. كما قال: «على نسلَي إبراهيم أن يعيشان في وفاق وسلام وتناغم». وفي ما بعد أعلن برابو نفسه شريكاً صادقاً للجهد الأميركي لإنهاء الحرب في قطاع غزة.

لكن في ذلك اليوم، 13 أكتوبر، سارعت إندونيسيا إلى نفي ما ورد بشأن الزيارة. لذا، يجب العودة إلى أرض الواقع وإلقاء الضوء على عدة جوانب، بعضها معروف وبعضها أقل، بشأن العلاقات بين إسرائيل وإندونيسيا.

فالرئيس الإندونيسي يتوقّع حلّاً سياسياً للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، ويتأسّس هذا التوقّع على التزامٍ طويل الأمد لدولته بالمسألة الفلسطينية وبفكرة الدولة الفلسطينية المستقلة على أساس حلّ الدولتَين، وهو حل يحظى بإجماع شعبي واسع جداً.

ومن هنا تنبثق موقفة الثابتة بأنّه لا تُقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل قبل إقامة دولة فلسطينية مستقلّة. وفي الخطاب السياسي الإندونيسي قد تمّ صقل هذا الموقف عبر الإشارة إلى ما جاء في ديباجة الدستور الإندونيسي لعام 1945: «إذ إنّ الاستقلال هو حقّ كلّ شعب، يجب أن تختفي الاستعمار من فوق وجه الأرض لأنه يتعارض مع أوامر الطبيعة الإنسانية والعدالة». وهكذا، بروح الموقِف الإندونيسي الطويل الأمد، يُعيد الرئيس الإندونيسي التأكيد بأنّه في اللحظة التي تعترف فيها إسرائيل باستقلال دولة فلسطينية، ستعترف فوراً إندونيسيا بدولة إسرائيل، ولا يُبقي أيّ شك في أنّه أيضاً، وبالنسبة له، فإنّ الأساس لإقامة الدولة الفلسطينية هو حلّ الدولتَين، ولا شيء غيره.

صحيحٌ أنّه لا يمكن استبعاد احتمال أنّه إذا ما حصل تقدّم فعلي نحو حلّ سياسي للنزاع، يشمل إقامة دولة فلسطينية مستقلّة، فقد تليّن إندونيسيا موقفها بشأن إقامة علاقات مع إسرائيل. ويمكن أيضاً الافتراض بأنّ تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، التي تحتضن المقدّسات الإسلامية، قد يمنح دفعة لتغيير السياسة الإندونيسية، إذ إنّ ذلك سيخفّف من الخشية داخل إندونيسيا من ردّ فعل مضاد في الرأي العام، الذي يحمل إلى حدّ كبير مشاعر إسلامية.

ومع ذلك، قد يحدث أيضاً تحرّكٌ إندونيسي مستقلّ، أي تغيير السياسة تجاه إسرائيل دون تحرّكٍ سعوديّ مسبق. يجب التنبيه، فإنّ الرئيس الإندونيسي يؤكّد طوال نشاطه الفاعل في الساحة العالمية مبدأً مؤسساً لبلاده منذ أيامها الأولى في السياسة الخارجية “مستقلة وفاعلة”، ما يُعبر عن الاعتراف بضرورة تبنّي موقف مستقلّ والمناورة بحكمة وبنهج متوازٍ بين القوى الرائدة في الساحة العالمية. أي أنّه إذا قيّم الرئيس الحالي أنّ تغيير سياسة تجاه إسرائيل قد يخدم مصالح وطنية مهمّة لبلاده، فهو سينفّذه باتجاه تطبيع في العلاقات مع إسرائيل.

عامل آخر بالغ الأهمية يؤثر في مساحة المناورة الإندونيسية عند تحديد سياستها تجاه إسرائيل هو الاعتبار الداخلي. فسياسة إندونيسيا الخارجية، كما هو الحال في كثير من الدول، تتأثر بعوامل داخلية، وخصوصًا في المسألة الإسرائيلية.

إذ يسود بين الجمهور الإندونيسي، على ما يبدو، تصور سلبي بل وعدائي تجاه إسرائيل، وفي الوقت الراهن فإن السردية الإسرائيلية غريبة تمامًا تقريبًا عن هذا الجمهور. علاوة على ذلك، فإنّ الأغلبية المسلمة المهيمنة في إندونيسيا تعبّر عن تعاطف عميق مع ما يُعرّف بأنه النضال الفلسطيني، ويتغذى هذا التعاطف على شعور تضامن ديني عابر للحدود في إطار روح الوحدة الإسلامية.

لذلك يمكن الافتراض أن هناك إدراكًا سياسيًا في جاكرتا بأن أي انحراف عن السياسة القائمة تجاه إسرائيل، في غياب تقدم نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة، قد يُكلّف الحكومة ثمنًا سياسيًا باهظًا داخليًا. ويزداد هذا الإدراك وضوحًا في هذه الفترة تحديدًا، فحتى بعد وقف القتال في قطاع غزة مؤخرًا، يبدو أن الجو العام المعادي لإسرائيل الذي ساد خلال العامين الماضيين لا يزال حاضرًا بقوة.

وإن لم يكن ذلك كافيًا، فربما ازدادت ثقل الاعتبارات الداخلية مؤخرًا من زاوية مختلفة تمامًا. ففي أواخر شهر آب/أغسطس اندلعت احتجاجات واسعة في إندونيسيا، خصوصًا في العاصمة جاكرتا وعدد من المدن الكبرى، استمرت نحو أسبوعين. قاد هذه الاحتجاجات طلاب الجامعات وناشطو الحركات الاجتماعية، لكنها لم تقتصر عليهم. في جذورها العميقة عبّرت الاحتجاجات عن شعور عام بالأزمة الاقتصادية بين شرائح واسعة، ترافقه إحساس بالاغتراب تجاه النخب السياسية المترفة.

ومن الواضح أن النظام هذه المرة، بخلاف تعاطيه مع موجة الاحتجاج السابقة قبل عدة أشهر، كان أكثر وعيًا لخطورة التحدي السياسي الكامن في الأصوات العالية الخارجة من قلب المجتمع المدني، بل حاول إلى حد ما التقرب من مطالب المحتجين.

إن غياب العدالة الاجتماعية وتفاقم عدم المساواة ليست قضايا خاصة بإندونيسيا، لكن المثير أن نرى في هذه الديمقراطية الفتية أن الناس، وخصوصًا الشباب، مستعدون للنزول إلى الشوارع والمطالبة بالإصلاح.

ظاهريًا، لا علاقة لهذه التطورات المباشرة بمسألة العلاقات مع إسرائيل، لكنها ربما عمّقت في أذهان صناع القرار الإندونيسيين الفهم بأن أي خطوة يمكن أن تُفهم من قبل الجمهور على أنها تخلٍّ عن الالتزام التاريخي والعميق بالقضية الفلسطينية، قد تفجر احتجاجات شعبية واسعة.

وليس الأمر مجرد افتراضات. ففي الأيام التي تلت وقف القتال في غزة، وبينما عبّرت إندونيسيا عن دعمها للمبادرة الأمريكية لإنهاء الحرب، أعلن وزير العدل الإندونيسي أن الحكومة لن تمنح تأشيرات دخول للرياضيين الإسرائيليين للمشاركة في بطولة العالم للجمباز التي كان من المقرر عقدها في جاكرتا. جاء هذا الإعلان قبل افتتاح البطولة بأكثر من أسبوع بقليل، وبرّرت الحكومة موقفها بمعارضة جهات عديدة، من بينها مجلس العلماء الإندونيسي MUI) ) والإدارة المحلية للعاصمة.

وأوضح الوزير أن القرار يتماشى مع السياسة الراسخة بعدم إقامة علاقات مع إسرائيل حتى تعترف باستقلال دولة فلسطين وسيادتها الكاملة. وصرّح حاكم جاكرتا بأن مشاركة الرياضيين الإسرائيليين قد تُثير غضبًا شعبيًا في ظل استمرار التوتر في غزة.

تمسكت إندونيسيا بموقفها رغم الاستئناف الذي تقدمت به السلطات الرياضية الإسرائيلية إلى محكمة التحكيم الرياضية CAS) ) بدعوى أن القرار ينتهك الميثاق الأولمبي الذي يحظر أي شكل من أشكال التمييز. لكن جميع الجهود فشلت، وانطلقت البطولة في 19 تشرين الأول/أكتوبر من دون مشاركة إسرائيل.

ويُذكر أنه في النصف الأول من عام 2023 رفضت إندونيسيا، تحت ضغط سياسيين بارزين من الحزب الحاكم آنذاك، السماح للمنتخب الإسرائيلي بالمشاركة في بطولة كأس العالم لكرة القدم تحت 20 عامًا.

الرئيس حينها جوكو ويدودو (جوكوي) حاول جاهدًا منع سحب حق بلاده في استضافة البطولة، ودعا إلى عدم خلط السياسة بالرياضة، مؤكدًا أن مشاركة إسرائيل لا تتعارض مع دعم بلاده الثابت للقضية الفلسطينية.

لكن مشجعي كرة القدم الإندونيسيين عبّروا عن غضبهم لأن إدخال السياسة في الرياضة تسبب في حرمان بلادهم من استضافة البطولة.

وقبل هذه الأزمة بنحو شهرين، كان رياضي إسرائيلي قد وقف للمرة الأولى على منصة التتويج في جاكرتا مرتديًا زي المنتخب الإسرائيلي، بما لا يترك مجالًا للشك في هويته الوطنية.

ويبدو أن تصاعد المزاج المعادي لإسرائيل بين الجمهور الإندونيسي خلال العامين الماضيين بفعل الحرب في غزة أثّر بدرجة كبيرة على القرار الأخير بعدم منح التأشيرات للرياضيين الإسرائيليين.

ومع ذلك، وبالنظر إلى التوقعات بأن الرئيس الإندونيسي الحالي قد يكون مستعدًا لاتخاذ خطوات غير مسبوقة تجاه إسرائيل حتى قبل التوصل إلى تقدم سياسي في المسار الفلسطيني، يبرز التساؤل: لماذا لم تُسمح مشاركة الرياضيين الإسرائيليين في بطولة الجمباز؟

حتى ولو كانت المشاركة مجرد اختبار بسيط أو "بالون اختبار" في قضية غير مركزية، لقياس مدى قوة المعارضة الشعبية لأي تغيير في السياسة تجاه إسرائيل.

يبدو أن تصريحات الرئيس الإندونيسي وخطواته السياسية في إطار الجهد الأمريكي لإنهاء الحرب في غزة تجمع بين عدة عناصر رئيسية:

  1. تنشيط الدبلوماسية الإندونيسية وتعزيز مكانة البلاد على الساحة الدولية، بما في ذلك مكانة الرئيس بين زعماء العالم.
  2. اهتمام عميق بتعزيز العلاقات والتعاون مع إدارة الرئيس ترامب.
  3. سعي متزايد للانخراط السياسي في شؤون الشرق الأوسط، خصوصًا في دفع تسوية للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني.
  4. تقدير إندونيسي بقدرتها على المساهمة في محاربة التطرف الديني في المنطقة، الذي تصل ارتداداته أيضًا إلى داخلها.

كثيرًا ما تُذكر إندونيسيا في سياق الحديث عن "اليوم التالي" في قطاع غزة، خصوصًا فيما يتعلق بإسهامها المحتمل في قوة دولية لحفظ السلام هناك.

لكن دون التقليل من أهمية هذا الجانب، يبدو أن إسهامها المميز قد يكون في استثمار طاقاتها المدنية والدينية لمحاربة التطرف، إذ تمتلك مجتمعًا مدنيًا إسلاميًا منظمًا وقويًا أظهر استعدادًا حقيقيًا لتعزيز قيم الإسلام المعتدل بدعم واضح من الحكومة، في إطار ما يُعرف بـدبلوماسية "القوة الناعمة".

ومع ذلك، سيصعب على إندونيسيا استثمار هذه القدرات بالكامل من دون وجود شكل من أشكال العلاقة الرسمية أو التعاون المباشر مع إسرائيل. وتأمَل الأخيرة أن تسمح التطورات السياسية المستقبلية بتحقيق ذلك لصالح جميع الأطراف.

 

بقلم: جيورا إليراز

زميل مشارك في معهد ترومان بالجامعة العبرية في القدس، وباحث في معهد السياسات لمكافحة الإرهاب في جامعة رايخمان، وكذلك عضو في منتدى التفكير الإقليمي.