الرئيسية| عروبة ترجمان| تفاصيل الخبر

المصدر: معهد دراسات الأمن القومي، بقلم: تامير هايمان

عروبة ترجمان بين النصر والهزيمة الحاسمة: تقييم قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها الحربية ضدّ حماس

02:28 م،23 نوفمبر 2025

برنامج الرصد والتوثيق

أصبح مفهوم "النصر" أكثر تسييسًا في السنوات الأخيرة، خصوصًا فيما يتعلق بفكرة "النصر المطلق". وفي المقابل، فإن مصطلح "الهزيمة الحاسمة" يُستخدم على نطاق واسع دون أن يحظى بتعريف دقيق.

تهدف هذه المقالة إلى تناول مفهوم النصر من منظور مهني – عسكري واستراتيجي – مع التمييز بينه وبين مفهوم الهزيمة الحاسمة. ويُعد هذا التمييز ضروريًا لفهم ما حققته إسرائيل في حربها ضد حركة حماس، ولضبط توقعات الجمهور، لاسيما في السيناريوهات التي قد تستمر فيها الحركة بالوجود بشكل أو بآخر.

ضمن هذا الإطار، تقدّم "خطة ترامب" المعلنة في سبتمبر 2025 لإنهاء الحرب وتأمين استعادة الأسرى الإسرائيليين مسارًا يمكن – في حال تطبيقه بالكامل – أن يشكّل نصرًا واضحًا لإسرائيل. ويخصّص الجزء الأول من المقالة لشرح مفهومي النصر والهزيمة الحاسمة، بينما يقيّم الجزء الثاني مدى تحقق هذه النتائج بالاستناد إلى الإطار الذي طرحه ترامب بشأن مستقبل قطاع غزة.

للوهلة الأولى، يبدو النصر في الحرب مفهومًا بسيطًا: طرف يحقق أهدافه، بينما يخسر الطرف الآخر القدرة والإرادة على مواصلة القتال. وبالفعل، يستند جزء كبير من التاريخ العسكري إلى هذا المنطق المباشر. في نهاية المطاف، يقوم النصر على سؤالين مركزيين: ماذا حققت قواتنا؟ وماذا حلّ بالعدو؟

تعريفات حديثة لمفهومَي النصر والهزيمة الحاسمة

تُحدِّد العقيدة العسكرية المعاصرة تمييزًا واضحًا بين المفهومين:

-  النصر هو تحقيق القيادة السياسية لأهدافها الحربية، إلى جانب خلق واقع أمني طويل الأمد أكثر ملاءمةً من الوضع السابق.

- الهزيمة الحاسمة تعني تدمير القدرة العسكرية للعدو، بما يشمل قدرته وإرادته على مواصلة القتال في المواجهة الجارية.

وبحكم أنّ القيادة السياسية هي التي تحدّد أهداف الحرب، فإنها هي التي ترسم الحالة النهائية المطلوبة. كما أنّ امتلاكها سلطة تحديد الغاية يُعدّ الآلية الأساسية التي تمارس من خلالها السيطرة على الجيش.

أهداف الحرب كأداة لضبط أداء المؤسسة العسكرية

يُمكّن تحديد أهداف الحرب القيادةَ السياسية من تشكيل نطاق القتال ومستوياته، سواء من حيث حجم العمليات أو شدّتها. وإذا رغبت، تستطيع القيادة وضع الهزيمة الحاسمة غايةً صريحة ونهاية مرغوبة للحرب. ويساهم الجيش في صياغة هذه الأهداف عبر تقييم قابلية تحققها، وتقديم توصيات تتعلق بالأساليب العملانية المناسبة.

ولكي تكون هذه العملية فاعلة، يجب أن تلتزم بمبدأين أساسيين:

- أن تكون عملية حوار وثيقة، سرّية، وعالية الحساسية.

- ألّا تتدخل القيادة السياسية في تحديد الأساليب العملانية التي يعتمدها الجيش، وهو مبدأ منصوص عليه في قواعد العلاقة المدنية-العسكرية.

التمييز بين النصر في الرياضة والنصر في الحرب

تميل توقعات الجمهور تجاه مفهوم النصر إلى استنساخ منطق المنافسات الرياضية؛ فمع نهاية المباراة تكون النتيجة واضحة وغير قابلة للجدل. أما الحرب فلا تخضع لقواعد ثابتة ولا لحَكَمٍ مشترك يفصل بين الأطراف. وكما أشار كلاوزفيتز، فإن الحرب هي "مجال اللايقين والعشوائية". لذلك تُعد الخداع والمعلومات المضللة والغموض جزءًا بنيويًا من ساحة القتال، ما يجعل كلا الطرفين قادرًا على ادعاء النصر وفق تعريفه الخاص.

في المقابل، تُعد الهزيمة الحاسمة أقلّ خضوعًا للتأويل؛ إذ يمكن التحقق منها موضوعيًا من خلال قياس فقدان الطرف المُهزوم قدرته على مواصلة القتال.

توسّع المفاهيم التكتيكية عبر مستويات الصراع

نشأت مفاهيم الحرب تاريخيًا على المستوى التكتيكي، أي في سياقات معارك صغيرة ومباشرة. ومع تطور المجتمعات واتساع ساحة القتال جغرافيًا وتقنيًا، جرى تمديد هذه المفاهيم لتناسب المستويات العملانية والاستراتيجية؛ ما أدى إلى تخفيف الدلالة الأصلية لمفهوم الهزيمة الحاسمة.

ويزداد هذا التمدد وضوحًا عند تطبيق المفهوم على التنظيمات المسلحة القائمة على تكتيكات الإرهاب وحرب العصابات. ففي حين يمكن هزيمة هذه التنظيمات حسمًا، تبقى العملية غامضة ومعقدة. فمنذ عام 1973، خاضت إسرائيل معظم حروبها ضد ما تُسميه "جيوشًا إرهابية"، باستثناء حالتين فقط: المواجهة مع سوريا عام 1982، والحرب الممتدة 12 يومًا ضد إيران عام 2025.

وفي معظم هذه المواجهات، امتنعت القيادة السياسية الإسرائيلية عن تبنّي هدف الهزيمة الحاسمة، واختارت أهدافًا محدودة من قبيل "تقليص القدرات" أو "تعزيز الردع". ويعكس هذا النهج تقديرات الجيش بكلفة القضاء التام على تنظيمات متجذرة في بيئات مدنية، إلى جانب تردد المستويين السياسي والعسكري في دفع ثمن هذا الخيار. ومع مرور الوقت، تآكل مفهوم الهزيمة الحاسمة.

هل انتصرت إسرائيل في حرب غزة؟

إذا افترضنا انتهاء الحرب، فإن الإجابة تعتمد على مدى تحقيق إسرائيل للأهداف التي أعلنتها في بدايتها، والتي شملت:

- إسقاط حكم حماس في قطاع غزة وتفكيك قدراتها العسكرية.

- إزالة التهديدات العسكرية من غزة واستعادة الشعور بالأمن لسكان مستوطنات "غلاف غزة".

- تعزيز الصمود الوطني والأمن لمواطني إسرائيل.

- تعزيز الردع ومنع التصعيد.

- تهيئة الظروف لعودة الأسرى.

- إعادة المهجّرين من غلاف غزة ومن "شمال إسرائيل" (أضيف الهدف في سبتمبر 2024).

بعض الأهداف—مثل الردع، والشعور بالأمن، والصمود الوطني—يصعب قياسها بشكل فوري؛ إذ لا يظهر فشل الردع إلا عند انهياره، بينما يُقاس الصمود على المدى الطويل، ويظل الشعور بالأمن معيارًا ذاتيًا.

في المقابل، تحققت بوضوح نتيجتان مركزيتان:

- عاد المهجّرون إلى منازلهم.

- توافرت الظروف لاستعادة الأسرى، رغم بقاء جثامين ثلاثة منهم داخل غزة.

وتبقى المسألة الجوهرية المتبقية مرتبطة بتفكيك حكم حماس وقدراتها العسكرية.

الهزيمة الحاسمة لحركة حماس / تفكيك قدراتها العسكرية

وفقًا للأهداف المعلنة للحرب، فإن تحقيق الهزيمة الحاسمة يعني تفكيك القوة العسكرية لحماس وإنهاء حكمها. عسكريًا، لم تعد حماس "جيشًا إرهابيًا" على هيئة جيش نظامي كما كانت قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023؛ فقد قُتل عدد من قادتها، ودُمّرت كتائبها، وتفكك هيكلها التنظيمي، ولم يعد لديها مقرّات قيادة فاعلة، أو قوات خاصة، أو بنية إنتاج عسكري، ولا سلسلة قيادة متماسكة. ويعمل مقاتلوها اليوم ضمن مجموعات صغيرة متفرقة تعتمد على تكتيكات العصابات، وتركّز أساسًا على البقاء.

تُقدّر حماس بأنها تمتلك نحو 10% فقط من ترسانتها الصاروخية قبل الحرب، فيما يُقدّر عدد عناصرها بنحو 17 ألف مقاتل، معظمهم جدد ويفتقرون للخبرة، ويتشاركون ما يقارب 10 آلاف قطعة سلاح فردي. وبالمقارنة مع وضعها عشية السابع من أكتوبر، يُعد مستوى التهديد الحالي أدنى بكثير. ويصف كثير من سكان غزة، إلى جانب شخصيات فلسطينية بارزة في الرأي العام، وضع الحركة اليوم بأنه وضع هزيمة.

غير أن منع تعافي الحركة عسكريًا يتطلب آليات مستدامة؛ فالهزيمة الحاسمة حتى تكتمل يجب أن تشمل منع قدرة الحركة على التجنيد وإعادة البناء والعودة للقتال، أو توفير مسار سياسي–أمني بديل، مثل "اتفاق المقاتلين" الذي يسمح لعناصرها بالتسريح والخروج من دائرة الصراع.

إنهاء القدرات الحكومية للحركة

لا تؤدي الهزيمة العسكرية تلقائيًا إلى انهيار حكم حماس. فإلغاء قدرتها على الحكم يتطلب وجود سلطة منافسة قادرة على تولي إدارة القطاع. وحتى اللحظة، ما تزال الحركة تسيطر على نحو نصف مساحة القطاع، وتمارس نفوذًا أوسع على السكان نظرًا لغياب سلطة بديلة. وطالما تحتفظ بالسلاح، ولا توجد بنية حكم قادرة على الحلول محلها، ستبقى قادرة على ردع أي جهة خارجية من دخول غزة أو فرض نزع سلاحها.

تقترح خطة ترامب بديلًا حكمًا مفصّلاً يتكون من:

- مجلس حكم دولي (مجلس السلام).

- حكومة انتقالية تكنوقراطية.

- عودة مرحلية للسلطة الفلسطينية بعد إصلاحات شاملة (وفق قرار مجلس الأمن 2803، نوفمبر 2025).

- قوة دولية للاستقرار (ISF) تضم مكونات دولية وفلسطينية.

ورغم أن فرص نجاح هذه الخطة في نزع سلاح حماس بالكامل تبدو محدودة، إلا أن مجرد إنشاء منظومة حكم بديلة يمكنه إضعاف الحركة فعليًا. وعمليًا، تهدف المنظومة المقترحة إلى تحقيق أهداف الحرب عبر استبدال حكم حماس.

خاتمة

يُقاس النصر بتحقيق أهداف الحرب، وبخلق بيئة أمنية أفضل على المدى البعيد. وبحسب مؤشرات متعددة، نجحت إسرائيل في إلحاق هزيمة عسكرية بحماس في غزة، إلا أن الفترة الزمنية القصيرة منذ انتهاء العمليات لا تتيح تقييمًا حاسمًا لصلابة هذه النتائج. ومع ذلك، تبدو الوضعية الدفاعية الإسرائيلية اليوم أفضل بكثير مما كانت عليه قبل الحرب.

وتعكس الوضعية الدفاعية البعد العسكري للأمن القومي، دون تضمين العناصر الدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية. ومن دون تنفيذ كامل لخطة ترامب، خصوصًا مرحلتها الثانية، فلن تُستأصل قوة حماس العسكرية تمامًا، ولن تُستبدل بمنظومة حكم بديلة، وعندها لن يتحقق الهدف المركزي من الحرب.

ومن المهم الإشارة إلى أن الهزيمة الحاسمة لم تُحدّد هدفًا رسميًا للحرب، ومع ذلك حققت إسرائيل أكثر مما تطلبه الهدف المُعلن؛ إذ تم إرجاع الحركة عقودًا إلى الوراء من حيث القدرات العسكرية. لكن الحركة تعود مجددًا للتعافي: فهي تسيطر على مساحة سكانية واسعة، وتعيد بناء قدراتها، وتسترجع تدرّجياً سلسلة القيادة.

وبغياب تفكيك ما تبقى من بنية الحركة ومنع إعادة التجنيد، سيبقى الإنجاز العسكري مؤقتًا، وسيعود التهديد—ومعه جولات القتال المقبلة.

 

الكاتب:

تمير هايمان

لواء احتياط في جيش الاحتلال الإسرائيلي

يشغل تمير هايمان منصب المدير التنفيذي لمعهد دراسات الأمن القومي INSS)) وشغل قبل ذلك منصب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي بين عامي 2018 و2021. وخلال خدمته العسكرية التي امتدت 34 عامًا في جيش الاحتلال، تولّى هايمان سلسلة من المناصب القيادية في قوات البر، بما في ذلك خبرة عملياتية مباشرة في منطقة الحزام الأمني جنوب لبنان وفي الساحة الفلسطينية.

 

 

ترجمة هذه المادة تأتي لأغراض البحث والتحليل، ولا تعبّر بالضرورة عن موقف مركز عروبة أو توافقه مع المصطلحات والطروحات الواردة، بل تهدف إلى فهم المنطلقات الفكرية والأمنية للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وتحليل كيفية إعادة تأطير نتائج الحرب في الخطاب الاستراتيجي الإسرائيلي خلال المرحلة الحالية.