الرئيسية| أنشطة المركز| تفاصيل الخبر

سيُقابَل بالضرب مباشرةً بيدٍ من حديد

حوار الطناني: بحث الاحتلال عن عشائر وخيارات محلية لممارسة أيٍّ من أشكال الإدارة المدنية في قطاع غزة، لن ينجح

04:55 م،10 مارس 2024

في مقابلة صحفية مع الباحث السياسي ومدير مركز عروبة للأبحاث والتفكير الاستراتيجي، أحمد الطناني، حول الإنزال الجوي للمساعدات التي بدأت تجريها دول في قطاع غزة، قال الباحث الطناني إنَّ الحديث عن الإنزال الجوي للمساعدات يحتاج إلى نوع من "فكفكة" الأهداف الكامنة حول هذه الخطوة، والتساؤل حول ما إذا كانت هذه الخطوة مرتبطة بدرجة أساسية بتخفيف المجاعة وتخفيف حالة الموت البطيء التي تجري في شمال قطاع غزة، ويعتقد الطناني أنَّ النوايا خلف السماح بعمليات الإنزال الجوي للمساعدات نوايا خبيثة، وأنَّ الأهداف الأساسية الكامنة وراءها تتمثل بتبييض وجه الاحتلال وتخفيف الضغط عن الدول المشارِكة في الإنزال؛ وتجاوز السلطات في قطاع غزة؛ والتجهُّز لغياب معبر رفح في حال نفِّذت التهديدات الجدية لاجتياح رفح.

تبييض وجه "إسرائيل" وتخفيف الضغط عن الدول المشارِكة

أما عن الهدف الأول، فيأتي حسب الطناني في ظل مجموعة من العوامل التي تعبِّر عنها الحالة الدولية، من جانبٍ إنَّ حاجة "إسرائيل" إلى تبرير نفسها أمام محكمة العدل الدولية التي تحاكِمها بتهمة الإبادة الجماعية، إذ إنَّ الإنزال الجوي للمساعدات يمثِّل نوعًا من خدمة الدفاع "الإسرائيلي" الذي ادَّعى أنَّ جمهورية مصر العربية هي التي تفرض قيودًا على "إسرائيل"، وأنَّ الأخيرة لا تضع قيودًا أو شروطًا على إيصال المساعدات.

من جانب ثانٍ، يرى الباحث الطناني أنَّ إنزالًا جويًّا من هذا النوع سيخفِّف العبء أو الضغط الجماهيري الموجود داخل الدول التي نفَّذت الإنزال، سواءٌ كانت دولًا غربية (منها فرنسا والولايات المتحدة)، أو عربية (ومنها مصر والأردن والسعودية والإمارات والبحرين وقطر)، ولذلك رأينا إخراجًا "بروبجندا" إعلامية كبيرة من كل الدول المشاركة، دعاية أننا نقوم بواجبنا ونقدم التزامنا، وإطلاق مسميات على عمليات الإنزال، وحتى تخصيص صحفيين لتغطية عمليات الإنزال، ما سيمكِّن هذه الدول من تقديم مادة دعائية للجمهور بأنهم يؤدُّون واجبهم للآلاف من الذين يموتون جوعًا في شمال قطاع غزة، لتخفيف العبء والضغط الجماهيريَّين ومحاولة التنصل من المسؤولية الأخلاقية أمام مأساة المجاعة في شمال القطاع ومشاهد موت الأطفال بسبب نقص الغذاء، هذه المشاهد التي ستلاحق كل الدول المتواطئة مع الاحتلال في عدم إدخال المساعدات.

تجاوز "حماس" و"أونروا".. والبحث عن خيارات محلية

أما عن الهدف الخبيث الثاني المرتبط بتجاوز السلطات في القطاع، فيقول الطناني إنَّ أحد أهداف هذه الحرب -كما يعلم الجميع- يتمثل بفكفكة القدرات السلطوية القائمة في غزة، وإنَّ أي شكل من أشكال الدخول الرسمي عبر المعابر يعني مرورًا على الجهات الحكومية، ولأنَّ كل الضربات "الإسرائيلية" لم تفلح في منع هذه الجهات الحكومية من أداء واجبها، يجري البحث عن صيغ أخرى لتجاوزها، إلى جانب تجاوز وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، وهو جانب خطير جدًّا، إذ إنَّ وكالة "أونروا" تُعَدُّ الموزع الرئيسي للمساعدات وتتلقَّاها عبر المعابر الموجودة وتُوصِلها إلى مناطق قطاع غزة المختلفة، وعلى الرغم من الكثير من الملاحظات حول عدم قدرتها على أداء دورها، فإنَّ تجاوزَ "أونروا" ضمن حملة واسعة من التشكيك والاتهامات "الإسرائيلية" وتزامن عمليات الإنزال الجوي للمساعدات، مع اتهامات جديدة أطلقها المتحدث باسم جيش الاحتلال، تؤكد أنَّ أيضًا ثمة أهداف مرتبطة بتجاوز الوكالة وبحث صيغ أخرى لإيصال هذه المساعدات، إلى جانب ما يجري الحديث عنه من الاستعانة بعشائر أو بشخصيات محلية هنا وهناك لإيصال هذه المساعدات.

يؤكِّد الباحث الطناني أنَّ بيئة قطاع غزة ليست سلسة ولا سهلة لأي خيار من خيارات البحث عن عوامل أو أدوات محلية في هذا الإطار، فهي بيئة منظمة ومتماسكة جدا في شمال قطاع غزة وفي جنوبه، إذ إن مجتمع قطاع غزة أولًا ليس مجتمعًا قبليًّا بالشكل المعتاد، ويوجد في هذا المجتمع عدد كبير جدًّا من اللاجئين وسكان المخيمات، أما ثانيًا فإنَّ الولاء للقبيلة أو للعشيرة ليس الطاغي بدرجة أساسية، إذ إنَّ مجتمع قطاع غزة مجتمع منظَّم، وللتنظيمات والفصائل والقوى الوطنية فيه حضورًا قويًّا جدًّا وامتداداته قوية وهو حضور عالٍ داخل كل العائلات، وأبناء هذه العائلات يلتزمون بتوجيهاتهم التنظيمية والتزامهم الوطني على حساب التزامهم العشائري والعائلي، لذلك فإن البحث عن خيارات عشائرية وعائلية ينمُّ عن جهل ببيئة قطاع غزة، وإنَّ البحث عن أية عناوين محلية يمكن أن تتعاون مع الاحتلال، سيقابَل بالضرب بيد من حديد فيما يتعلق بتوجهات مشابهة.

ويضيف أنَّ الاحتلال يدفع اليوم في اتجاه تعزيز مظاهر البلطجة والفوضى عبر استهداف الأمن، وليس عبر وجود أدوات محلية يمكن أن تتساوق معه، وقد ضرب قوات الأمن وضرب الشرطة وحاول منعها من أداء واجبها ليسمح لبعض المنزلقين، الذين خرجوا من السجون بطبيعة الحال مع استهداف المقرات الأمنية، لنفِّذوا دور الفوضى، لكن أن يمارس أحد على الأرض دور استلام المساعدات من الاحتلال أو أي شكل من أشكال الإدارة المدنية ويقدمها إلى المواطنين فإنَّ هذا الأمر لن ينجح، وإنَّ كل الحديث عنه لن يتعدى كونه أضغاث أحلام من "نتنياهو" ومن وزير دفاعه.

أما بخصوص تمرير بعض التجاوزات جزئيًّا، فيقول الطناني إنَّ ذلك بهدف دخول المساعدات أولًا، والهدف الثاني ألَّا ينشأ أي شكل من أشكال الاقتتال الفلسطيني الداخلي كي لا تفلح دعاية الاحتلال في تسليط الضوء على محاولة شق الصف الفلسطيني الداخلي أو محاولة تأليب جزء من الشرائح الجماهيرية ضد المقاومة، أما فيما يتعلق بتجاوز بعض الأشخاص المحليين الخط الأحمر؛ أي خط التعامل المباشر مع الاحتلال، فيُقابَل بالضرب مباشرةً بيد من حديد، وأعتقد أننا في قادم الوقت ستكون لدينا أخبار أكثر وضوحًا عن عمليات قمع جرت بوضوح لبعض من سوَّلت لهم أنفسهم بفتح خطوط تواصل أو قبول التعاطي بخطوط تواصل مع هذه الأفكار المشبوهة.

ويعتقد الطناني أنَّ إعلام دول عربية الفصائلَ الفلسطينيةَ –"حماس" على وجه التحديد- بتنفيذ عمليات إنزال للمساعدات، وطلب تقديم مقترحات لأماكن تستهدفها تلك العمليات، يمثِّل نوعًا من رسائل الطمأنة هدفه إشعار حركات المقاومة بأن عمليات الإنزال ليست عملًا عدائيًّا يستهدف تجاوزَ المنظومة السلطوية في قطاع غزة، لكن على أرض الواقع لم تكن له أي جدية حقيقية، إذ لم يتم الإيفاء بهذه الأماكن، فوصل جزء منها إلى أماكن في الأراضي المحتلة وآخر سقط في البحر، ولم تصل المساعدات إلى مستحقيها بالشكل المطلوب، ولم يتم الإنزال في شمال قطاع غزة على وجه الخصوص، وهي المنطقة التي تعاني من المجاعة بدرجة أساسية.

التجهُّز لسيناريو اجتياح رفح وخروج المعبر عن الخدمة

في تقديره حول سبب إخراج معبر رفح سياسيًّا من دائرة كونه مدخلًا للمساعدات، يقدِّر الباحث الطناني أنَّ ذلك نوع من الجهوزية لسيناريو اجتياح رفح، في حال كانت ثمة نوايا عدوانية، والتي يعتقد أنها نوايا جدية لدخول رفح واحتلال محور فيلادلفيا، وإنَّ هذا -بطبيعة الحال- سيُخرِج معبرَي رفح وكرم أبو سالم عن الخدمة، وبالتالي فإنَّ الاحتلال يبحث أيضًا عن تقديم خيار جاهز للعالم ليعوِّض غياب معبر رفح، عبر تسهيل عمليات الإنزال الجوي للمساعدات، ليعطي العالم صورة بأن إلغاء معبر رفح أو إخراجه من الخدمة على الأقل مؤقتًا لن يكون أحد عوامل التجويع، وهو أمر دعائي وعارٍ عن الصحة تمامًا، وإنَّ كل ما يُلقى في عمليات الإنزال وكل ما ألقي طيلة هذه الأيام لا يتعدى كونه مجرد جزء من شاحنة من شاحنات المعبر، إلى جانب أنه لا توجد دقة في الوصول في كل عمليات الإنزال. إنَّ الأساس لمن يريد أن يساعد الشعب الفلسطيني أن يسمح بدخول المساعدات بشكل غير محدود وبشكل مفتوح وبآلية سلسة لكل أراضي قطاع غزة عبر معبر رفح، المنفَذ البري الذي سيكون إدخال المساعدات منه الحل الأساسي لتخفيف معاناة المواطنين.

التهدئة والخطوط الحمراء للمقاومة

يؤكِّد الطناني أنَّ الفصائل تبدي مرونة عالية في التعامل مع ملف الأسرى، على الأقل في المرحلة الأولى، على اعتبار أن العنوان في المرحلة الأولى عنوان إنساني بحت، وجزء منه مرتبط بوقف العدوان جديًّا. ويضيف أنَّ عودة النازحين إلى أماكن سكناهم في شمال قطاع غزة، وإدخال المساعدات بلا شروط إلى كل أنحاء القطاع، وانسحاب الآليات من أراضي القطاع، تمثِّل الخطوط الحمراء الرئيسة للمقاومة في أي اتفاق تهدئة قادم، وهي نقاط التعثر الآن، يقول الطناني. ويضيف أنَّ الإصرار على عودة النازحين، لأن للأمر بعدين رئيسيين: إفشال كل مخططات التهجير التي يحاول الاحتلال دفع أهالي قطاع غزة إليها، سواءٌ عبر دفعه إلى الهجرة القسرية إلى سيناء أو بقية الأراضي المصرية، أو عبر تسهيل عمليات الهجرة الطوعية إذ نرى اليوم آلاف العائلات تحاول البحث عن مخرج للبحث عن أمان، وبالتالي عودة هؤلاء السكان إلى أماكن سكنهم في قطاع غزة يمثِّل ضمانة أساسية لإفشال مخططات التهجير، إلى جانب أنَّ وجود السكان في أماكن سكناهم في شكال القطاع يعني أن احتمالات عودة الاحتلال إلى عدوانه ستصبح أصعب، واحتمالات بحث الاحتلال عن حرية الحركة داخل مناطق شمال قطاع غزة -ما سماها بعمليات المرحلة الثالثة- ستصبح أصعب، إلى جانب أنَّ عودة السكان ستعني كسر الحصار والتجويع في شمال قطاع غزة وبدء عودة الحياة إلى مجراها الطبيعي ودعم صمود هؤلاء المواطنين الذين رفضوا على مدار خمسة شهور تحت القصف وتحت الدمار من الخروج من أماكن سكناهم، إذ يوجد نحو نصف مليون إنسان أو أكثر في شمال قطاع غزة رفضوا الخروج تحت القصف واليوم الاحتلال ينتقم منهم بالتجويع، وبالتالي فإنَّ الخطوط الحمراء الثلاثة السابق ذكرها، ومن ضمنها إدخال المساعدات إلى قطاع غزة بشكل مفتوح دون قيود، تشكِّل ضمانة أساسية لإيقاف التهجير أولًا، وإيقاف الحرب مستقبلًا ومنع آلة الحرب الصهيونية من استئناف عدوانها.